رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إن مَنْ بدأ الأحلام يحققها

بدا اليوم الأول من انتخابات الرئاسة المصرية عرس وطني بمعنى الكلمة.. وشهد الشارع أفراحًا تبتهج بهذا الحدث الديمقراطي، الذي يتنافس فيه أربعة مرشحين على مقعد رئاسة مصر القوية العظيمة، التي مازالت تواصل مسيرة الإصلاح والبناء، والنهوض إلى عنان السماء، رغم التحديات الجِسام التي تعترض هذه المسيرة، بالأزمة الاقتصادية العالمية، والصراعات الإقليمية الطاحنة، وتشكيك المغرضين في جدوى كل إنجاز تحققه الدولة المصرية.. وقد أسعدني الحظ، بحكم شغف مهنة الصحفي، أن مررت على عدد من اللجان، في طريق ذهابي إلى جريدتي.. والحق أقول، إنني سعدت بهذه المشاركة الضخمة من فئات المجتمع المصري، وذلك الحضور الكثيف للمرأة، مُربية الأجيال، والعمود الفقري للأسرة المصرية الكبيرة، وصبرها على ازدحام طوابير الدخول إلى اللجان، لأنها بالتأكيد الأحرص على مستقبل أولادها، والأقدر على أن تضعه في اليد الأمينة التي تحافظ عليه، وتصعد به إلى عنان السماء.. وكان من بينهن، الكاتبة الصحفية فريدة الشوباشي، التي قالت إنها بكت خلال الإدلاء بصوتها، في مكتب صحة منشأة بالجيزة، لأنها لم تكن تتخيل أن تدلي بصوتها في الانتخابات في هذا العمر.. وكذلك، أدلت السيدة عيدة سلامة سليم، مُعمِّرة من قبيلة الأحيوات بجنوب سيناء، وصاحبة المائة وواحد عام، بصوتها في اللجنة الأساسية بمجلس مدينة طابا القديم، والتي أكدت أنها حرصت على الحضور برفقة نجلها من إحدى التجمعات البدوية الذي يبعد عن اللجنة الانتخابية بنحو خمسة وعشرين كيلومترًا، لتشارك في الانتخابات.
في هذه المرحلة الحالية التي نعيشها، تشهد مصر أزهي عصورها، وكان من الواجب أن يري العالم هذا المشهد الديمقراطي.. فالانتخاب حق مكفول لكل مواطن وعليه ألا يتنازل عنه.. وعلينا هنا أن نعترف بأن الإعلام قام خلال هذه الفترة بدوره، دون أن يتخلي عن مناقشة الموضوعات الأخرى، في الداخل أو في الإقليم والمحيط العربي.. لقد قام بالتركيز علي إبراز أهمية الانتخابات للمواطنين وتنبيه الشعب بعدم الالتفات إلى الدعوات السلبية التي يطلقها البعض، وقد أصبح معروفًا للكافة من يقومون بإطلاقها، فهم أشخاص ليس لهم أي صلة حقيقية بالوطن، أشخاص سلبيون لا يتماشون مع انتماء المواطن الحقيقي تجاه بلده، ولا مع أملنا جميعًا في مسيرة النهضة والتقدم.
إن الطفرة الاقتصادية التي تشهدها مصر، تؤتي ثمارها نتيجة الاستقرار والأمان، وجزء من الاستقرار هو المشاركة في الانتخابات، التي تؤكد أن الشعب المصري يعي أهمية المرحلة الحالية، والانتخابات تؤكد تطابق المسار السياسي مع فكر تثبيت أركان الدولة، وذلك يلقى بتأثيرات إيجابية علي الوطن بأكمله، لأن المشاركة في حد ذاتها تعبير عن اهتمام الشعب بالوطن.. وكما أبهرنا العالم بالإنجازات الاقتصادية، يجب أن نُظهر للعالم أن الشعب المصري حريص على وطنه ويشارك في الحياة السياسية.. وبغض النظر عن اختيارات الناخبين، فالمشاركة بكثافة تعزز من الاستقرار وترسخ أركان الدولة وتمنح الوطن قوة داخليًا وخارجيًا، فالانتخابات أحد استحقاقات المرحلة التي عملنا على تثبيتها في أعقاب ثورة الثلاثين من يونيو، لأن الانتخابات، باعتبارها حدثا هاما بالنسبة للمرشحين والناخبين والحياة العامة، فإنها تؤدي إلى التفاعل بينهم جميعًا خلال الفترة الانتخابية، والذي يُعد بمثابة كتابة عهد بين المواطنين والمرشحين يمتد لست سنوات مقبلة.. كيف لا؟! وهي بمثابة دفاع عن أمنهم القومي الداخلي والخارجي، واستكمالًا لما بدأ منذ عشر سنوات، خصوصًا في مجال مكافحة الإرهاب وتطهير البلاد من العناصر التكفيرية، بالإضافة إلى استراتيجيات الدولة في القضاء على الفقر والبطالة من خلال الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة، وكذلك مشروعات القضاء على الأمراض التي عاني منها المواطنون لسنوات، مثل فيروس سي، التي أصبحت مصر من أعلى الدول شفاءً منه. 
الوطن القوي من الداخل تنعكس قوته على عالمه الخارجي ومحيطه الإقليمي، وما يجري من تدعيم للقوات المسلحة والشرطة يمثل حجر الزاوية للأمن الاقتصادي والمجتمعي المصري، وردًا على كل المؤامرات التي تُحاك ضد الدولة المصرية، سواء من أعدائها في الداخل أو من خلال دول الشر التي تسعي لتفتيت المنطقة، والسيطرة على مصادر الثروات، ولكن تبقي مصر، باعتبارها الحامي الأول للدول العربية، عائقًا بالنسبة لهم لتحقيق أهدافهم المغرضة.. وتأتي المشاركة في الانتخابات تأكيدًا على مبدأ المواطنة، الذي يعني أقامة دولة ديمقراطية حديثة، والتوافد على صناديق التصويت هو شرط المواطنة، لأنه كما يريد المواطن أن يحصل على حقوقه كاملة، فعليه أيضًا أن يؤدي دوره وواجباته تجاه الوطن على أكمل وجه، لتكون العلاقة متساوية.. أن نضع جميعًا، وفي الوقت الحالي، مصلحة الوطن أمام أعيننا، وأن نضعها في المقام الأول، فهذا واجب لا مناص منه، والمشاركة في الانتخابات بمثابة ترجمة حقيقية تعبر عن حبنا لهذا البلد، الذي يستحق منا أن نرعاه ونعمل على إرساء كل عناصر الديمقراطية والتقدم به، لتستكمل الأجيال القادمة المسيرة بعدنا.
وإذا كنا نود أن ننمي المواطن سياسيًا، فإن المشاركة في عملية التصويت بالانتخابات الرئاسية، يعد تنمية سياسية للمواطنين، والتي تحتاج للتكرار.. فالسياسة عبارة عن تدريب وتجربة يمر بها المواطن، تمنحه ثقافة سياسية ووعي بحقوقه، وخبرة متراكمة وشعور بأهمية صوته لخدمة الوطن.. خبرة وتعوّد على التصويت والحضور والمواعيد، بالإضافة إلى مناقشة القضايا الوطنية والسياسية مع من حوله، وهي تعد عملية تعليمية سياسية.. وكما قلنا، فإن كثافة التصويت تعطي صورة للخارج بأن النظام المصري مستقر وقوي، والمشاركة نوع من دعم المواطن للبلد في تلك المرحلة، ولكشف أكاذيب من يريدون أن يقولوا أن الوضع غير مستقر.. مع أن محاولاتهم لتعكير صفو الانتخابات وتصريحاتهم التحريضية، دليل علي خوفهم من أن تمر تلك الانتخابات بشكل جيد وبمشاركة كبيره، لأن ذلك يترتب عليه وقف التمويلات الخارجية، التي تتدفق على الجماعة التي تمارس دور المعارض من الخارج، لأنها ستفقد قوتها ولن تكون هناك حاجة لضخ مزيد من هذه التمويلات لدعمها، بعد أن فقدت تأثيرها.
تُعد انتخابات الرئاسة 2024، خامس انتخابات رئاسية تعددية تشهدها البلاد فى تاريخها الحديث، وتكتسب أهميتها الإضافية من كونها خطوة رئيسية فى مسار الدولة نحو التحول الديمقراطى والتعددية الحزبية والتنافسية السياسية، والتى أتت بعد عام ونصف العام من حوار وطنى جاد وغير مسبوق، شمل كل مكونات المجتمع المصرى السياسية والنقابية والأهلية.. وشهد عدد من لجان الانتخابات الرئاسية، في يومها الأول، متابعة دولية من قبل إئتلاف "نزاهة" التابع لمؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، من منطلق إيمان المنظمات بأهمية التكامل بين المتابعة المحلية والدولية للانتخابات الرئاسية، وتقييم العملية الانتخابية وفقًا للمعايير الدولية المُتعارف عليها للانتخابات الحُرة والنزيهة.. وقد أكد الائتلاف على التزامه بالقواعد والإجراءات المنظمة لمشاركة منظمات المجتمع المدني فى متابعة العمليات الانتخابية التي أقرتها الهيئة الوطنية للانتخابات، مشيدًا بنزاهة وسير الإنتخابات أمام الناخبين دون عقبات.. وقد تصدرت السيدات والشباب وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة المشهد الانتخابي، وجرى تزويد اللجان بكراسي متحركة لخدمتهم، وتسهيل الإدلاء بأصواتهم، وسط تواجد أمني من قوات الشرطة أمام اللجان لتأمينها من الخارج.. كذلك، أعلنت وزارة الصحة والسكان، تمركز ستة وأربعون عيادة طبية داخل اللجان الانتخابية بثلاثة عشرة محافظة، وسبعة عشرة عيادة طبية متنقلة في خمسة عشرة محافظة على مستوى الجمهورية، خلال أيام الانتخابات الثلاثة، ضمن خطة التأمين الطبي للانتخابات، تقدم للمواطنين خدمات الكشف الطبي والعلاج، إلى جانب خدمات الطوارئ، بالإضافة إلى صيدلية تتوافر بها كل الأدوية.
■■ وبعد..
فإن الأحداث الجارية، الحرب في غزة والانتخابات الرئاسية في مصر، حققت هدف عودة قطاع عريض من المصريين إلى الاهتمام بالسياسة، والضلوع في مناقشات وسجالات لا تقتصر بالضرورة على سعر طبق البيض ومآل عبوة الحليب وجنون الشاي والسكر والزيت، أو حتى التسعيرة الجديدة للدروس الخصوصية والقيمة التعسفية التي يفرضها "السياس" وسائقو الـ"توك توك"، وغيرهم من مقدمي الخدمات العشوائية دون ضابط رقابي أو رابط أخلاقي.. واليوم تبدو منصات السجالات وحلبات المناظرات وكأنه قد تم تصفيرها.. لا صوت يعلو على صوت ما يجري في غزة، ولا همّ يفوق همّ ما سينجم عنه "الطوفان" وما ستسفر عنه "السيوف".. ما يمكن قراءته بين سطور مناقشات المصريين، وما يمكن استشرافه في ضوء دفة الحوارات، هو أن "طوفان" هجمات حماس و"سيوف" ردود إسرائيل، ستضع من دون أدنى شك أمن مصر وسلامة حدودها ووحدة أراضيها في موقف صعب وحساس، إن لم يكن خطرًا ومهيبًا.. وهذا ما دفع الملايين إلى صناديق الانتخابات، لاختيار رئيس مصر في الفترة المقبلة، والمحافظة على الرجل الذي أطلق أحلام الشعب المصري، والذي عليه أن يحققها.. الرجل الذي حقق الأمن والأمان، وأحاط مصر بمظاهر القوة، وعليه أن يُكمل المشوار حتى يُبلِّغها مأمنها.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.