رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خط أحمر.. وعين حمراء

موقف مصر الثابت والحاسم الرافض لمخططات تهجير الفلسطينيين، سواء من قطاع غزة إلى مصر أو من الضفة الغربية إلى الأردن، أكده، وجدّده، الرئيس عبدالفتاح السيسى، أمس الأول الخميس، فى احتفالية عنوانها «تحيا مصر.. استجابة شعب تضامنًا مع فلسطين»، التى احتشد خلالها عشرات الآلاف، فى استاد القاهرة، رافعين الأعلام المصرية والفلسطينية، بينما كانت مئات الشاحنات، التى تُقلّ مساعدات إنسانية، مصطفة أمام الاستاد، استعدادًا للانطلاق إلى معبر رفح، الذى لم ولن نغلقه أبدًا.

بـ«خط أحمر»، أغلق الرئيس هذا الملف، بشكل نهائى. ولو فتحت صفحة ٦١٦ فى الجزء الثانى من «موسوعة السياسة»، التى أشرف على تحريرها عبدالوهاب الكيالى، ستعرف أن «تعبير الخط الأحمر، يُستعمل للدلالة على خط وهمى تحدده إحدى القوى، ويكون بمثابة خط فاصل، لا يجوز تجاوزه من قبل الخصم، أو الخصم المحتمل، وإلا اعتبر ذلك بمثابة استفزاز يستدعى الرد. ولا يكون الخط الأحمر بالضرورة جغرافيًا، فقد يتعلق بجانب من جوانب نشاطات الخصم أو الخصم المحتمل. وهو يُستخدم فى الاستراتيجيتين النووية والتقليدية، فمن الممكن، على سبيل المثال اعتبار اختراق قوات لخط جغرافى، أو تجاوز الحد المتفاهم عليه من مخزون الأسلحة النووية لطرف من الأطراف أو تشجيع القوى الداخلية المناوئة بمثابة خط أحمر. ويندرج الخط الأحمر ضمن أساليب الردع والتهديد بالانتقام، لذا فهو وسيلة هجومية غير مباشرة، تساهم فى فرض القيود على الخصم وتقلص هامش حرية حركته».

الموسوعة، أرجعت ظهور مصطلح «الخط الأحمر»، إلى خط الاتصال المباشر بين الاتحاد السوفيتى، رحمه الله، والولايات المتحدة، الذى مرت، فى ٣٠ أغسطس الماضى، الذكرى الستون لإنشائه، والذى كان عبارة جهاز تلكس، بلون خشبى فاتح، يهدف إلى تمكين رئيسى الدولتين من إجراء اتصالات فورية وعاجلة، خلال الأزمات الدولية الطارئة، أو لتسوية الأمور الملحّة. غير أن آخرين أرجعوا ظهور المصطلح نفسه إلى «اتفاقية الخط الأحمر»، التى تم توقيعها سنة ١٩٢٨، لتوزيع مصادر النفط، التى كانت تابعة للدولة العثمانية، لا رحمها الله، بعد تفتيتها، على الدول المنتصرة فى الحرب العالمية الأولى. 

ربما وقع الاختيار على اللون الأحمر، لأنه صاحب أطول موجة لونية، ويمكن رؤيته من مكان بعيد، وربما لكونه لونًا مثيرًا للثيران، مثلًا. أما المؤكد، فهو أن الأعداء، أو الذين كانوا كذلك، أو مازالوا، لم يجرؤوا على تجاوز، أو انتهاك، أى خط أحمر رسمه، وضعه، أو حدده الرئيس السيسى. ولن نتوقف عند تبعات، أو عواقب، محاولات تجاوز الخط الأحمر الجديد، فى وجود قواتنا المسلحة القاهرة، القادرة على طى الأرض، مكتفين بتأكيد أن السبيل الوحيد، والأوحد، لتسوية القضية الفلسطينية، هو إيجاد حل جذرى عادل وشامل، يعيد للشعب الفلسطينى حقوقه المشروعة، وفق مرجعيات الشرعية الدولية، وأولها حقه فى البقاء على أرضه، وإقامة دولته المستقلة، على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية.

هنا، قد تكون الإشارة مهمة إلى أن «الخط الأحمر» له صدى خاص فى إسرائيل. وستجد فى الموسوعة، السابق ذكرها، أن هناك خطوطًا حمراء، ظهرت فى الأدبيات الإسرائيلية، إبان مباحثات فصل القوات بعد حرب ١٩٧٣ للدلالة على خطوط الأرض، داخل الأرض المحتلة سنة ١٩٦٧، والتى لا ينبغى الانسحاب منها، حتى لا يتهدد، برأى المنظرين الصهاينة، أمس إسرائيل. وستجد أيضًا، أن الإسرائيليين، خلال الحرب الأهلية اللبنانية «١٩٧٥/ ١٩٧٦» حددوا خطًا أحمر وأعلنوا أنهم سيتدخلون فى الحرب لحماية الجبهة اللبنانية إذا تجاوزت قوات الحركة الوطنية اللبنانية، والمقاومة الفلسطينية، هذا الخط. ثم تحول هذا الخط إلى خط جغرافى وسياسى، يتعلق بمجموعة من التطورات السياسية والعسكرية داخل لبنان!.

.. وتبقى الإشارة إلى أن الرئيس السيسى بعد أن أنهى، أمس الجمعة، مباحثات القمة الثلاثية المشتركة، مع رئيسى وزراء إسبانيا وبلجيكا، اللذين تترأس دولتاهما الدورة الحالية والمقبلة للاتحاد الأوروبى، على الترتيب، قام بجولة تفقدية فى محافظة الجيزة، وكل «خط أحمر» وأنتم بخير.