رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نكبة 2023

الوصف أطلقه آفى ديختر، وزير الزراعة الإسرائيلى، مساء السبت، على نزوح الفلسطينيين من شمالى قطاع غزة إلى جنوبه، فى إشارة إلى النزوح الجماعى للفلسطينيين، الذى صاحب حرب ١٩٤٨ والإعلان عن قيام دولة الاحتلال. وتصادف أن يؤكد الرئيس الفلسطينى محمود عباس، فى اليوم نفسه، أن الفلسطينيين لن يقبلوا بتكرار نكبة ١٩٤٨ أو نزوح سنة ١٩٦٧، محذرًا من عواقب تهجير أبناء الشعب الفلسطينى إلى خارج قطاع غزة أو الضفة الغربية أو القدس.

فى تصريحات للقناة «١٢» الإسرائيلية، قال «ديختر»، المنتمى لحزب «الليكود»، وعضو المجلس الوزارى المصغر للشئون الأمنية والسياسية، الكابينت، والذى كان يرأس جهاز الأمن الداخلى الإسرائيلى، الشاباك: «ستكون نكبة غزة ٢٠٢٣.. هكذا سينتهى الأمر». أما تأكيد وتحذير الرئيس الفلسطينى فجاءا خلال كلمة ألقاها بمناسبة الذكرى الـ١٩ لرحيل الرئيس الفلسطينى السابق ياسر عرفات، قال فيها إن ما يحدث فى الضفة الغربية، فى مدنها ومخيماتها وقراها والقدس لا يقل فظاعة عما يحدث فى غزة من قتل واعتداءات على الأرض والبشر والمقدسات، على أيدى قوات الاحتلال والمستوطنين الإرهابيين.

يستخدم الفلسطينيون، والعرب عمومًا، كلمة «نكبة» لوصف حرب ١٩٤٨، التى أجبرت خلالها مجازر العصابات الصهيونية المسلحة ما يتراوح بين ٧٥٠ ألفًا إلى ٨٠٠ ألف فلسطينى على ترك منازلهم ومدنهم وقراهم إلى قطاع غزة والضفة الغربية ودول الجوار. بينما تقول أرقام الأمم المتحدة إن عدد النازحين منذ ٧ أكتوبر الماضى، إلى الآن، تجاوز ١.٥ مليون نسمة، أى ضعف الرقم القديم تقريبًا!

تهجير الفلسطينيين مسألة متأصلة فى الأيديولوجية الصهيونية، التى استهدفت، بشكل أو بآخر، تغيير تركيبة فلسطين الديموغرافية. وليس هذا كلامنا، بل ننقله من كتاب «مولد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين»، الذى أكد فيه المؤرخ الإسرائيلى بينى موريس، Benny Morris، أن ٨٤٪ من الفلسطينيين فروا من بيوتهم خلال حرب النكبة، بسبب المجازر التى ارتكبتها العصابات الإسرائيلية. وأشار إلى أن سلطات الاحتلال قامت، قبل وقف إطلاق النار فى يناير ١٩٤٩، بإغلاق حدودها، ومنعت الفلسطينيين من العودة.

لأسباب يمكنك استنتاجها، ترفض سلطات الاحتلال، إلى الآن، نشر أو إطلاع الباحثين على مذكرات ديفيد بن جوريون، أبرز زعماء الحركة الصهيونية، وأول رئيس حكومة فى إسرائيل. لكن فى مايو ٢٠٢١، تمكن آدم راز، الباحث فى معهد «عكيفوت»، بصعوبة، من الحصول على صفحات من تلك المذكرات، أظهرت كيف أعطى المذكور أوامره لقوات جيش الاحتلال لكى تنغص معيشة الفلسطينيين وتدفعهم بالقوة إلى الشرق، حتى لا يعودوا إلى بيوتهم وأراضيهم فى المناطق، التى احتلتها إسرائيل. بالنص كتب بن جوريون: «توجد حالات، وصل فيها لاجئو الرملة واللد إلى غزة عن طريق رام الله، لأنهم اعتقدوا أنه من غزة سيسهل عليهم العودة إلى الرملة واللد. فما العمل؟ ينبغى لنا أن نعمل على تنغيص معيشتهم دون كلل ودفعهم شرقًا، إلى الأردن، لأنهم لن يتوجهوا إلى البحر، ومصر لن تسمح لهم بالدخول».

فى صفحة تحمل تاريخ ٢٦ سبتمبر ١٩٤٨، كتب «بن جوريون»، أنه ويوسف فايتس، مدير دائرة الأراضى والتشجير فى «كيرن كييمت ليسرائيل»، أو الصندوق الدائم لإسرائيل، أنهما أخذا كل الاحتياطات اللازمة لمواجهة محاولات عودة اللاجئين إلى مدنهم، التى باتت تحت سيطرة إسرائيل. وقد تساءل بن جوريون عمن سيعتنى بتنغيص معيشة الفلسطينيين، ويجيب: «شيلواح، وتساعده لجنة فايتس». و«شيلواح» هو رؤبين شيلواح، أحد رؤساء أجهزة المخابرات الإسرائيلية والرئيس الأول للموساد. أما «لجنة فايتس»، فهى «لجنة الترانسفير»، التى تشكلت، خلال حرب فلسطين، سنة ١٩٤٨ من أجل تنفيذ سياسة الحكومة الإسرائيلية فى موضوع اللاجئين العرب، وتشجيعهم أو إجبارهم على الهجرة من البلاد!

.. وتبقى الإشارة إلى أن «بن جوريون» حكى، فى صفحة تحمل تاريخ ٢ أبريل ١٩٥٠، عن قيام رجال الجيش المصرى بمعاقبة جنود جيش الاحتلال عن بعض جرائمهم: «الأمور ليست جيدة فى النقب.. ألقوا القبض مرة أخرى على جنودنا.. فتاتان عربيتان، اغتصبوهما وقتلوهما. وكرد فعل، وضع المصريون لغمًا، ونصبوا كمينًا، وقتلوا خمسة أشخاص: ثلاثة جنود واثنين من المدنيين».