رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد نجيب فى فلسطين

يحاول البعض- للأسف الشديد- التشكيك فى الدور المصرى المناصر للقضية الفلسطينية، من هنا كانت سلسلة المقالات عن تاريخ هذا الدور، واستمراريته عبر العهود المختلفة التى مرت بها مصر. وربما لا يعلم البعض، سواء فى مصر أو فى العالم العربى، أن أول رئيسين لمصر قد شاركا فى حرب فلسطين عام ١٩٤٨، وخصصنا أحد المقالات السابقة للحديث عن الرئيس عبدالناصر وحصار الفالوجا شمال قطاع غزة أثناء حرب ٤٨، واليوم نتحدث عن محمد نجيب أول رئيس لجمهورية مصر العربية، ومشاركته فى هذه الحرب.

وبدايةً يشير نجيب إلى نقطة مهمة، ربما أشار إليها عبدالناصر أيضًا، بل ومعظم من شارك فى الحرب، وهى خطأ الزج بالجيوش العربية فى الحرب آنذاك وهى لم تكن مهيأة بعد، سواء بالسلاح الكافى أو التدريب اللازم للمشاركة فى مثل هذه الحرب، هذا فضلًا عن إظهار إسرائيل عالميًا بمظهر الضحية، بينما فى الحقيقة كان قد تم إعداد جيش إسرائيل جيدًا من خلال انضمامه للخدمة العسكرية ضمن جيوش الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية.

من هنا يطرح نجيب وجهة نظره التى كانت فى الوقت نفسه وجهة نظر العديد من الساسة فى مصر أيضًا: «كان رأيى فى هذه الحرب ألا تكون صدامًا بين جيوش نظامية، وإنما تكون قتالًا شبيهًا بحرب العصابات، يقوم بها المتطوعون». والأخطر من ذلك أن نجيب يشير إلى الاندفاع فى دخول الحرب دون دراسة جيدة من جانب الحكومات العربية: «لكن الأمر فيما يبدو لم يكن موضع دراسة، ولم تكن هناك فرصة للبحث العميق فى إمكانيات الانتصار، واندفعنا إلى المعركة فى غمرة حماس شديد دون تقدير سليم للموقف».

كما يشير محمد نجيب إلى الخلافات الحادة سواء بين الجيوش العربية بعضها البعض، أو حتى داخل الجيش الواحد. ومع ذلك استطاع الجيش المصرى تحقيق تقدم ملحوظ فى المعارك، بل وإحراز بعض الانتصارات المهمة؛ فعلى سبيل المثال يشير نجيب إلى معركته فى أسدود- التى هى الآن ضمن الأراضى الإسرائيلية- كيف انتصرت فيها القوات المصرية تحت قيادته، وتم أسر «١٢٢ جنديًا وسبع بنات». واستبسل نجيب فى الحرب، مثله مثل كل أفراد الجيش المصرى، حتى أنه- نجيب- جُرِح ثلاث مرات خلال فترة الحرب، وفى كل مرة كان يعود من جديد إلى الميدان. ولم تكن إصابات نجيب أثناء الحرب بالخفيفة على الإطلاق، ففى إحداها أمضى ٣٩ يومًا فى المستشفى.

ويلفت نجيب الانتباه إلى مسألة مهمة وهى قضية الأسلحة الفاسدة الشهيرة، وينفى حدوث أى خيانة فى الجانب المصرى: «لا أريد أن أنزلق مثل الكثيرين إلى تعليق عدم انتصارنا فى حرب فلسطين على الأسلحة الفاسدة، وهى القضية التى استخدمت للدعاية ضد النظام القائم حينذاك، ولكنها انتهت إلى الحكم بالبراءة فى عهد الثورة».

هكذا نرى اشتراك أول رئيس لمصر فى الدفاع عن فلسطين، وفى الوقت نفسه اشتراك ثانى رئيس- عبدالناصر- أيضًا، لذلك لم تغِب القضية الفلسطينية أبدًا عن الوعى المصرى.