رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مبادرات جديدة للسلام؟!

علامتا الاستفهام والتعجب، فى العنوان، من عندنا. أما ما سبقهما فكان عنوانًا لجلسة عقدها «حوار المنامة»، قام خلالها الأمين العام للجامعة العربية بنسف موضوعها، وعنوانها، مؤكدًا أنه لا توجد مبادرات جديدة، لأن العرب قدموا، بالفعل، مبادرتهم، سنة ٢٠٠٢، تحت مسمى المبادرة العربية للسلام، التى تنطلق من مبدأ الأرض مقابل السلام، وتعِد إسرائيل بعلاقات طبيعية مع دول المنطقة، حال انسحابها من الأراضى، التى احتلتها سنة ١٩٦٧، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

منذ سنة ٢٠٠٤، تقيم مملكة البحرين منتدى أو مؤتمر «حوار المنامة»، وفى الكلمة الافتتاحية لنسخة هذا العام، النسخة التاسعة عشرة، التى انطلقت يوم الجمعة الماضى وانتهت أمس الأحد، شدّد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولى عهد المملكة، على أهمية «وضع خطوط حمراء لا يتم تجاوزها»، للتعامل مع الأوضاع الراهنة فى قطاع غزة، هى «عدم التهجير القسرى للفلسطينيين، الآن أو فى المستقبل»، و«عدم إعادة الاحتلال»، و«عدم تقليص حدود غزة». وأشار إلى أن القضية الفلسطينية لم تبدأ فى السابع من أكتوبر الماضى، وإنما هى جرح عميق فى الشرق الأوسط، منذ أكثر من ٧٥ سنة، ولن يكون هناك أمن حقيقى إلا بإتمام حل الدولتين وإعطاء الشعب الفلسطينى حقوقه المشروعة، وأولها حقه فى إقامة دولته.

العدوان الإسرائيلى الوحشى على قطاع غزة، المستمر لليوم الخامس والأربعين، على التوالى، هو الجولة الخامسة فى الصراع، منذ الانسحاب أحادى الجانب، من القطاع، دون التوصل إلى اتفاق سلام. وقطعًا، ستكون هناك جولات لاحقة، لو لم يتم تكثيف الجهود، ليس لطرح مبادرات سلام جديدة، بل لإحياء المبادرة العربية، المجمَّدة منذ ٢١ سنة، أو البناء عليها، وصولًا إلى حل نهائى. وهنا، قد تكون الإشارة مهمة إلى أن هناك «مبادرة» مختلفة، نسبيًا، تم إطلاقها، من مقر الأمم المتحدة، فى سبتمبر الماضى، تعتمد على المبادرة العربية، وعرض السلام الذى قدمه الاتحاد الأوروبى منذ عشر سنوات.

المبادرة المختلفة، أطلقها الاتحاد الأوروبى وجامعة الدول العربية، بالتعاون مع مصر والسعودية والأردن، على هامش الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وتعهدت، أو وعدت، بتقديم «حزمة دعم» لتعظيم فوائد السلام، بمجرد التوصل إلى اتفاق نهائى. ووقتها، جرى الاتفاق على «تشكيل فرق عمل لتوضيح مكونات تلك الحزمة»، التى قيل إنها ستغطى الجوانب السياسية والأمنية، والاقتصادية والبيئية، والبعد الإنسانى، وسيتم تقييمها بشكل منتظم، حتى تقديم صيغتها النهائية بحلول سبتمبر المقبل!

المهم، هو أن أحمد أبوالغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، أشار، خلال الجلسة التى كان عنوانها «مبادرات جديدة لتحقيق السلام»، إلى أن إسرائيل رفضت، ولا تزال، مبادرة السلام العربية، منذ إطلاقها، وأكد أن الوقت قد حان ليدرك الإسرائيليون أن الطريق إلى تحقيق الأمن يمر عبر التسوية السياسية، موضحًا أن الفلسطينيين لن يتركوا أرضهم، وسيستمر نضالهم، ما دام الاحتلال جاثمًا على صدورهم. وبشكل قاطع، أكد أبوالغيط خطورة الأفكار التى تروج لتهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار، مشددًا على أن هذا الخيار يمثل وصفة للفوضى والعنف وعدم الاستقرار. كما أوضح أن الفلسطينيين، والعرب جميعًا، يرفضون رفضًا تامًا كل سيناريوهات إخلاء فلسطين من أهلها وتطهيرها عرقيًا.

.. وتبقى الإشارة إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى كان قد أكد خلال «قمة جدة للأمن والتنمية» التى عقدت منتصف يوليو ٢٠٢٢، بحضور الرئيس الأمريكى وقادة دول مجلس التعاون الخليجى والأردن والعراق، أن الجهود المشتركة لحل أزمات المنطقة، لا يمكن أن يكتب لها النجاح إلا من خلال التوصل إلى تسوية عادلة وشاملة ونهائية لقضية العرب الأولى، القضية الفلسطينية، على أساس حل الدولتين، المستند إلى مرجعيات الشرعية الدولية، وبما يكفل إنشاء دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، ويوفر واقعًا جديدًا لشعوب المنطقة، يمكن قبوله والتعايش معه، ويقطع الطريق أمام السياسات الإقصائية، ويعضد من قيم العيش المشترك والسلام، وما تفتحه من آفاق وتجسده من آمال.