رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فلسطين.. منزوعة السلاح!

الدولة الفلسطينية، بحكم الأمر الواقع، والقانون الدولى، قائمة بالفعل، ويعترف بها أكثر من ثلثى الدول الأعضاء فى منظمة «الأمم المتحدة»، التى اعترفت جمعيتها العامة بدولة فلسطين، فى ٢٩ نوفمبر ٢٠١٢، ومنحتها صفة «مراقب غير عضو»، وسمحت برفع علمها، وتسمية مكتبها التمثيلى لديها باسم «بعثة المراقبة الدائمة لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة». ما يعنى أننا من المفترض أن نحتفل، يوم الأربعاء المقبل، بالذكرى الحادية عشرة للاعتراف الأممى بالدولة الفلسطينية!

بموافقة ١٣٨ دولة، واعتراض ٩ دول، وامتناع ٤١ دولة عن التصويت، صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتغيير وضع فلسطين من «كيان مراقب» إلى «دولة مراقب غير عضو». كما أن دولة فلسطين تتمتع بعضوية جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامى، واللجنة الأوليمبية الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، و... و... وفى ٣ يناير ٢٠١٣، أصدرت «السلطة الوطنية الفلسطينية»، التى تشكلت سنة ١٩٩٤، بموجب اتفاقات أوسلو، عدة «مراسيم رئاسية» تقضى باعتماد اسم «دولة فلسطين»، رسميًا، فى الوثائق والأختام والأوراق الحكومية والمعاملات ذات العلاقة.

مرارًا وتكرارًا، أكدت مصر ضرورة حصول الشعب الفلسطينى على حقوقه المشروعة، وأولها حقه فى إقامة دولته، القابلة للحياة، على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية. وخلال المؤتمر الصحفى المشترك، الذى عقده مع رئيسى وزراء إسبانيا وبلجيكا، أمس الأول الجمعة، قال الرئيس السيسى إننا «مستعدون أن تكون هذه الدولة منزوعة السلاح»، مقترحًا أن تكون هناك ضمانات بقوات من حلف شمال الأطلسى، أو من الأمم المتحدة، أو قوات عربية، أو أمريكية، أو ما قد يكون مناسبًا، لتحقيق الأمن لكلتا الدولتين: الدولة الفلسطينية والدولة الإسرائيلية. 

مفهوم «نزع السلاح»، حسب «كتاب أكسفورد للقانون الدولى»، يشير إلى تخفيض أو حتى إلغاء التسلح والوجود العسكرى فى منطقة جغرافية محددة. والمنطقة «منزوعة السلاح»، بتعريف «الصليب الأحمر»، هى منطقة متفق عليها بين أطراف النزاع المسلح، لا يجوز احتلالها أو استخدامها لأغراض عسكرية من قبل أى طرف فى النزاع، ويمكن إنشاء المناطق منزوعة السلاح بموجب اتفاق شفهى أو كتابى فى أوقات السلم أو أثناء النزاع المسلح. وهناك عدة شروط يجب أن توفرها فى «المنطقة منزوعة السلاح»، على رأسها إجلاء جميع المقاتلين، وكذلك الأسلحة المتنقلة والمعدات العسكرية المتنقلة.

نزع السلاح، كما ذكر تقرير نشره «مركز القدس للشئون العامة» الإسرائيلى، يهدف إلى منع تطور التهديدات العسكرية ضد إسرائيل، بما فى ذلك «الحرب التقليدية والإرهاب وحرب العصابات، عبر أراضى السلطة الفلسطينية والدولة الفلسطينية المرتقبة». ولموقع قناة «الحرة» الأمريكية، أكد المحلل السياسى الفلسطينى، أيمن الرقب، أن الرئيس السيسى يحاول «تحريك المياه الراكدة، وفتح آفاق للسلام، والاعتراف بدولة فلسطينية، فى ظل تعذر حل الدولتين»، لافتًا إلى أن استمرار حالة الاحتقان يعنى اتساع العنف بالمنطقة، وسيتوجب وضع حلول سياسية للصراع الفلسطينى- الإسرائيلى.

المهم، هو أن السلطة الفلسطينية قبلت بوجود «دولة منزوعة السلاح تعيش بسلام مع إسرائيل، بما يتناسب مع الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية». وفى حوار نشرته جريدة «نيويورك تايمز» الأمريكية، فى ٢ فبراير ٢٠١٤، قال الرئيس الفلسطينى محمود عباس إن الدولة الفلسطينية «لن يكون لها جيشها الخاص، بل قوة شرطة فقط»، وسأل محاورته جودى رودورين، Jodi Rudoren: «هل تعتقدين أن لدينا أى وهم بأنه يمكننا الحصول على أى أمن إذا لم يشعر الإسرائيليون بأن لديهم الأمن؟». والإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح كانت مطلبًا إسرائيليًا منذ إعلان المبادئ، الصادر سنة ١٩٩٣، الذى كان أساس اتفاقية أوسلو، التى كان من المفترض أن يؤدى التوقيع عليها إلى قيام الدولة الفلسطينية، أو إلى تطبيق حل الدولتين، بعد الاتفاق على ما صار يعرف بـ«قضايا الحل النهائى».

.. وأخيرًا، يقول الواقع إن الحكومة الإسرائيلية الحالية، أو المقبلة، لن تقبل بوجود دولة فلسطينية مستقلة، حتى لو كانت منزوعة السلاح. ولو حدثت المعجزة ووافقت، فإنها سترفض وجود قوات متعددة الجنسيات، سواء من حلف شمال الأطلسى، أو من الأمم المتحدة، كما سترفض أيضًا وجود قوات عربية أو أمريكية!