وجوب معالجة إسرائيل من العمى والصمم أولا!!
ما إن انتهت الهدنة المؤقتة، هدنة تبادل الأسرى والمحتجزين بين إسرائيل وغزة، حتى عادت إسرائيل إلى عنفها الأول وزيادة.. العنف الذي يخالف ما توقعه المتفائلون الطيبون من أن الهدنة قد تكون بداية لهدن أخرى، ومن ثم لإيقاف الحرب وحصول التفاهم، تحيل إسرائيل حلفاءها قبل خصومها إلى الإيمان بأن صراعها المستمر مع الفلسطينيين هو صراع وجود لا حدود، وهو التصور الذي يعيدنا جميعا إلى نقطة صفرية، وإلى النظر إلى السماء كمن يسألون الأقدار: إلى أين؟ وإلى متى؟..
أمريكا تدعم إسرائيل في هذه الحرب، تدعمها دعما يكاد أن يكون مطلقا، وبعلنية لا سرية، إلا أنها لا تبدو متحمسة لاستمرار النزال كتحمس الإسرائيليين أنفسهم، ولو وجدت تنازلا إسرائيليا فستقبضه وتبني عليه؛ لأنها بالأساس ترى سرمدية النزال تصب في مصلحة الفصائل الفلسطينية المسلحة، إلا أن الحكومة الإسرائيلية البغيضة لا تعطي حليفتها الكبرى هذه الفرصة، إنما تقصف وتضرب بلا هوادة قائلة إنها لن تتوقف حتى تحقق أهدافها من هذه الحرب.. أهدافها التي باتت غامضة.. فلقد تجاوزت حركة حماس إلى الشعب الغزي نفسه حين تجاوزت كل ما هو عسكري إلى كل ما هو مدني!!
صرنا نفكر في الحرب ولا نجد إجابة عن السؤال الحتمي: ماذا بعد؟!
لا تدرك إسرائيل أن الثأر الفلسطيني ينمو تحت نيرانها، ينمو إلى درجة لا يمكن أن يكون معها سلام بعد ذلك، تهدم المباني حتى المستشفيات والمدارس بدم بارد، تدمر الحضارة والعمران بدم بارد، تقتل النساء والأطفال بدم بارد، تفعل كل شيء لا يصح فعله ولو في أجواء حرب، ولا تفهم أنها هكذا تجعل مهمات الداعين إلى الصلح والأمان مستحيلة، والأخطر، كما أسلفت، تجعل الثأر ينمو في النفوس المظلومة نموا هائلا..
على هذا تبدو هذه هي الحرب الأخيرة بين الطرفين، بل بين الأطراف المنحازة إلى كل منهما، أي الحرب العالمية الثالثة بالفعل، لو استمرت المعاندة الإسرائيلية على حالها، والثغرة الوحيدة الباقية لإنقاذ الموقف هو إسقاط حكومة نتنياهو الليكودية بالغة التطرف، هذاك هو الأمل الوحيد، ومعظم الإسرائيليين في دائرته الآن،
ومنتبهون إليه بكل قوة، ويجب أن ننتبه إليه معهم، وأن نعضدهم قبل فوات الأوان..
الفلسطينيون لا يصدون عن بلدهم عدوا عاديا، عدوهم لا يرى ولا يسمع، وأكبر طوبة في بناء مناصرتهم أن نجعل هذا العدو الباغي الجموح يرى غيره ويسمع غيره، إنه عدونا أيضا، والذي لو تمكن منا غدا أو بعد غد (لا قدر الله) فسيفعل بنا نفس ما يفعله بغزة وأكثر بكثير، ربما الفارق المهم أن لدينا جيشا وطنيا عظيما يحمينا، وليس للفلسطينيين جيش، أريد من البداية ألا يكون لها مثله!
لقد تيقن الآن كل ما كانت لديهم شكوك، أو هذا هو الظن، من العمى الإسرائيلي والصمم الإسرائيلي، ولعلهم كمثلي الآن صاروا يقولون: نعالجها سريعا في الأول، بطريقة حاسمة، ثم نبحث عن حلول نافعة لقضايانا التاريخية الطويلة المعلقة معها.