رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحوار بين الإقناع والتأثير

الحوار بين الإقناع والتأثير

محمد الفايدى

‏يتمتع الإنسان بقدرات ومهارات لا نهائية ولديه معارف وخبرات وتجارب قد يكون وظف الجزء اليسير منها، ولكن حتمًا هناك الكثير ما زال لم يوظفها أو يستثمرها بدرجة كافية بما يجعل نمط الحياة أكثر استقرارًا ونماءً، ومن ذلك لغة الحوار ومهارة الإقناع والتأثير فى الآخر. اللسان وسيلة النطق وأداة التعبير عن الفكر والثقافة، وقد يكون أكثر أعضاء الإنسان حركة بالكلام والحديث بدرجات متفاوتة من قوة الصوت واختلاف نغماته ومقاماته لزيادة حجم التأثير، وفى هذا السياق قد يستطيع الإنسان الإحاطة بعدد أعماله وأفعاله وتنقلاته بين الأماكن وحجم إنجازاته خلال ساعة أو يوم أو أكثر. ولكن لا يستطيع على الإطلاق حصر وتحديد عدد الكلمات التى تحدث بها خلال ساعة واحدة أو جزء منها. فى تصور سريع لعدد الكلمات التى يتحدث بها أى إنسان طوال العمر الذى يعيشه قليلًا أو كثيرًا بغض النظر عن محتوى هذا الكلام إن كان إيجابًا أو سلبًا، حسنًا أو سيئًا. حتمًا سيكون هناك رقم فلكى قد يصعب تحديده بدقة. مؤكد أن قيمة الحوارات فى حياة الناس عالية لكنها فى الغالب غير محسوبة المخاطر والآثار. فالمحادثات اللفظية تتم بين شخصين أو أكثر، ويتم خلالها تبادل الأفكار والآراء، وإجراء المناقشات والمشاورات والمداولات حول مجالات مختلفة وقضايا متعددة، على مختلف الأصعدة وكل المستويات. مهارة الحوار وفن التواصل والاتصال والتفاوض والإنصات والتعامل مع الأخر تُعد أدوات فعالة للتعايش الإنسانى والسلم الاجتماعى، ووسيلة محورية لإنشاء نقاط تواصل حيوية بين الأفراد، وإدارة الاختلاف وتوجيهه بطريقة فعالة. بالتأكيد أن مهارات الحوار التراكمية وحسن إدارة النقاش وتوجيه مساراته وتنسيق عناصره تؤسس للذكاء الاجتماعى والتلاحم المجتمعى والقوة المنسقة لمجموعة من الناس، عوضًا عن تفرقهم. 
وهو وسيلة فعالة لإنشاء الأفكار والآراء والمشاعر والاستماع إليها، وتحسين العلاقلات والصلات بين الناس على اختلاف مشاربهم، وتسهيل التعارف وتبادل المنافع بينهم. وفرصة سانحة لبناء المنصات الاجتماعية، وتنسيق العلاقات الدبلوماسية والسياسية والتجارية والمهنية بين الأمم والشعوب. 
مهارة التعبير عن الذات وإيصال الأفكار والاتصال بالآخرين والتواصل معهم بلغة واضحة وخطاب مؤثر يعتمد على طلاقة اللسان وقوة البيان والقدرة على التعبير بلباقة وترتيب الأفكار وتدفق المعانى والكلمات وعرض الصور الذهنية وتقريب المعانى، تلك مهارات حوارية يتفاوت الناس فيها تبعًا للقدرات الذهنية والنفسية والمواهب والفروقات الفردية التى يتمتعون بها. 
الإقناع يُعبر عن فن مخاطبة الناس بالقدرة على تهيئة النفوس واستمالتها وتوطينها على بناء القناعات وترسيخ المفاهيم لديها لتقبل ما يُعرض عليها وتُسلم برشده وعقلانيته. إذن هى تركز على الروح والتهيئة الوجدانية لغرس القناعة وتثبيت الاقتناع. 
فى حين أن عملية التأثير تركز على السلوك وتستند إلى مد جسور الثقة وتجسير المصداقية وتمتين العلاقات لبناء أنماط سلوك جديدة أو تغيير سلوكيات موجودة. الوطن العربى قلب العالم بموقعه الاستراتيجى المتميز بجغرافيا تتوسط مركز العالم وتربط قارة آسيا بإفريقيا بأوروبا. شعوب هذا الوطن تمتلك اللغة الخالدة، لغة البيان وبلاغة الإعجاز «بلسان عربى مبين» به نزل القرآن الكريم، وفى هذا الإطار تتطلع لريادة عربية تقفز فوق الخلافات وتتخطى الاختلافات بإعادة إنتاج قدراتها الحوارية بما يليق باستحقاقها كأمة دون الناس تمتلك زمام المبادرة للحوار الفصيح الواضح الظاهر، ليكون حوارًا كاملًا شاملًا بمناهج محددة ووسائل إقناع متناغمة وقواعد تأثير راسخة، لتجسير الدور العربى الذى يستحقه ويميزه عن الأمم الأخرى. فشل اليهود والنصارى فى الحوار، وبالتالى وصفهم القرآن الكريم- الكلام الواضح البين الشامل الكامل الذى هو وسيلة اتصال وتواصل فعالة مع الخلق تتضمن الأوامر والنواهى وسرد العبر والقصص والحوادث والأحداث والتحذيرات والتوجيهات والبيان والتبيين لكل شئون الكون- «وقالت اليهود ليست النصارى على شىء وقالت النصارى ليست اليهود على شىء» الآية ١١٣ سورة البقرة. ووصفوا بالمغضوب عليهم والضالين، ومُلئت الأرض حروبًا ونزاعات وتناحرًا وتقاطعًا وإفكًا، كان نصيب المنطقة العربية، وما جاورها، النصيب الأكثر فقد فُقدت أرض القداسات فلسطين وأُشعلت جذوة حروبها وصراعاتها إلى اليوم فى غزة، ودُمرت العراق وسوريا وليبيا وتزداد اليمن تخلفًا بالقتال بين مكوناته، حتى السودان التى لا أحد يُصدق أو حتى يتوقع أن يكون يومًا نزاع وقتال بين أهلها فُرض عليها القتال وأصبح شعبها الصادق الودود يُقتتل فى مشهد كان مستبعدًا، لكن الأجندات والتزاحمات فرضته بوجه بشع، واُستدعت الحرب ونُحى الحوار وصوت العقل. أداة الحوار والإقناع والتأثير جوهرها الكلام ومصدره اللسان والإنسان العربى لسانه فصيح طلق يحمل البيان والحكمة والبلاغة ويصوغ الشعر والأدب ويسرد القصص والروايات ويُورد الخطب والخطابات ويتقدم منصات الإلقاء فى المحافل والمؤتمرات والندوات. مع هذا تُحاك ضد كل ما هو عربى المؤامرات وتُدس له الدسائس وتُقلب عليه الحقائق فى سيناريوهات تُخرج بسياقات ماكرة ظاهرها فيها الرحمة وباطنها من قبلها العذاب. فى مشاهد تراكمية تراتبية تعكس سقوط قيم وأبجديات الحوار والتفاهم وقيام إمبراطورية الخلاف والاختلاف بين وطن عربى مشتراكاته كثيرة، لكنها لم تُستثمر لبناء اتحاد وتكامل بين شعوبه ودوله، فى حين تتوفر له مقومات أمن قومى ضخمة ما زالت لم تستثمرها كياناته الجماعية الشاملة لجميع دولة ولا كياناته الإقليمية القابلة للتوسع مع دول جوارها. للخروج بمنظومة الحوار والإقناع والتأثير العربى من منطقة الظل إلى دوائر ومحطات التأثير الدولى.
الدكتور/ محمد الفايدى 
خبير استراتيجى، رئيس مكتب المعرفة العربية السعودى للاستشارات