السلام مع من؟
مواسم الحروب تكون عادة لفتح النقاش حول السلام.. وهل هو أفضل أم الحرب؟ وفى حالتنا هذه فإن القضية بالنسبة للكثيرين ليست السؤال.. حرب أم سلام؟ ولكن السؤال هو.. السلام مع من؟ بمعنى هل يوجد فى حكومات إسرائيل الحالية من يصلح لعقد سلام معه؟ الإجابة بكل تأكيد لا.. وبالتالى فإن السؤال يجب ألا يصبح هل تختار مصر مثلا السلام أم الحرب؟.. فنحن اخترنا السلام بالفعل، ولكن الجديد أن هناك فى إسرائيل سياسات تهدد السلام أو تستهين بالسلام أو تسعى لفرض الأمر الواقع.. والحقيقة أنه عندما كانت هناك فى إسرائيل حكومات تعلن سعيها للسلام مثل حكومة إسحق رابين.. كانت هناك أصوات مصرية تدعم هذا الاختيار - رغم الرفض الشعبى لها- لكن كان هناك مثقفون امتلكوا جرأة التجاوب مع ما رأوه رغبة جادة للسلام على الطرف الآخر.. لكن المجتمع الإسرائيلى اختار التطرف والعنصرية، وتم قتل إسحق رابين عقابًا له على التفكير فى السلام، وخرج حزب العمل الإسرائيلى من الحكم إلى زوايا النسيان حتى إن عدد مقاعده حاليًا فى الكنيست أربعة مقاعد فقط.. وبالتالى فعندما يدور فى مصر نقاش داخلى حول السلام فإن الإجابة.. نختار السلام ولكن مع من؟.. هل هناك من يمد يده لنا بالسلام.. بالنسبة لرجل الشارع المصرى فقد سعت إسرائيل فى آخر ثلاث سنوات للإضرار بمصر، وسمعنا عن ممر اقتصادى يهدف للإضرار بقناة السويس، وسمعنا عن مشروع قناة تمر عبر غزة بهدف منافسة قناة السويس، وسمعنا عن مخططات لتهجير أهل غزة إلى سيناء بالمخالفة لكل القوانين والقواعد والأصول، وسمعنا عن أيادٍ خبيثة تعبث فى أعالى النيل إما مباشرة أو من خلال وكلاء عرب - للأسف الشديد- وسمعنا عن تحالفات للتطبيع تسعى للإضرار بمصر اقتصاديًا رغم أن مصر لم تسعَ لإيقاع الضرر بأحد.. وبالتالى ومع كل هذه الأضرار فإن السلام يفقد جاذبيته وفائدته فى عيون البعض ويتساوى مع الحرب رغم أن الأمر ليس كذلك.. على هامش الأحداث يطرح أيضًا السؤال هل ما فعلته حماس فى ٧ أكتوبر مفيد أم مضر؟ ورأيى الخاص أن ما فعلته حماس يحمل نفس فوائد فعل الانتحار ويحمل نفس أضراره.. الانتحار من وجهة نظر البعض ينهى الألم وهذه فائدة، ولكنه أيضًا ينهى الحياة وهذا ضرر.. البعض يرى أن المنتحر يصل لدرجة لا يستطيع معها أن يتحمل ألمه فينهى حياته.. والفلسطينيون وصلوا لدرجة لا تحتمل من الألم وفقدان الأمل قبل ٧ أكتوبر.. البعض يرى الانتحار هروبًا، والبعض يراه شجاعة.. كلها وجهات نظر.. فى حالة حرب غزة فالضرر واقع على الجميع.. إسرائيل تلقت صفعة قاسية، ولديها خسائر اقتصادية، ومعنوية وسياسية لا تنكر. أهل غزة قتلوا وشردوا من ديارهم.. قادة حماس سيتم اصطيادهم بدعم من مخابرات العالم وسيتلقى التنظيم ضربات قاسية ومؤلمة، مصر وقعت عليها أضرار اقتصادية وتراجع كبير للسياحة وارتفاع فى أسعار الطاقة والدولار كأثر مباشر للحرب.. ما هو المكسب إذن؟ المكسب أن الجميع أصابتهم خسائر تجعلهم يفكرون فى السلام كاختيار.. لكن نقطة البداية فى إسرائيل، آجلًا أم عاجلًا سيرحل نتنياهو أكثر حكام إسرائيل تطرفًا وعنصرية وإثارة للمشاكل فى العقدين الأخيرين، وأن يدعم الأمريكيون وصول حكومة تؤمن بالسلام فى إسرائيل، وأن تظهر وجوه جديدة فى المشهد الفلسطينى، وجوه شابة تتكلم لغة جديدة ولديها مصداقية، وأن يتم تأسيس جبهة فلسطينية واسعة بخيال جديد، وبطبيعة الأمور فإن أى جبهة تحرر تضم جناحًا متطرفًا يتم الاستفادة منه وترشيد خطواته وضبطها حسب إيقاع المصلحة.. من الدروس التى سيتعلمها الجميع أيضًا أنه لا يمكن لبعض العرب إخفاء القضية الفلسطينية «تحت السجادة» ريثما يتم الاحتفال بالتطبيع، وأنه لا يمكن إقامة حفل زفاف على إسرائيل بينما النيران مشتعلة فى الجزء الخلفى من المنزل لأنها حتمًا ستمتد وتحرق الجميع، من ضمن الدروس أيضًا أنه لا يمكن إقامة تحالفات استراتيجية مع إيران وإسرائيل فى نفس اللحظة.. ولكن يمكن أخذ موقف عربى موحد يحتفظ بمسافات مناسبة مع الجميع، لسان حال المنطقة العربية ينطبق عليه المثل إما أن نعيش سويًا أو نموت معًا.. المنطقة متداخلة جدًا فى حدودها وأوراقها وقضاياها ومصالحها وثقافتها وتاريخها.. وترك الفلسطينيين يعانون والذهاب لاحتفالات التطبيع ليس فكرة سديدة والأيام أثبتت فشلها.. إذن ما المعنى من ذلك كله؟.. ستمر هذه الأيام الصعبة على الجميع.. وستسعى إسرائيل لإضرار حماس حتى تعوض الضرر الذى لحق بها فعلًا فى ٧ أكتوبر.. والمعنى أن حماس انتصرت مقدمًا، وستنتصر إسرائيل لاحقًا، لأن هذه إرادة العالم الغربى الذى يتآمر لتحقيق هذه النتيجة وسيحققها للأسف.. ثم ماذا بعد؟ يدرك الجميع أنهم خاسرون.. تنتهى «الفورة» بلغة لاعبى الورق.. ونبدأ دورًا جديدًا.. مطلوب منا الصبر والدفاع عن أرضنا والتمسك بوحدتنا حتى يدرك الجميع خسارتهم ونبدأ السير نحو السلام.