رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حلُّهم الإنسانى.. اللا إنسانى!

مصر، ودول عربية وغربية عديدة، رفضت التهجير القسرى للفلسطينيين وحذّرت من عواقبه. و«الاتفاق على ضمان عدم تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر أو إلى أى دولة أخرى» كان أبرز ما جاء فى تلخيص البيت الأبيض، لثالث مكالمة تليفونية يجريها الرئيس الأمريكى جو بايدن مع الرئيس عبدالفتاح السيسى، منذ بداية الأزمة الراهنة. والأهم، هو أن سيناريوهات التهجير، العبثية، الخيالية أو الهلاوسية، يرفضها الفلسطينيون، قيادة وشعبًا، ولا مجال لتنفيذها على الأرض.

مع ذلك، كتب رام بن باراك، ودانى دانون، العضوان بالكنيست الإسرائيلى، مقالًا نشرته جريدة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، الإثنين الماضى، يطالبان فيه الدول الغربية بتقاسم مسئولية استضافة سكان غزة كلاجئين، وإعادة توطينهم. ولم تمض ساعات على نشر المقال، حتى وضعه بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلى، فى حسابه على «فيسبوك»، وكتب أنه يرحب بهذه «المبادرة»، زاعمًا أن «هذا هو الحل الإنسانى الصحيح، لسكان غزة والمنطقة بأكملها، بعد ٧٥ عامًا من اللجوء والفقر والمخاطر»، وأشار إلى أن قبول الدول للاجئين، ستقابله «مساعدات مالية سخية» من إسرائيل والمجتمع الدولى! 

بن باراك، الذى صار عضوًا بالكنيست عن حزب «هناك مستقبل»، أو «يش عتيد» المعارض، هو النائب السابق لرئيس جهاز المخابرات الخارجية، الموساد. أما دانون، المنتمى لـ«حزب الليكود» الحاكم، فكان مندوب الدولة العبرية الدائم لدى الأمم المتحدة، بين عامى ٢٠١٥ و٢٠٢٠. وفى المقال، الذى كان عنوانه «على الغرب أن يرحب بلاجئى غزة»، كشفا بوضوح عن الهدف الحقيقى لما تقوم به السلطات الإسرائيلية على الأرض، سواء فى الضفة الغربية أو فى قطاع غزة، لتصفية القضية الفلسطينية. وهو ما أكده وزير المالية، الذى يرأس حزب «الصهيونية الدينية» اليمينى المتطرف، والذى سبق أن قال لأعضاء الكنيست العرب: «أنتم هنا عن طريق الخطأ، خطأ بن جوريون، الذى لم يطرد كل العرب سنة ١٩٤٨».

عدد من المحررين الدبلوماسيين سألوا سامح شكرى، وزير الخارجية، أمس الأول الثلاثاء، بشأن هذا الطرح، فأجاب بأنه يخالف قواعد وأحكام القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى، وشدّد على أن محاولات تبرير وتشجيع تهجير الفلسطينيين مرفوضة مصريًا، ودوليًا، جُملةً وتفصيلًا، وجدد تأكيد موقف مصر الرافض، بشكل قاطع، لسياسات التهجير وتصفية القضية الفلسطينية، واستهجن الحديث عن عملية النزوح وكأنها تحدث بشكل طوعى، موضحًا أن نزوح مواطنى غزة هو نتاج الاستهداف العسكرى المتعمد، وعمليات الحصار والتجويع المقصودة، التى تستهدف خلق ظروف تؤدى إلى ترك المواطنين منازلهم ومناطق إقامتهم، فى جريمة حرب مكتملة الأركان، وفقًا لاتفاقية جنيف الرابعة لسنة ١٩٤٩. 

وزير الخارجية شدَّد، أيضًا ومجددًا، على أن مصر ستواصل جهودها من أجل الحفاظ على الحقوق المشروعة وغير القابلة للتصرف للشعب الفلسطينى، ومنها حقه فى البقاء على أرضه وإقامة دولته المستقلة القابلة للحياة ومتصلة الأراضى، على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية. وفى السياق نفسه، قال الرئيس الفلسطينى محمود عباس، أمس الأربعاء، إن مخططات التهجير أصبحت مكشوفة وتنطق بها القيادات الإسرائيلية «بلا خجل»، مؤكدًا رفضه التام هذه المخططات. كما وصفت الخارجية الفلسطينية هذا الطرح بأنه جزء من «خطة استعمارية عنصرية»، وأضافت، فى بيان، أن الحل الصحيح هو وقف الإبادة الجماعية التى يشنها سموتريتش وأمثاله، وإجبار إسرائيل على إنهاء احتلالها أرض دولة فلسطين.

.. وتبقى الإشارة إلى أن سلطات الاحتلال تقوم بـ«حرب رسمية» لتعميق جريمة «التهجير الصامت» فى الضفة الغربية، حسب بيان أصدرته الخارجية الفلسطينية، الخميس الماضى، أكده تقرير نشرته مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية، نقل عن شهود عيان أن مستوطنين يهودًا مدعومين بقوات من الجيش الإسرائيلى فى الضفة الغربية، يكثفون محاولات تهجير مجتمعات فلسطينية ضعيفة، فى أكبر حملة طرد منذ عقود. كما ستجد فى جريدة «الإندبندنت» البريطانية مقالًا كتبه كيم سينجوبتا، فى ٢٢ أكتوبر الماضى، يؤكد فيه أن الائتلاف الحاكم فى إسرائيل يتبنى سياسة تهدف إلى السيطرة على الضفة الغربية بالكامل.