رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صفقة الأسرى.. هل تكون بداية نهاية الحرب بين إسرائيل وحماس؟

هل تعود إسرائيل لاستئناف عملياتها البرية فى قطاع غزة، والتوغل باتجاه الجنوب، خصوصًا مع إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أن الجيش سيجدد القتال حتى تنهار حماس؟.
فى تقرير نشرته صحيفة عبرية، أعرب أكثر من مسئول عسكرى، ومن قيادة الجيش الإسرائيلى، عن تحسبهم من إمكانية عدم استئناف العملية البرية بعد وقف النار، إذ قال الرئيس السابق للموساد أفرايم هليفى، إن إسرائيل ستتعرض لضغوطات دولية كبيرة جدًا، بما فى ذلك من الولايات المتحدة، لاستمرار وقف النار، مضيفًا أنه «أجريت أحاديث مع شخصيات أمريكية توافقنى الرأى، بأن هذه الصفقة ستكون خطوة من شأنها أن تعزز المسار نحو إنهاء الحرب.. إذا تم بعد إنهاء الصفقة الأولى المضى قدمًا فى عملية التبادل هذه حتى نهايتها، سيكون من الصعب جدًا تجديد العملية البرية».. إذ إنه «سيكون من الصعب أن يعود الجيش الإسرائيلى لتنفيذ عملياته بالزخم الذى عمل به منذ بدء العملية البرية فى غزة.. ومن المتوقع أن يواصل الجيش عملياته، ولكن ضمن أهداف أقل زخمًا لتكون عملية محدودة لا يمكنها ضمان تحقيق أهداف الحرب، ومثل هذه العملية لن تشكل ضغطًا على حماس، وربما هذا ينعكس أيضًا على صفقة أسرى ثانية، بحيث لا تندفع حماس نحو تحرير أسرى إسرائيليين آخرين، وخصوصًا العسكريين.. ويقترح البعض على قيادة الجيش تنفيذ عمليات تجعل يحيى السنوار يشعر بالضغط، وأن مدرعات الجيش باتت قريبة منه، «يجب أن تصل الدبابات إلى محيط السنوار، وتحديدًا إلى خان يونس، حيث مقرّه الرئيس، وإلا فإنه لن يصدق أن الجيش الإسرائيلى يعتزم نقل المناورة البرية إلى خان يونس».
ويطرح الباحث العسكرى، أمير بوحبوط، إشكاليات عدة قد ترافق الجيش فى مناورته البرية، وفى تقديره، فإن «التوقعات الأكبر هى أن تؤدى الضغوط السياسية إلى وقف عمليات الجيش.. يكفى أن يرفض الأردن إخلاء المستشفى الأردنى فى القطاع، القريب من مستشفى الشفاء»، مؤكدًا أن ذلك سيكون «مصيدة عسل»، يعدها السنوار للجيش الإسرائيلى، ويبقى أن نرى كيف ستواجهها إسرائيل، من الناحيتين السياسية والعسكرية.
فى الاتجاه المعاكس، يرى الرئيس السابق للدائرة الأمنية العسكرية فى وزارة الأمن، عاموس جلعاد، أن إسرائيل سبق ودفعت ثمنًا باهظًا فى هذه المعركة، وعليها فى المرحلة الحالية أن تكون أقل قلقًا مما سيقال عنها فى العالم، وقد تحول جنوب القطاع إلى مدينة خيام، وأصبح منطقة منكوبة بأزمة إنسانية دولية، وهذا سيمنع استمرار العملية البرية للجيش وتعمقها فى جنوب غزة لتحقيق أهدافها، بل عليها أن تفعل كل شىء كى تسهل طريقها، وفى السياق الإنسانى أساسًا، لكن محظور عليها لاحقًا أن تشيح عينيها عن الهدف المزدوج الذى وضعته لنفسها، القضاء على حماس وإعادة بقية الأسرى.
هنا، لا بد من الإشارة إلى أن اتفاق الهدنة المؤقت طرح تحديات غير بسيطة أمام الجيش الإسرائيلى.. فى الأسابيع الأخيرة راكمت القوات زخمًا وقصفت غزة بلا هوادة، حتى أسقطت أكثر من خمسة عشر ألف شهيدًا، وتسببت فى نحو أربعين ألف مُصاب.. وهذا لم يُنفَذ من دون ثمن.. عمليًا ما تبقى للجيش هو احتلال مخيم جباليا، ولاحقًا أحياء أخرى، مثل الشجاعية، التفاح والدرج، قبل أن يتمكن من توسيع العمليات جنوبًا.. وفى المقابل، سيتيح وقف النار لحماس جمع القوى، وتحسين قابلية الأنفاق والاستحكامات للاستخدام، وتحدى الجيش الإسرائيلى بشكل أفضل منذ اللحظة التى تُستكمَل فيها الصفقة.. وحسب التقييمات فى الجيش الإسرائيلى، عشية المصادقة على صفقة الأسرى، أبدى مسئولون قناعتهم بأن ضغط حملة احتجاج عائلات الأسرى على الحكومة الإسرائيلية ورئيس وزرائها، هو ما حسم نهاية المعركة، وقبول هذه الحكومة باتفاق الوقف المؤقت لإطللاق النا.. ولا ننسى أن الهدف الأول، وهو القضاء على حماس، لم يتحقق، ولن يتحقق.. حتى إن الرئيس السابق لمنطقة الجنوب فى جهاز الشاباك «الأمن العام»، مئير بن شباط، اعتبر أن «تنفيذ الصفقة سيعوق تحقيق الهدف المركزى من حرب غزة وهو تصفية حماس»، وحذر متخذى القرار والمؤسسة العسكرى، من أن تؤدى صفقة الأسرى إلى انتهاء الحرب من دون «إبادة قدرات حماس العسكرى والقضاء على قادتها وعلى بنيتها التحتية كهدف أساسى للحرب.. لقد عرقلت صفقة الأسرى سير العمليات القتالية فى غزة المستمرة حتى تدمير حماس، وتمثل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل».
الدور المصرى فى مفاضات اتفاق الهدنة بين حماس وإسرائيل كان كبيرًا وصعبًا للغاية،.. هذا ما كشفت عنه وسائل إعلام إسرائيلية.. إذ قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، إن رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ورئيس الموساد وجهاز المخابرات المصرى كثفوا تعاونهم، الذى وصفه مسئول فى الإدارة الأمريكية بأنه «حاسم» لمصير المفاوضات، وأوضحت أن جو بايدن ناقش قضية الأسرى أربع عشرة مرة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تضاف إلى ذلك ثلاث محادثات أخرى بين بايدن والرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى ومحادثتان مع أمير قطر، تميم بن حمد آل ثانى.. وتحدث بريت ماكجورك، مبعوث بايدن إلى الشرق الأوسط، مع رئيس المخابرات المصرية، اللواء عباس كمال.. ووفقًا لمسئول كبير فى إدارة بايدن، فقد لعب المصريون دورًا رئيسيًا فى المحادثات، وفى هذه المرحلة، يمكن ولأول مرة رؤية اتفاق يتشكل، ولكن لا تزال هناك بعض التفاصيل التى يتعين إغلاقها.. حتى إن رئيس الموساد السابق، إفرايم هاليفى، قال إن الاتفاق بين إسرائيل وحماس لإطلاق سراح الأسرى، «هو أفضل اتفاق يمكن تحقيقه فى هذه المرحلة».
مما سبق، نصل إلى الأمر المهم، وهو أن اتفاق الهدنة فرصة يجب ألا تمر دون البناء عليها، وبدلًا من الحرب ثم الهدنة، والحرب ثم الهدنة، التى سرنا عليه لعشرات السنين، على العالم أن يبحث فى جذور المشكلة، ويضع لها الحلول العملية، دون القول الدائم بضرورة حل الدولتين وفقط.. لماذا؟.
لأنه، وكما أعلنها الرئيس عبدالفتاح السيسى، فإن «مسار حل الدولتين فكرة استُنفِدَت، وقد لا يكون هو الأمر المطلوب»، وشدد، لدى استقباله رئيسى الوزراء الإسبانى والبلجيكى فى القاهرة، على ضرورة التحرك للاعتراف بالدولة الفلسطينية وإدخالها الأمم المتحدة، «لا بد أن نتحرك بشكل مختلف، وهو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وإدخالها الأمم المتحدة.. هذا يعطى جدية»، وهو أى الرئيس الذى بادر فور الاتفاق على الهدنة إلى القول، «أود أن أعرب عن ترحيبى بما نجحت به الوساطة المصرية القطرية الأمريكية، فى الوصول إلى اتفاق على تنفيذ هدنة إنسانية فى قطاع غزه، وتبادل للمحتجزين لدى الطرفين»، مؤكدًا «استمرار الجهود المصرية المبذولة من أجل الوصول إلى حلول نهائية ومستدامة، تحقق العدالة وتفرض السلام وتضمن حقوق الشعب الفلسطينى المشروعة».. وهذا مبدأ مصر الثابت.
زيارة رئيسى وزراء إسبانيا وبلجيكا ولقاؤهما مع الرئيس عبدالفتاح السيسى، تزامنت مع دخول الهدنة الإنسانية فى قطاع غزة حيز التنفيذ، بعد أكثر من شهر ونصف الشهر من الحرب فى القطاع، وصلا بعدها إلى معبر رفح، حيث طالب رئيس وزراء بلجيكا، ألكسندر دى كرو، من هناك، إسرائيل بالتوقف عن قتل المدنيين فى قطاع غزة، مشددًا على أن تدمير القطاع أمر غير مقبول، ولافتًا إلى ضرورة أن يتحول وقف إطلاق النار المؤقت إلى وقف دائم.. وبدوره، قال رئيس وزراء إسبانيا، بيدرو سانشيز، إن وقف إطلاق النار الحالى فى غزة ليس كافيًا، مؤكدًا الحاجة لوقف دائم لإطلاق النار.. وأضاف وهذه هى القاصمة لإسرائيل أن إسبانيا قد تتخذ قرارها الخاص بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية، إذا لم يفعل الاتحاد الأوروبى ذلك.. فهل تفعلها دول العالم وتعلن الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟.. ستنبئنا الأيام بما كان خافيًا.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين