رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيناء والأطماع الصهيونية «٢- ٢»

رأينا فى المقال السابق كيف نظرت الأطماع الصهيونية مبكرًا إلى سيناء على أنها فلسطين المصرية، وبالتالى لا علاقة لها بمصر، وإنما هى- سيناء- امتداد طبيعى لفلسطين أو لإسرائيل، كما ترى الذهنية الصهيونية.

ومع اندلاع حرب ١٩٤٨ أدركت إسرائيل مدى خطورة دخول الجيش المصرى إلى فلسطين، من هنا سيبدأ الزعيم الإسرائيلى بن جوريون رسم استراتيجية جديدة تجاه هذا الوضع الجديد، وتجاه سيناء على وجه الخصوص، التى سينظر إليها على أنها لا بُد من أن تكون منطقة عازلة بين إسرائيل ومصر، من وجهة نظره.

من هنا تبدأ إسرائيل فى رسم قواعد السياسة الإسرائيلية الجديدة تجاه سيناء؛ إذ ستصبح سيناء منذ ذلك الوقت- وربما حتى الآن- ورقة سياسية ووسيلة ابتزاز وضغط سياسى وعسكرى على مصر؛ حيث عملت إسرائيل- أثناء حرب ٤٨- على نقل أرض الصراع بينها وبين مصر من الأراضى الفلسطينية إلى داخل سيناء، وستصبح الاستراتيجية الإسرائيلية هى عودة للتراث القديم للغزاة الآسيويين منذ أيام الهكسوس والحيثيين عبر الاختراق السريع لسيناء وتهديد الأمن القومى المصرى.

لذلك سيحرص بن جوريون أثناء حرب ٤٨ على احتلال منطقة عازلة داخل سيناء تمتد لأكثر من عشرة أميال حتى ينقل الصراع إلى أرض مصرية ويشتت جهود الجيش المصرى. بل وهددت إسرائيل باستكمال اختراق سيناء صوب قناة السويس، ليمثل ذلك ورقة ضغط ومساومة على الحكومة المصرية. وبالفعل لم تتوقف الحرب إلا والجيش الإسرائيلى يحتل أجزاء من شبه جزيرة سيناء كوسيلة ضغط أثناء مفاوضات ما بعد الحرب. وهنا يتحدث بن جوريون والعقلية الصهيونية حول رفض الوجود المصرى فى سيناء وما يترتب عليه من دور فى المشرق العربى: «ما الذى أتى بالمصرى إلى هنا؟ مكانه هناك وراء سيناء فى إفريقيا، وليس هنا على أرض إسرائيل، أو قرب جوارها الحيوى لمعيشتها وأمنها».

ومع قيام ثورة ٢٣ يوليو، ستبدأ إسرائيل مسألة الشد والجذب مع مصر، لا سيما مع تسلل الفدائيين الفلسطينيين عبر سيناء وغزة إلى إسرائيل للقيام بعمليات فدائية، مما يشكل خطرًا على المستعمرات الإسرائيلية فى النقب. لذلك سيبدأ التصعيد من جديد لتحويل سيناء إلى منطقة عازلة. وستعود إسرائيل إلى احتلال سيناء بالكامل أثناء العدوان الثلاثى فى عام ١٩٥٦، والمثير أن إسرائيل ستطلق على هذا الاجتياح «عملية قادش» فى استدعاءٍ واضح لمعركة الحيثيين- بدو الشرق- مع رمسيس الثانى، وفى تبنٍّ واضح لرواية الحيثيين أنهم الذين انتصروا فى قادش على مصر. وستنسحب إسرائيل بعد انتهاء العدوان الثلاثى على مصر، لكنها ستنجح فى سياسة فرض منطقة عازلة عن طريق زرع قوات طوارئ دولية على الأراضى المصرية، وليس على الأراضى الإسرائيلية، حيث رفضت إسرائيل وجود قوات طوارئ على أراضيها، وبالتالى قامت قوات الطوارئ الدولية بمهمة المنطقة العازلة التى تحلم بها إسرائيل دائمًا.

ومع حرب ٦٧ تعود إسرائيل من جديد وتعيد احتلال سيناء مجددًا، وفى هذه المرة ستتخلى عن سياسة المنطقة العازلة، بل وستعمد إلى إنشاء عشرات المستعمرات الإسرائيلية فى سيناء. ويقوم موشى ديان بعمليات تنقيب واسعة فى سيناء بحثًا عن آثار العهد القديم، دعمًا لعلم الآثار التوراتى لتأكيد تاريخية الوجود الصهيونى فى سيناء.

ولكن انتصار أكتوبر ٧٣ يعيد سيناء إلى حضن الوطن، ويوقف مؤقتًا الأطماع الصهيونية تجاه سيناء، لتعود مؤخرًا فى صورة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء.