رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قمة العشرين الافتراضية

بمقترحات والتزامات، تعكس دور «مجموعة العشرين» فى تعزيز الاستقرار المالى العالمى، وتحقيق أهداف أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وإصلاح البنوك الدولية متعددة الأطراف، وتعظيم دور المؤسسات الدولية فى الاستجابة الفعّالة للأزمات والتحديات، و... و... وتقوية صوت دول الجنوب، أو الدول النامية، انتهت القمة الافتراضية لقادة دول المجموعة، التى أنهت بها الهند رئاستها الدورة الثامنة عشرة، وقامت بتسليم البرازيل رئاسة الدورة التالية.

أقيمت القمة الحضورية لرؤساء دول وحكومات مجموعة العشرين، فى سبتمبر الماضى، وكان أبرز ما استوقفنا فى الإعلان المشترك لقادة دول المجموعة، هو تعهدهم بتسريع العمل على مكافحة تغير المناخ ودعم الجهود المبذولة لزيادة إنتاج الطاقة المتجددة ثلاث مرات، بحلول سنة ٢٠٣٠، وتحذيرهم من أن «الأزمات المتتالية تهدد النمو العالمى»، وإشارتهم إلى أن «التشديد الملحوظ لشروط الحصول على التمويل يؤدى إلى تفاقم نقاط الضعف على صعيد الدين والتضخم المتواصل». ولعلك تتذكر أن الرئيس عبدالفتاح السيسى كان قد شدد، فى كلمته خلال تلك القمة، على ضرورة معالجة أزمة ديون الدول النامية، خاصة دول القارة الإفريقية، وتمكينها من زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، وتقديم المساندة الفعالة لها فى مواجهة تداعيات الأزمات العالمية المتلاحقة، على الاقتصاد والغذاء.

مصر، التى كانت حاضرة فى القمة الحضورية، وتناولت فى كلمتها، كلمة رئيسها، غالبية قضايا وشواغل دول القارة الإفريقية والمنطقة العربية، والدول النامية إجمالًا، كانت حاضرة، أيضًا، فى القمة الافتراضية، التى أقيمت أمس الأول الأربعاء، فى خضم تصاعد حدة التوترات الجيوسياسية العالمية، واستمرار تداعيات الأزمات الاقتصادية الدولية المتعاقبة، وتفاقم تحديات التغيرات المناخية، وتراجع وتيرة تحقيق أهداف أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، بالإضافة إلى تزايد حالة الاستقطاب والانتقائية فى النظام العالمى، التى تجسدّت، بتوصيف، أو تشخيص، الرئيس السيسى، فى أسلوب تفاعل المجتمع الدولى مع الحرب الدائرة، الآن، فى الأراضى الفلسطينية.

جاءت مشاركة الرئيس السيسى فى قمة مجموعة العشرين الافتراضية، بعد ساعات قليلة من نجاح الجهود المصرية، بالتنسيق مع الولايات المتحدة وقطر، فى التوصل إلى هدنة إنسانية، بين إسرائيل وحركة حماس، يبدأ سريانها، اليوم الجمعة، وتستمر لمدة ٤ أيام، قابلة للتجديد. وعليه، حرص الرئيس، فى كلمته، على الإشارة إلى أن آلة الحرب الإسرائيلية لا تزال تحصد المزيد من الأرواح، وتخلف الدمار والتشريد، بالرغم من التحذيرات الدولية المتصاعدة، بضرورة حماية المدنيين، واحترام القانون الدولى، بالإضافة إلى ضرورة حصول الشعب الفلسطينى على حقه المشروع فى إقامة دولته والعيش بسلام وأمن.

كانت مصر، إذن، هى صوت الشعب الفلسطينى فى القمة، قبل أن توضّح، بلسان رئيسها، أن ما نشهده اليوم من أزمات، وإن كانت ذات وجه سياسى وعسكرى، إلا أنها تتماس وتتقاطع مع الاختلالات الاقتصادية العميقة، التى يشهدها العالم، والتى تنعكس سلبًا، بقوة، على تلبية حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية، خاصة فى الدول النامية. ومن هذا المنطلق، أكد الرئيس أن الحاجة إلى تطوير وإصلاح النظام العالمى، بشكل شامل، أصبحت أمرًا لا مفر منه، مشددًا على ضرورة إصلاح الهيكل الاقتصادى والمالى الدولى، واستحداث آليات تمويل فعالة، وتعظيم الاستفادة من الآليات القائمة، وإصلاح سياسات وممارسات بنوك التنمية متعددة الأطراف، لتعزيز قدرتها على التمويل، وفقًا لأولويات الدول النامية، بالإضافة إلى ضرورة احتواء إشكالية تنامى الديون السيادية للدول النامية، بما فيها الدول متوسطة الدخل.

.. وأخيرًا، «لم يعد الصمت خيارًا، إزاء ما اندلع من أزمات، ولم يعد الانتظار والترقب حلًا، لمواجهة السيناريوهات العالمية المحتملة، جيوسياسيًا واقتصاديًا»، كما قال الرئيس السيسى، الذى أنهى كلمته، مخاطبًا قادة دول وحكومات دول المجموعة، بقوله: «إننا لا نملك رفاهية تأجيل العمل والمواجهة، فالتحديات تفرض نفسها، وتمتد وتتسع وتتشابك، ولا بديل عن وقفة صدق مع الذات، نحكّم فيها الضمير الإنسانى، وقيم العدل والإنصاف والموضوعية، والمصالح المشتركة، وبما يتيح لنا التغلب على الأزمات الخطيرة الراهنة، والانطلاق بجهود التنمية وتحقيق الأمن، نحو مستقبل أفضل للإنسانية بأسرها».