المقاطعة الاقتصادية.. السلاح الفاعل ضد إسرائيل
صحيح أن الاقتصاد عصب الحياة في جميع الدول، إلا أن معظم الدول لديها ما يعوضها، ولو قليلًا، إذا اختل اقتصادها اختلالًا ما، وكثيرًا ما يختل في الحقيقة لأن العالم مضطرب، منذ مدد، وليس مستقرًا، لكن إسرائيل تعتمد على قواها الاقتصادية اعتماديًا كليًا بحيث إذا جرى عندها اختلال بالشأن الاقتصادي، ولو بسيطًا، سقطت أو كادت؛ فعزاؤها كله في وفرة ثرواتها، ومن ثم تحكمها في مصائر الآخرين، والثروة، بمعناها المادي الذي يمنح صاحبه عمقًا معنويًا بلا شك، هي ورقتها الضاغطة في أزماتها التي لا تنتهي!
ماذا تفعل إسرائيل حاليًا؟
توقع اقتصادها بيديها ممعنة في التقتيل والتدمير على أرض غزة، تكلفها الحرب أموالًا طائلة، تبدد أرصدتها الأصلية والاحتياطية، كما تكلفها خسارة داعميها وأصدقائها من الأمريكيين والأوروبيين خاصة؛ إذ تنزل بسمعتها إلى الحضيض، والعالم المتقدم بقدر انحيازه إليها بقدر ما يخاف أن يفقد الجميع بسببها، ههنا أذكر أن سمعة إسرائيل مرتبكة بالأساس لأنها مقترنة بفكرة الاحتلال!
كيف توقع إسرائيل اقتصادها بيديها الآن؟
تحض الدنيا على مقاطعتها، لا سيما البلاد العربية، فتقل دخولها من الخارج، فضلًا عن العطلة الإنتاجية الداخلية، وتنهار عملتها بالتدريج، ويحل الضنك محل الاتساع، فتضطر إلى تخفيف عملياتها العسكرية بعد أن كانت مصرة على التوغل الثقيل، وتبدأ في منح أذنها للناصحين بعد أن كانت أغلقت الأبواب جميعًا دونهم..
إسرائيل الآن في حالة متردية سياسيًا وعسكريًا، واقتصاديًا بالمثل، حتى إن شعبها قلق، ولا يرضى عن أدائها المضطرب بالجملة، ومن عجيب أنها بتصرفات غبية وطائشة، تكشف ما أصابها بسهولة، وما أصابها ضعف أكيد، مهما بدت متجبرة، تكشفه وهي تعتقد أن المصريين والعرب لن يستطيعوا اقتناصه واستغلاله، ولو استطاعوا فلن يقووا على عقابها، والواقع أننا نستطيع عمل ما لا تتصوره ونقوى على معاقبتها دون ادعاء!
لقد قاطعنا السلع الإسرائيلية بالفعل، قاطعناها منذ بدأ انتقامها الفاجر من غزة وأهلها، بل سخرنا منها واستبدلنا بها منتجاتنا المحلية، وشعرنا بأن مصانعنا أفضل بكثير، وربما سألنا أنفسنا لهذا السبب نفسه: لماذا أخرنا هذه الخطوة الفارقة وإسرائيل كيان معتد على الدوام؟! ولماذا لا نصل بالمقاطعة إلى الذرى؟!
هذه المقاطعة سوف ينجم عنها قرار منتظر على الأرض، قرار يعيد الطرفين المتصارعين، مع اختلاف حالة كل منهما عن الأخرى، إلى طاولة المفاوضات، ويدفع دفعا باتجاه السلام العادل الشامل الذي نطالب به منذ الأزل، ويحل العقد المتعلقة بالقدس الشرقية بالذات، ثم بكل المقدسات الإسلامية والمسيحية واليهودية، ويخلص الناس الطيبين من اللعنات المتلاحقة والأرض الطهور من الدنس الطويل..
أضاعت إسرائيل كل الفرص من قبل، فرص الصلح والأمان، وها هي تواصل إضاعتها مجددًا، بل تجر الشرق الأوسط إلى حرب رهيبة تستقطب جهات الخريطة الجغرافية بأسرها، لكننا جادون في حصارها هذه المرة، من خلال مقاطعتها الاقتصادية الصارمة الصادقة، هكذا بعد أن تيقنا أن هذه المقاطعة سلاح فاعل مجد، بل الأكثر فاعلية وجدوى، إذ يجردها من قوتها الحقيقية التي تتجلى في غناها المسيطر، ولو فشلت كل الأسلحة في ردعها فإنه لا يفشل، والشهور القادمة فاصلة، والشرط ألا نرجع عن أمر حتمي كنا نويناه وفعلناه!