رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"ليست دينية"| خبراء: فلسطين قضية سياسية.. والنظر إليها فى إطار دينى يخدم الاحتلال

غزة
غزة

 حذر عدد من أساتذة العلوم السياسية والخبراء والمفكرين من خطورة محاولات «تديين» الصراع العربى- الإسرائيلى، أى تصويره على أنه صراع دينى وليس سياسيًا، مشددين على أن الأصل فى الموضوع هو أن القضية الفلسطينية هى عبارة عن محاولة تحرر وطنى ضد استعمار واحتلال للأراضى الفلسطينية.

ووصف أساتذة العلوم السياسية والخبراء، الذين تحدثت إليهم «الدستور»، إضفاء الطابع الدينى على الصراع العربى- الإسرائيلى بأنه محاولة ومناورة سياسية رخيصة من الحكومة الإسرائيلية، بقيادة بنيامين نتنياهو، لزيادة عدد المؤيدين لها.

طارق فهمى: «تديين» الصراع يُدخلنا متاهة.. ولن يسفر عن أى حلول

شدد الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، على خطورة النظر إلى القضية الفلسطينية من إطار دينى أو حتى إنسانى، معتبرًا أن «تديين» أو «أنسنة» الصراع الإسرائيلى- الفلسطينى، هو أمر مرفوض وغير مطلوب.

وأوضح «فهمى» أن القضية الفلسطينية ليست إنسانية أو دينية، بل مقاربة سياسية فى المقام الأول، وذلك لمجموعة من الاعتبارات المهمة، أهمها وجوب إنشاء الدولة الفلسطينية بمقتضى القرار رقم «١٨١» لسنة ١٩٤٧، الذى نص على إقامة دولتين، دولة يهوية أُنشئت بالفعل، ودولة عربية من المفترض أن تُنشأ.

وأضاف أستاذ العلوم السياسية: «فكرة تديين الصراع الإسرائيلى- الفلسطينى، بمعنى قصر القضية بين المستوطنين والمتشددين الإسرائيليين، مقابل ما تفعله حركة (حماس) والمقاومة الفلسطينية- يُدخلنا إلى متاهة لا علاقة لها بحل القضية الفلسطينية».

ونبه إلى أن الصراع القائم إلى يومنا هذا فكرى أيديولوجى، يعتمد فى المقام الأول على فكرة نفى الآخر، مضيفًا: «القضية الفلسطينية سياسية ويجب أن تُسيس، بالعودة إلى مرجعيات الصراع العربى- الإسرائيلى والقرارات الشرعية الحاكمة لأسس هذا الصراع».

ورأى أن الحل الأمثل للقضية الفلسطينية قائم على وضع حلول سياسية، والاحتكام للمرجعيات الدولية، على رأسها القرارات الأربعة الرئيسية الصادرة عن الأمم المتحدة. 

وتابع أستاذ العلوم السياسية: «فكرة المقاومة وصبغها بمصطلحات دينية، وفى المقابل محاولات هدم المسجد الأقصى باستمرار أعمال الحفر والردم تحته، وغيرها من الأمور المشابهة- لا تخدم إنهاء الصراع العربى- الاسرائيلى، بل ستؤدى إلى صدامات لا جدوى منها، ولن تسفر عن أى حلول».

عبدالمنعم سعيد: كل الحروب على مدار التاريخ كانت تنتهى من خلال الحلول سياسية

أشار الدكتور عبدالمنعم سعيد، المفكر السياسى، رئيس الهيئة الاستشارية للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، إلى أن الصراع الفلسطينى- الإسرائيلى هو صراع سياسى بين دولة محتلة والدولة الفلسطينية.

وأضاف أن حركة حماس تتصدر عملية الكفاح المسلح الفلسطينى، وهى حركة قائمة على رؤية إسلامية واضحة، على أساس أن فلسطين وقف إسلامى. وذكر أن الجانب الإسرائيلى يتعامل بنفس التفكير، حيث تديره التنظيمات اليمينية بالدولة، وهى جماعات ترى أن هناك حقًا توراتيًا تاريخيًا فى أرض موعودة لهم وهى فلسطين، وبالتالى هى ترى أن الفلسطينيين أغراب ولا بد أن يتركوا الأرض، وبالتالى هُم على استعداد للسعى لتحقيق نكبة ثانية وثالثة. وأكد أن الحل لا بد أن يكون سياسيًا، مشيرًا إلى أنه فى عز الحروب الدينية كان الحل وتنظيم الصراع يتمان بشكل سياسى، وفى أيام الحروب الصليبية كان الملوك والأمراء والأباطرة يشكلون تحالفات سياسية.

محمد مهران: مناورة سياسية رخيصة لطمس قضية التحرر الوطنى ضد الاستعمار

قال الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولى العام، الخبير فى النزاعات الدولية، إن تصوير الصراع العربى- الإسرائيلى على أنه ذو طابع دينى فكرة مرفوضة، معتبرًا أن الحل يكمن فى التسوية السياسية العادلة وفق قرارات الشرعية الدولية.

وأضاف «مهران»: «القضية الفلسطينية بالنسبة للقانون الدولى قضية تصفية استعمار وإقامة دولة مستقلة، ولا علاقة لها من قريب أو بعيد بأى صراع دينى. أما محاولات تصويرها على أنها صراع بين الديانات، فما هو إلا مناورات سياسية رخيصة، تهدف لتشويه القضية وطمس جوهرها كصراع تحرر وطنى ضد نظام استعمارى وعنصرى ممثلًا فى الاحتلال الإسرائيلى». وواصل: «شعب فلسطين بكل مكوناته الدينية يناضل من أجل نيل حقوقه غير القابلة للتصرف فى تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطنى، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة وميثاق الأمم المتحدة».

وأفاد بأن القانون الدولى ينظر للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية شعب خاضع للاحتلال الأجنبى، ويكفل له الحقوق ذاتها المقررة للشعوب الخاضعة للاستعمار، بما فيها الحق فى تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة.

وأضاف: «كما يؤكد القانون الدولى بشكل قاطع عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية بما فيها فلسطين، ويلزم إسرائيل بالانسحاب الكامل من تلك الأراضى، وفق قرار مجلس الأمن رقم ٢٤٢ لعام ١٩٦٧». وواصل: «كما أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى عدة قرارات الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى غير القابلة للتصرف، ونددت بالانتهاكات الإسرائيلية لتلك الحقوق، مؤكدة ضرورة إنهاء الاحتلال وممارسة الشعب الفلسطينى حقه فى تقرير المصير».

وأكمل: «الموقف الراسخ للقانون الدولى يؤكد أن الحل العادل والشامل لا بد أن يقوم على قيام الدولة الفلسطينية المستقلة والسيادية على حدود ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية، ما يضمن تصفية الاحتلال وإقامة سلام دائم يرتكز لمبادئ العدل وحسن الجوار».

وشدد على أن أى محاولة لإضفاء طابع دينى على هذا الصراع تهدف فى المقام الأول لتفريغه من مضمونه الوطنى النضالى من أجل الحرية والاستقلال، وبالتالى إطالة أمد الاحتلال من خلال زرع بذور الفتنة وإشاعة خطاب الكراهية.

أيمن الرقب: محاولة من حكومة نتنياهو لزيادة عدد المؤيدين

أوضح الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أن «تديين» الصراع العربى- الإسرائيلى هو فكرة تحاول حكومة «نتنياهو» تثبيتها والترويج لها، بهدف زيادة عدد المؤيدين لها.

وأضاف «الرقب»: «نتنياهو يعتمد على علاقته بالمسيحية الصهيونية، التى تدعم قراراته وكل تحركاته»، مشددًا على أن «توجيه مسار الصراع إلى قضية دينية، محاولة فاشلة سيدفع ثمنها بكل تأكيد». وواصل: «فكرة توجيه القضية إلى الشق الدينى وبلورتها فقط فى هذا الإطار، ليست فى مصلحة الاحتلال، لأنها ستحرجه أمام دول كثيرة»، مشيرًا إلى أن استدعاء «نتنياهو» هذه «الخزعبلات» لن تفيده أو تكون فى صفه، بل ستجعله يخسر الكثير. واتفق «الرقب» مع الدكتور طارق فهمى على أن القضية الفلسطينية سياسية فى المقام الأول، وتحتاج إلى وضع حلول سياسية، من أجل إقامة دولة فلسطينية مستقلة وفقًا للقرارات الدولية الشرعية، التى اعتمدت فى كل مرجعياتها على المسار السياسى، وهذا الذى ينبغى استمراره للوصول إلى حلول تسوية تنهى الصراع بشكل جذرى.

ماهر فرغلى: العناصر المتطرفة تستغل القضية لحشد الأنصار وجلب التمويلات

قال ماهر فرغلى، الباحث فى شئون الحركات الإسلامية، إن الجماعات المتطرفة تحاول استغلال القضية الفلسطينية فى الحشد لصالحها، على أساس أنها قضية مركزية مهمة لا يختلف عليها أحد، خاصة الشعب المصرى فى ظل تعاطفه الكبير مع هذه القضية. 

وأوضح أن الجماعات المتطرفة تحاول دائمًا كسب الزخم بشأن القضية الفلسطينية لصالحها، من خلال تصدير تبنيها هذه القضية، رغم أن ذلك يتم على مستوى الإعلام فقط، دون تحركات حقيقية على أرض الواقع، وهو ما يحقق لها تعاطفًا.

وأكمل: «تحاول هذه الجماعات إظهار مدى تفاعلها مع قضايا وطنية بمشاركتها فيها، كمحفل كبير ذى اهتمام جماهيرى، ويتم استغلال هذا الخطاب والتضامن فى حشد الجماهير، وعملية تجنيد عناصر لصالحها، كما أن هذا الأمر يوفر للتنظيمات المتطرفة الحصول على تمويلات خارجية».

وأشار إلى أن هذه التنظيمات تعمل على تحويل القضية إلى شأن دينى، بعيدًا عن السياسة، لأن ذلك يحقق لها قدرة على الحشد، رغم أن ذلك له آثار سلبية على القضية ويضعف إمكانية حلها على أساس سياسى، فى حين أن معاملة هذه القضية بصفتها قضية دينية يقلل إمكانية الحل.

رخا حسن: الغرب حشد أساطيله لأنه يرى «حماس» خطرًا على إسرائيل

شدد السفير رخا حسن، مساعد وزير الخارجية السابق، على أن من يقود عملية المقاومة الفلسطينية فى غزة منذ ٧ أكتوبر حتى الآن، هو تجمع تشارك فيه ٦ منظمات، بينها منظمتان تحسبان على التيار الدينى، وهما «حماس» و«حركة الجهاد الإسلامى».

وتابع: «هذا يفسر الصراع والاندفاع من جانب قوات حلف الناتو الأساسية والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، لحشد أساطيلها وأسلحتها مع إسرائيل، وهذا ما جعل جوزيف بوريل مسئول السياسة الخارجية والأمن فى الاتحاد الأوروبى، يصرح بأنه من غير الممكن القضاء على حماس لأنها فكرة، والفكرة لا يمكن القضاء عليها».

وأضاف أن الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبوالغيط، قال فى اجتماع وزراء الخارجية العرب جملة سريعة وعابرة وهى: «نأمل ألا تتحول الحرب إلى صراع دينى»، مضيفًا أن الدول الغربية تدرك أنه إذا انتصرت حماس وخرجت من هذه الحرب وهى لا تزال موجودة، فإن هذا خطر على إسرائيل.

وتابع: «يقابل ذلك، الطرف الإسرائيلى الذى يقوده الجناح المتطرف العنصرى ودوافعه دينية مستلهمة من كتاب التلمود، وهو تفسير أكثر تطرفًا للتوراة، فهم يقولون إذا استطعت أن تواجه عدوك وتتفوق عليه اقتله واستولى على أمواله، واقتل كل الأعداء أطفالًا ونساءً».

وأكد أن الصراع الفلسطينى- الإسرائيلى، سياسى من الدرجة الأولى، مشيرًا إلى اتفاق أوسلو الذى قبلته فلسطين بحكم الأمر الواقع، وهو مبنى على إقامة الدولة الفلسطينية على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس، إضافة إلى الرأى الاستشارى لمحكمة العدل الدولية بشأن الجدار العازل، مضيفًا أن هذا الرأى الاستشارى وثيقة أساسية لحقوق الشعب الفلسطينى لأنه استند لقرار التقسيم، ولم يستند إلى اتفاق أوسلو، ويقول إن الفلسطينيين وقعوا اتفاق أوسلو تحت قوة الاحتلال، وأنه لم يُنفَّذ.

وأكد أن القضية سياسية بامتياز، وحق الشعب مكفول فى تقرير مصيره، مطالبًا بفرض نوع من العقاب على إسرائيل، لأنها دولة احتلال استيطانى عنصرى، ومقاطعة إسرائيل اقتصاديًا وتجاريًا إلى أن تقبل بقيام الدولة الفلسطينية.