رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زلزال فى إسرائيل.. «حرب غزة» تفرض عزلة سياسية على نتنياهو.. والانقسام يهدد حكم «الليكود»

زلزال فى إسرائيل
زلزال فى إسرائيل

دَبَّ الشقاق فى الكيان الصهيونى وانتشر كسرطان الزجاج، وأصبح كل سياسى يتبرأ من جرائم الحرب التى يرتكبها فى غزة «بنيامين نتنياهو»، رئيس وزراء الاحتلال، وجاء ذلك بعدما تأكد الجميع من أن الإبادة الجماعية لمدة تجاوزت الشهرين، فشلت فى القضاء على المقاومة الفلسطينية أو تهجير الشعب الأبىّ، وأصبح المطلب الأبرز هو محاكمة نتنياهو، بينما يختبئ أعضاء الكنيست من الكاميرات.

«جيروزاليم بوست»: إحجام وزراء الحكومة وأعضاء الكنيست عن الظهور العلنى مؤشر للغضب الشعبى منهم

صحيفة «جيروزاليم بوست»، الإسرائيلية، قالت إن عملية طوفان الأقصى تسببت فى تحول جذرى أشبه بالزلزال فى المشهد السياسى فى إسرائيل بشكل شبه مؤكد، ويُمثل أحد مؤشرات الغضب الشعبى المتصاعد إحجام وزراء الحكومة وأعضاء الكنيست عن الظهور العلنى.

وقالت الصحيفة إن الكثير من السياسيين البارزين لا يزورون الجرحى فى المستشفيات أو حتى يحضروا الجنازات هذه الأيام- وهى مجاملات كانت شائعة فى الماضى- بسبب القلق من ردود الأفعال التى سيواجهونها.

وتابعت: «سيكون من المستحيل بالنسبة للحكومة ونتنياهو تجاهل هذا الغضب، الذى سوف ينفجر حتمًا فى شكل طوفان من الاحتجاجات والمظاهرات، عندما تتضاءل حدة القتال فى غزة ويعود جنود الاحتياط من هناك».

وأكدت أن نتنياهو سُئل فى أحد مؤتمراته الصحفية الأخيرة، عما إذا كان سيتنحى بعد الحرب؟، فأجاب بأنه الآن «منشغل بشن الحرب ولا يفكر فى السياسة»، بل إنه حصل على تفويض من الشعب للحكم، ولكن يبدو أن الشعب يطالب الآن بإلغاء هذا التفويض.

وأوضحت الصحيفة أن إسرائيل مرت بهذا من قبل، ولهذا السبب فمن الآمن أن نقول إن زلزالًا سياسيًا فى طريقه إلينا، مثلما حدث فى أكتوبر من عام ١٩٧٣، حينما أجريت انتخابات بعد شهرين من الحرب خسر فيها حزب رئيسة الوزراء جولدا مائير. 

وأضافت: «حرب أكتوبر ساعدت فى سيطرة الليكود على السياسة طوال معظم السنوات الخمسين التالية، وبنفس المعنى يتوقع أن إخفاقات ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ ستؤدى إلى نهاية قبضة الليكود الطويلة على السلطة».

وأشارت إلى أنه من المؤكد أن هجمات ٧ أكتوبر لن تدفع البلاد إلى اليسار، مثلما حدث فى حرب أكتوبر- فإخفاقات حكومة اليسار هى التى دفعت البلاد إلى أحضان الليكود واليمين- لكنها ستؤدى إلى شىء مختلف، وسوف تتغير الكوكبة السياسية فى البلاد، حتى ولو كان التوازن بين اليمين واليسار من غير المرجح أن يتغير بشكل كبير، وستكون هناك تحولات دراماتيكية داخل كتل اليمين واليسار والوسط، على الرغم من وجود تغييرات قليلة مهمة بينها.

وأضافت الصحيفة أن معظم استطلاعات الرأى تظهر أن حزب الوحدة الوطنية بزعامة بينى جانتس، يتقدم بفارق كبير على أى من الأحزاب الحالية فى الكنيست. 

وأظهر استطلاع للرأى أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلى، أن ما يزيد قليلًا على ثلثى الجمهور «٦٩٪»، يعتقدون أنه ينبغى إجراء انتخابات جديدة مباشرة بعد الحرب، فى حين أنه من الواضح أن اليساريين والوسط يرغبون فى رؤية انتخابات فورية، فإن ما يثير الدهشة هو أن ٥١.٥٪ من الذين يعرفون أنفسهم على أنهم يمينيون يريدون رؤية انتخابات جديدة أيضًا، فما يدل على مدى وجود انتخابات جديدة هو الغضب والرغبة فى محاسبة المسئولين.

وأوضحت أن السبيل الوحيد لإجراء انتخابات جديدة الآن، هو أن يحل الكنيست نفسه نتيجة لخسارة الائتلاف أغلبيته وعدم قدرته على تمرير التشريعات.

على جانب آخر، كشفت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عن أن لقاء «نتنياهو» بعض عائلات المحتجزين لم يخفف من الضغوط الكبرى التى يتعرض لها من أجل وقف إطلاق النار، والعمل على إطلاق سراح المحتجزين.

واتهم أحد أفراد عائلات المحتجزين «نتنياهو» بتقليد أساليب يحيى السنوار، زعيم حماس فى غزة، قائلًا: «إنه يجتمع بنا على دفعات، اليوم هناك دفعة ومن يعلم متى ستكون الدفعة التالية، الجميع حريصون على معرفة ما إذا كانوا فى الدفعة التالية أم لا».

المعارضة تتمسك برحيله.. وبينى جانتس البديل المنتظر

كما سلطت التقارير الدولية الضوء على الانقسام الإسرائيلى، فحسب شبكة «ميديا لاين» الدولية، فقد دعا زعيم المعارضة فى البرلمان الإسرائيلى، يائير لابيد، علنًا، إلى إجراء انتخابات جديدة فى البلاد، فى ظل الحرب المستمرة فى قطاع غزة. ويُعدّ «لابيد» أول زعيم للمعارضة فى إسرائيل يدعو صراحة لإجراء انتخابات جديدة، منذ أن بدأت الحرب الإسرائيلية فى غزة، وهو أمر غريب، إذ تمتنع الحكومات عادة عن إجراء أى انتخابات فى وقت الحرب. وقال «لابيد»، الذى يقود حزب «يش عتيد» الوسطى فى الهيئة التشريعية الإسرائيلية المكونة من مجلس واحد والسلطة الحكومية العليا، الكنيست، إنه يعتقد أن الوقت قد حان لقيادة جديدة. وتابع: «نتنياهو لا يمكن أن يستمر كرئيس للوزراء، ومن الممكن إجراء انتخابات خلال الحرب». وأشارت التقارير إلى أن العديد من المعارضين السياسيين، بما فى ذلك «لابيد»، أعربوا عن اعتقادهم بأن الحكومة الحالية مسئولة عن الفشل الكبير للأمن القومى فى هجوم ٧ أكتوبر، وطالبوا باستقالتها. واستنادًا إلى استطلاع رأى، فإن الجنرال المتقاعد فى الجيش وزعيم تحالف الوحدة الوطنية السياسى، بينى جانتس، هو السياسى الأكثر شعبية ليحل محل «نتنياهو»، إذ يقول أقل من ٥٠٪ من الإسرائيليين إن «جانتس» يجب أن يقود البلاد. وكان «جانتس» عضوًا فى حكومة «نتنياهو» الحربية، وقد عارض فى السابق الدعوات لإجراء انتخابات، بينما لا تزال الحرب مشتعلة، وألقى الجنرال المتقاعد والسياسى من يسار الوسط، عاموس يادلين، الكثير من اللوم فى فشل المخابرات الإسرائيلية فى الفترة التى سبقت ٧ أكتوبر، والفوضى التى نتجت عن الإصلاح القضائى الذى اقترحته حكومة «نتنياهو».

عائلات المحتجزين ترفض الليكود.. وتطلب تبادل أهاليها مع كل الأسرى الفلسطينيين

كشفت مجلة «إل باييس» الإسبانية عن أن غضب الشعب الإسرائيلى، خصوصًا من عائلات المحتجزين تجاه نتنياهو، تصاعد بقوة مؤخرًا، بعد مقتل ٣ محتجزين على يد الجيش الإسرائيلى، رغم حملهم أعلامًا بيضاء وتحدثهم اللغة العبرية، ليصبح أسوأ الحوادث فى الجيش الإسرائيلى منذ اندلاع الحرب.

وأضافت المجلة أن الغضب لعائلات ١٣٠ محتجزًا تصاعد بقوة، متهمين الحكومة بالتراخى فى تحريرهم، وقال بعضهم لنتنياهو: «نريدهم أحياءً وليس فى أكياس»، وطالبوه بتقديم عرض فورى لحماس من أجل الإفراج عنهم؛ حتى لو كان المقابل تبييض السجون الإسرائيلية من كل الأسرى الفلسطينيين».

وتابعت: «فى خضم فضيحة مقتل المحتجزين على أيدى الجيش الإسرائيلى، تحاول السلطات بقيادة نتنياهو استئناف مفاوضات إطلاق سراح باقى المحتجزين مع حماس بقوة أكبر من المرات السابقة، من خلال تكثيف الاجتماعات الداخلية والخارجية على أعلى المستويات، مثل الاجتماع المقرر عقده فى أوسلو بين رئيس الموساد ديفيد بارنيا، ورئيس وزراء قطر الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثانى». 

وأوضحت أن غضب عائلات المحتجزين يتزامن مع انهيار شعبية نتنياهو فى الشارع الإسرائيلى، ووفقًا لاستطلاع حديث نشره معهد «لازار» للأبحاث لصالح صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، يعتقد أقل من ٣٠٪ من الإسرائيليين أن نتنياهو هو الشخص المناسب لقيادة الحكومة.

وقال روبى تشين، الذى استقبله الرئيس جو بايدن الأسبوع الماضى مع أفراد آخرين من عائلته فى الولايات المتحدة: «الحكومة الإسرائيلية لا تتحدث مع العائلات، وبعد عودته من واشنطن تلقى اتصالًا من الجهات الإسرائيلية الحكومية مفادها أن نتنياهو لن يلتقى معهم، وعبر الكثيرون عن غضبهم من موقف نتنياهو المعادى لهم وتجاهله، حتى طالب البعض بإقالته».

وقال «تشين»: «نطلب من مجلس الوزراء الحربى التحدث مع العائلات وعدم إخبارنا بأنهم ينتظرون عرضًا من الولايات المتحدة، أو مكالمة من شخص آخر»، وشدد على أنه يتعين على الحكومة الإسرائيلية أن تطرح عروضًا على الطاولة، بما فى ذلك تحرير الأسرى الفلسطينيين مقابل إعادة المحتجزين الإسرائيليين أحياء».

وأكدت شبكة «إن بى سى نيوز» الأمريكية أن الغضب المتصاعد من الحكومة الإسرائيلية امتد إلى شوارع تل أبيب بعد قتل المحتجزين الثلاثة.

وفى ساحة وسط مدينة تل أبيب، المعروفة باسم «ساحة الرهائن»، قالت راز بن عامى، التى أُطلق سراحها فى أواخر الشهر الماضى، أمام حشد من المئات، إنها «حذرت» الحكومة الإسرائيلية من أن العمليات العسكرية فى غزة تضع المحتجزين فى خطر، وقد ثبت «للأسف» أنها على حق.

جيش الاحتلال يصطدم مع رئيس الحكومة ويجمع معلومات لإدانته

كشفت صحيفة «نيويورك تايمز»، الأمريكية، عن أن الحكومة الإسرائيلية منقسمة بقوة منذ بداية العدوان، وظهرت ذروة هذا الانقسام مع قرار الغزو البرى، إذ رفض جزء من الحكومة الغزو البرى من أجل منح الفرصة للمفاوضات والإفراج عن المحتجزين، بينما رأى وزراء آخرون- خصوصًا المتطرفين- أن أى هدنة أو وقف لإطلاق النار أو توقف الغزو البرى؛ من شأنه أن يمنح القدرة لحماس على إعادة تجميع صفوفها.

وأضافت الصحيفة أن بعض الوزراء فى حكومة نتنياهو يلقون باللوم على قرار غزو قطاع غزة البرى فى تكبد الجيش الإسرائيلى خسائر غير مسبوقة، محذرين من أن استمرار وجود الدبابات الإسرائيلية سيعمل على توسيع نطاق الحرب. وقال دانى دانون، أحد كبار المشرعين من حزب الليكود، الحزب اليمينى الذى يتزعمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: «لدينا حكومة ذات آراء مختلفة». وأوضحت الصحيفة أن الفوضى السياسية والعسكرية ضربت إسرائيل بعد عملية طوفان الأقصى بصورة كبيرة، حيث هزت صدمة الهجوم إحساس الإسرائيليين بأنهم لا يقهرون، وأثارت الشكوك والنقاشات حول أفضل السبل التى ينبغى لبلادهم أن ترد بها، ما دفع الحكومة لاستدعاء حوالى ٣٦٠ ألف جندى احتياطى، ونشرت العديد منهم على الحدود مع غزة، وسرعان ما تحدث مسئولون كبار عن إطاحة حماس من السلطة فى القطاع، التى لم تتحقق رغم دخول الصراع شهره الثالث. وتابعت أن الخلافات امتدت من الحكومة إلى المؤسسة العسكرية، حول ما يجب فعله فى الخطوة المقبلة إذا ما فشلت المفاوضات المقبلة.

وقال يوهانان بليسنر، رئيس معهد الديمقراطية الإسرائيلى، وهى مجموعة بحثية مقرها القدس المحتلة: «كل المؤشرات تشير إلى أن نتنياهو يقاوم الرفض الكبير له، وسيبذل كل ما فى وسعه للبقاء فى منصبه». وأوضحت الصحيفة أن الخلافات بين الجيش ونتنياهو كبرى وعميقة للغاية، لدرجة أن موظفى الخدمة المدنية منعوا الجيش من إحضار معدات التسجيل إلى اجتماعات مجلس الوزراء، وفقًا لشخصين حاضرين، وفسروا هذه الخطوة على أنها محاولة للحد من كمية الأدلة التى يمكن تقديمها إلى تحقيق وطنى بعد الحرب.

وتابعت أن نتنياهو أصبح معزولًا على نحو غير عادى منذ عملية طوفان الأقصى، فى ظل انهيار شعبيته بصورة قياسية، واتهامه بأن قيادته الفوضوية خلال العام الماضى مهدت الطريق لفشل أمنى كارثى فى ٧ أكتوبر.