رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نتنياهو.. الرجل الخطأ فى المكان الخطأ

ما يحدث فى قطاع غزة ونتائجه مشكلة إسرائيلية بامتياز.. على تل أبيب تحمُّل تبعاتها وحدها، باعتبارها دولة الاحتلال التى ترتكب مجازر في هذا القطاع المحتل، والتى فشلت حتى الآن فى تحقيق أى أهداف لها من وراء القصف الجوي والبحرى والاجتياح البرى، على مدى أكثر من أربعين يومًا، حتى الآن، دمرت البنية التحتية فى القطاع، وأزهقت أرواح ما يزيد على إثنتى عشرة ألفًا من المدنيين، وأصابت عشرات الآلاف، وشردت الملايين من الفلسطينيين.. ولا يدرى أحد فى إسرائيل أو العالم، ما الذى يريده بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء، من وراء كل ما يحدث، حتى خرج زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، قائلًا إن الوقت قد حان لاستبدال رئيس الوزراء نتنياهو، وإن هناك تأييدًا واسعًا لتشكيل حكومة وحدة، يقودها حزب الليكود اليميني.. وأوضح لابيد، المنتمى للوسط، والذى شغل منصب رئيس الوزراء لفترة وجيزة العام الماضي، أنه يعتقد أن أغلبية كبيرة من مائة وعشرين نائبًا فى الكنيست سيوقعون على مثل هذا الائتلاف، وهو الذى رفض الانضمام إلى حكومة نتنياهو الحربية بداية الحرب، على الرغم من أن مُشرِّعين وسطيين آخرين وافقوا على القيام بذلك والمساعدة فى إدارة الصراع، "أسمع أولئك الذين يقولون إن هذا ليس الوقت المناسب.. انتظرنا أربعين يومًا، لم يعد هناك وقت.. ما نحتاجه الآن هو حكومة لا تتعامل مع أى شىء سوى الأمن والاقتصاد".. وكتب لابيد على منصة X، المعروفة سابقًا باسم "تويتر": "لا يمكننا تحمُّل دورة انتخابية أخرى فى العام المقبل، نواصل فيها القتال ونشرح لماذا الجانب الآخر كارثة علينا؟".
بعد هذه الأيام الطويلة من الغزو البرى الإسرائيلى لغزة، حيث تحاول كتائب المدرعات والمشاة التابعة لها تعميق وجودها فى القطاعين الشمالى والأوسط من غزة، بدأت تل أبيب فى تكبد الخسائر فى الجنود والعتاد، ولا تزال أعداد الوفيات بين المدنيين تتصاعد إلى مستويات مروعة، مع مقتل مئات الفلسطينيين جراء قصف عدة مبان فى جباليا، شمال مدينة غزة.. وتزعم إسرائيل أنها قتلت خمسين مسلحًا فى الموقع نفسه، بمن فيهم إبراهيم بياري، أحد قادة هجوم حماس في السابع من أكتوبر الماضي، إلا أن لقطات مصورة من مصادر فلسطينية تؤكد أن العديد من المارة لقوا حتفهم أيضًا.. هكذا قالت الإيكونومست.
داخل إسرائيل.. تدور معركة سياسية حول سير الحرب وتداعياتها، ومن يتخذ القرارات.. وفى قلب هذه المعركة بنيامين نتنياهو، الشخصية المهيمنة فى السياسة الإسرائيلية لأكثر من عقدين من الزمن، والذى قد يكون الآن الرجل الخطأ فى المكان الخطأ فى الوقت الخطأ، والذى يُنظر إليه- على نطاق واسع- على أنه فقد ثقة الجمهور الإسرائيلى، ويكافح من أجل إدارة حكومة حرب بشكل فعَّال، إنقاذًا لرأسه.. وهو أيضًا المرشح غير القابل للتصديق لتقديم حل الدولتين، الذى تُطالب به أمريكا ضمنيًا، فى مقابل دعمها الهجوم الإسرائيلى على قطاع غزة.. فى 31 أكتوبر، قال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، للكونجرس إنه يدعم السلطة الفلسطينية فى إدارة غزة بعد مغادرة إسرائيل منها، بمساعدة دولية.
ويُحمِّل الرأى العام فى إسرائيل نتنياهو المسئولية عن الإخفاقات التى أدت إلى هجوم حماس.. على الرغم من ضلوع قادة الجيش والمخابرات فى هذه المسئولية، إلا أنهم ما زالوا أكثر شعبية منه.. ووفقًا لاستطلاع حديث للرأى، فإن نصف الإسرائيليين يثقون فى قادة الجيش الإسرائيلى لقيادة البلاد فى الحرب، ويثق خُمسهم فقط فى رئيس الوزراء والجنرالات، على قدم المساواة.. وأقلية صغيرة فقط تثق فى نتنياهو أكثر.. ذلك أثار غضب نتنياهو، مما أدى إلى تفاقم المشكلة الثانية، وهى الانقسامات داخل مجلس الحرب الإسرائيلى.. ووصفه مسئولون حضروا اجتماعاته بـ"الأجواء المؤلمة".. ذلك أن نتنياهو اعتاد على مهاجمة جنرالاته علنًا، ومنها ما حدث فى اليوم التالى لدخول القوات البرية إلى غزة، حينما كتب على موقع X "تويتر سابقًا" مُلقيًا بالمسئولية على رؤساء المخابرات العسكرية وجهاز الأمن العام "الشاباك"، عما حدث في هجمات السابع من أكتوبر، إلا أنه عاد وحذف المنشور، بعد انتقادات علنية له من أعضاء مجلس وزراء الحرب. 
تؤثر هذه الانقسامات على عملية صنع القرار العسكرى فى إسرائيل.. وبسبب تمركز جنود الجيش الإسرائيلى فى مناطق التجمع بالقرب من قطاع غزة لمدة أسبوعين حتى صدر الأمر بالدخول، "تلقى الجيش ضربة مروعة قبل أن يستعيد توازنه".. يقول أحد كبار المسئولين: لا يمكن قول الشىء نفسه بالنسبة لبقية الحكومة.. وتبقى أهداف إسرائيل المُعلنة هى تدمير قدرات حماس العسكرية والإطاحة بحكومتها فى غزة.. ولكن إذا تم تحقيق ذلك، يجب أن يكون الجنرالات مستعدين لفراغ السلطة فى اليوم التالى.. من سيضمن عدم عودة حماس وتحمل المسئولية عن أكثر من مليونى مدنى فى منطقة مزقتها الحرب؟.. ويشكو قادة الأمن من أنهم لم يتلقوا أى توجيهات من الحكومة فى هذا الشأن.. وقد حشدت إسرائيل ثلاثمائة وستين ألف جندى احتياطى بتكلفة باهظة على الاقتصاد، ويحتاج مخططو الحرب إلى معرفة متى يمكن لبعضهم العودة إلى الحياة المدنية. 
كذلك، فإن الاقتتال الداخلى يعيق برامج الإغاثة للمواطنين الإسرائيليين، بعد أن اقتُلِعَت عشرات الآلاف من الأسر من المستوطنات المحيطة بحدود غزة وفي الشمال، حيث يقصف حزب الله إسرائيل من لبنان.. ويشكو قادة المجالس المحلية من أنهم لم يتلقوا أى مساعدة من الحكومة فى ترتيب السكن المؤقت.. وقد تم تعيين رئيس فرقة عمل الخدمة المدنية لتنسيق الإغاثة مؤخرًا.. وحاول وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، زعيم حزب الصهيونية الدينية اليمينى المتطرف، تحويل التمويل بعيدًا عن برامج الإغاثة إلى المستوطنات اليهودية فى الضفة الغربية وغيرها من المصالح الخاصة.
قد تكون أكبر نقاط ضعف نتنياهو هى المشكلة الثالثة.. فقد أصبح رمزًا للعداء العنيد لحل الدولتين، فى وقت يعد فيه الالتزام الإسرائيلي به، بشكل ما، ضروريًا كجزء من أى خطة لـ"اليوم التالى"، وذلك للحفاظ على الدعم الأمريكي والحفاظ على اتفاقيات إبراهام، التي أقامت روابط دبلوماسية مع مجموعة من الدول العربية.. وفي غياب توجيه حكومي واضح، تقوم مؤسسة الدفاع الإسرائيلية بكل التخطيط.. والحل المُفضل لديها هو رؤية السلطة الفلسطينية تعود في نهاية المطاف إلى غزة، التي كانت تسيطر عليها حتى انقلاب حماس عليها عام 2007.. والقيادة الفلسطينية واضحة في أن أي عودة إلى غزة تتطلب تأكيدات إسرائيلية، بشأن إحياء العملية الدبلوماسية المُحتضرة نحو حل الدولتين.. وعلى الرغم من ذلك، فإن بعض أعضاء ائتلاف نتنياهو اليمينيين المتشددين يعارضون بشدة أي تعاون مع السلطة الفلسطينية.. وفي 30 أكتوبر، أعلن سموتريتش أنه سيُجمد تحويل عائدات الضرائب التي تجمعها إسرائيل نيابة عن السلطة الفلسطينية، بسبب ما زعم أنه دعم من قبل شخصيات بارزة هناك لهجوم حماس.
■■ويبقى السؤال: إلى متى يمكن لنتنياهو البقاء على قيد الحياة؟
لقد اندلعت احتجاجات واسعة النطاق ضد الحكومة وأجندتها التشريعية غير الليبرالية، لعدة أشهر قبل هجمات السابع من أكتوبر، وقد تم إيقافها مؤقتًا.. ولا تُشكل حركات التمرد من داخلها تهديدًا حتى الآن، لأن الإطاحة بنتنياهو ستتطلب أغلبية فى الكنيست لاختيار رئيس وزراء بديل.. فى النظام السياسى الإسرائيلى المُتصدع لا يمكن لأى مرشح آخر أن يحظى بمثل هذا الدعم فى الوقت الحالى.. وتضم حكومة الحرب بينى جانتس، الذي يقود ثاني أكبر حزب في المعارضة. ويقول المقربون من جانتس إنه يبتلع إحباطه في الوقت الراهن "من أجل المصلحة الوطنية"، ويتمسك نتنياهو بمنصبه، مؤكدًا أن إسرائيل قادرة على خوض الحرب في غزة، وقد تنجح حتى في الإطاحة بحماس.. ولكن، فى واحدة من أكثر اللحظات اختبارًا فى تاريخ إسرائيل، لا يملك الرجل المسئول- نتنياهو- إجابات عما سيحدث بعد ذلك.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.