رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب: القفز فوق الألغام (1).. لماذا أعلنت مصر رفضها خطة التوطين من اللحظة الأولى؟

محمد الباز
محمد الباز

- السيسى بدأ العمل ضد مشروع إسرائيل لتوطين الفلسطينيين فى سيناء منذ أن كان مديرًا للمخابرات الحربية

- «اللواء» السيسى طلب من مرءوسيه فى ٢٠١٠ حلولًا مبتكرة وغير تقليدية لمواجهة نقل «الغزاوية» للأراضى المصرية

- إسرائيل حاولت توريط مصر بادعاء أن القاهرة أبلغت تل أبيب بهجوم «حماس» قبل وقوعه

صباح السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ توجه المرشح الرئاسى السيد عبدالفتاح السيسى إلى مستشفى العاصمة الإدارية الجديدة ليجرى الكشف الطبى تمهيدًا للتقدم بأوراق ترشحه فى الانتخابات الرئاسية. 

أمام المستشفى استقبله المستشار محمود فوزى، رئيس الحملة الانتخابية الرسمية مستشارها القانونى، وعبر ٤ عيادات طبية، وهى: النفسية والعصبية والمخ والأعصاب والرمد والجراحة والباطنة والقلب، أجرى المرشح الرئاسى الفحوصات الطبية وفقًا لقوائم التحاليل اللازمة التى حددتها المجالس الطبية المتخصصة، ليتم إرفاق نتائجها مع أوراق الترشح التى تتسلمها الهيئة الوطنية للانتخابات. 

كان مرتبًا أن يزور الرئيس بعد أن ينتهى من الفحوصات الطبية، مركز إدارة الأزمات الاستراتيجى الجديد بالعاصمة الإدارية، وقد استعد المسئولون عن المركز بالفعل لعمل تجربة تشغيل للمركز، يقف الرئيس من خلالها على متابعة الأحداث المشتعلة فى السودان وبعض الأزمات المشتعلة فى مناطق مختلفة فى العالم، وكان مقررًا أن تستغرق الزيارة ساعات قليلة يستأنف بعدها الرئيس جدول أعماله العادى لهذا اليوم. 

قبل أن يصل الرئيس إلى مقر مركز إدارة الأزمات الاستراتيجى انفجرت الأحداث فى قطاع غزة، بهجوم حركة حماس على الداخل الإسرائيلى، وهى العملية التى حملت اسم «طوفان الأقصى». 

رسمت الأخبار الواردة من قطاع غزة، عبر الشاشات وقنوات التليجرام وصفحات شبكة التواصل الاجتماعى، صورة كاملة لما حدث على الأرض فى الساعات الأولى من صباح ٧ أكتوبر ٢٠٢٣. 

بدأت عملية «طوفان الأقصى» بهجوم صاروخى واسع النطاق شنته فصائل المقاومة على رأسها حركة حماس، المخططة والمنفذة، حيث قصدت آلاف الصواريخ مختلف المستوطنات الإسرائيلية من ديمونا جنوبًا إلى هود هشارون فى الشمال والقدس فى الشرق، رافق هذه الصواريخ اقتحام برى من الفصائل عبر السيارات رباعية الدفع والدراجات النارية والطائرات الشراعية للبلدات المتاخمة للقطاع، التى تعرف بغلاف غزة. 

لم تتوقف عملية «طوفان الأقصى» عند هذا الحد، فقد سيطر رجال الفصائل على عدد من المواقع العسكرية الإسرائيلية فى «سديروت» ووصلوا إلى «أوفاكيم» واقتحموا «نتيفوت»، واشتبكوا مباشرة فى المستوطنات الثلاث ومستوطنات أخرى مع جنود وقيادات جيش الاحتلال، وأسروا عددًا منهم وعددًا من المواطنين المدنيين، وكان من بينهم نساء وكبار السن، ولم يعد رجال الفصائل إلا ومعهم ما اعتبروه غنائم من الآليات العسكرية الإسرائيلية. 

لعبت الصور القادمة من قطاع غزة، والتى اقتحمت الشاشات جميعها تلك التى يجلس أمامها العالم أو تلك التى يحملونها فى أيديهم، دورًا رئيسيًا فى رسم سيناريوهات لما هو قادم قبل أن تتوالى الأحداث وتحتدم وتتحول غزة إلى كتلة من الجحيم. 

اتجهت كل التوقعات إلى أن إسرائيل ستفقد كل رشد أو عقل أو حكمة فى التعامل مع الحدث على الأرض، وأنها حتمًا ستنتقم لكبريائها التى أصبحت أثرًا بعد عين، فلم تكن الضربة التى وجهتها «حماس» إلى إسرائيل عشوائية، بل كانت مخططة ومنظمة وأطاحت تمامًا بنظرية الأمن الإسرائيلى. 

لم تتعرض إسرائيل إلى هذه الهزة إلا مرتين فقط، هوجمت خلالهما داخل أرضها. 

المرة الأولى كانت فى ٦ أكتوبر ١٩٧٣، وإذا قلت إن الهجوم عليها لم يكن فى أرضها، بل كان على أرضنا التى احتلوها، سأقول إن لديك كل الحق، لكن ولأن إسرائيل لا تعرف سوى الباطل فقد كانت تعتبر أن سيناء أرضها ولها كامل السيطرة عليها. 

كانت ضربة أكتوبر من جيش نظامى، استطاع أن يحطم الكبرياء العسكرية الإسرائيلية فى ست ساعات، وأن يهيل التراب على الأسطورة التى سعت إسرائيل إلى تصديرها عن نفسها وعن جيشها الذى كانت تزعم أنه لا يُقهر. 

المرة الثانية كانت من ميليشيا مسلحة، اعتقدت إسرائيل أنها لا يمكن أن تقدم على الهجوم الشامل أبدًا، لكنها وجدت نفسها وجهًا لوجه أمام ما بعثر أمنها وقدراتها الاستخباراتية، وبدد أمن مواطنيها، وأعتقد أن إسرائيل لن تنسى أبدًا مشاهد اقتحام بيوت مواطنيها والنزول بهم وهم عرايا لا يسترهم شىء. 

استطاعت إسرائيل بقدراتها الدعائية الفائقة أن ترسم للعالم كله صورة لما جرى، حصلت من خلالها على تعاطف مطلق ومباركة كاملة لأن تشن هجومًا كاسحًا على غزة، بهدف أن تأتى على «حماس» فلا تبقى منها شيئًا ولا تذر، وهو الدعم الذى جعل إسرائيل تتوحش كما لم تتوحش من قبل فى حروبها. 

وصل الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى مركز إدارة الأزمات الاستراتيجى فى العاصمة الإدارية والأحداث تتصاعد رافعة درجة الحرارة فى قنوات الدبلوماسية العالمية إلى حدها الأقصى، تم استدعاء وزيرى الدفاع والخارجية ومسئول إدارة الأزمات فى مجلس الوزراء، وبدأ الرئيس يتابع لحظة بلحظة ما يجرى، ولم ينصرف من مقر المركز إلا فى الساعة الحادية عشرة مساء. 

خلال المناقشات التى دارت خلال اجتماع الأزمة الممتد من صباح ٧ أكتوبر إلى ما قبل منتصف الليل بساعة واحدة، بدا أمام الجميع أن الأحداث يمكن أن تقود إلى السيناريو الذى تفجر بعد أيام قليلة، وهو التهجير القسرى لأهالى غزة، تمهيدًا لنقلهم إلى سيناء، وهو السيناريو الذى لم يكن بعيدًا عن خيال الرئيس السيسى. 

يمكننا أن نعود معًا إلى نهايات العام ٢٠١٠ عندما كان الرئيس السيسى مديرًا للمخابرات الحربية، حيث عقد اجتماعًا على أعلى مستوى، وكان تحديدًا لمناقشة مواجهة سيناريوهات إسرائيل التى تسعى إلى توطين الفلسطينيين فى سيناء، وهى الخطة المتجددة، التى كانت تطفو على السطح من آن لآخر دون انقطاع. 

عندما اطلع اللواء عبدالفتاح السيسى على سيناريوهات المواجهة، وجد أنها فى معظمها سيناريوهات تقليدية، وهو ما دفعه لأن يطلب من المجتمعين أن يُخضعوا الأمر لمناقشة جديدة بهدف الوصول إلى حلول مبتكرة وغير تقليدية، ويومها قال لهم: أمامكم أسبوع واحد لوضع خطة واضحة، وعليكم أن تعرفوا أن كل يوم نتأخر فيه يمكن أن يسهم فى ضياع القضية الفلسطينية وضياع مصر أيضًا. 

كان توطين الفلسطينيين فى غزة هو الشبح الكبير الذى يطارد الدولة المصرية، ولم يكن هذا الشبح غائبًا أبدًا عن تفكير الرئيس السيسى، بل عمل مبكرًا على إيقافه، وهو ما وجد نفسه يواجهه على الأرض بعد أن أصبح رئيسًا، وأصبح القرار كاملًا بيده، وهو ما يقتضى التعامل معه بأدوات الوضع الراهن ومتغيراته وتقلباته أيضًا. 

رغم انشغال إسرائيل الواضح فى عملية الرد على الأرض، فى محاولة منها لترميم الشرخ الكبير الذى أصاب أمنها وقدرتها على الردع، انتبهت إلى أنها يمكن أن تبدأ فى تنفيذ مخططها الجهنمى بنقل الفلسطينيين إلى سيناء، وكانت الفرصة أمامها مواتية تمامًا، بل إنها لن تجد أمامها فرصة أنسب من هذه الوقائع المشتعلة، بل إنها يمكن أن تضم العالم المؤيد لها لدفع الخطة إلى الأمام باعتبارها الحل لهذه الأزمة من الجذور. 

قررت إسرائيل أن تفتح جبهة مع مصر، وبدا هذا واضحًا من خلال سيناريوهين واضحين. 

السيناريو الأول هو محاولة توريط مصر فى الحدث بادعاء أنها حذرت إسرائيل من ضربة حماس المدوية، وبذلك تضعها وجهًا لوجه مع المقاومة الفلسطينية ومن يقفون فى خندقها، فبينما تخطط حماس لشن هجوم على إسرائيل إذا بمصر تطعنها من الخلف، وهو ما ستكون له تداعياته التى لن تكون فى صف مصر أبدًا. 

فى يوم ٩ أكتوبر ٢٠٢٣ ظهر على القناة ١٢ الإسرائيلية عنوان يقول نصًا: مصر حذرت بشكل شخصى نتنياهو من هجوم من غزة، ثم عنوان آخر يقول: وزير المخابرات المصرى اتصل برئيس الحكومة من أجل تحذيره من الهجوم. 

وبينما كان هذا العنوان مثبتًا على القناة، تحدث مراسلها فقال: سنتحدث ربما عن أن الفشل أكبر بكثير بسبب هذا التحذير، فهم يتحدثون عن أن وزير المخابرات المصرى، الوزير عباس كامل، اتصل برئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قبل هجوم حماس مباشرة بعشرة أيام، وحذره- وذلك وفقًا لما يقال- بأن هناك شيئًا استثنائيًا من «حماس»، وقد أجابه نتنياهو بأن إسرائيل الآن غارقة بمحاربة الإرهاب فى الضفة الغربية، والحقيقة أن الوزير المصرى صدم من اللامبالاة لرئيس الحكومة، وإذا ما صدق هذا الكلام فإننا سنتحدث عن ذلك كثيرًا. 

لم يكن ما قاله المراسل الإسرائيلى صحيحًا بالمرة، وقد سارع مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى إلى نفيه جملة وتفصيلًا عبر بيان صدر رسميًا عنه، قال فيه: نفى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى تقريرًا نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» بأن وزير المخابرات المصرى اتصل برئيس الوزراء قبل ١٠ أيام من الهجوم المفاجئ الذى شنته «حماس»، وحذره من شىء غير عادى من اتجاه غزة. 

لم يكن هذا هو البيان الوحيد الذى صدر عن مكتب نتنياهو، فقد صدر تصريح آخر يقول نصًا: لم يجر أى اتصال أو لقاء بين نتنياهو ورئيس المخابرات المصرية منذ توليه منصبه، بل تحدث أحد مسئولى حكومة نتنياهو إلى الصحف الإسرائيلية دون أن يسمى نفسه، وقال: إن مصر كانت تعمل العكس، حيث طالبت إسرائيل بالاتفاق مع «حماس» والعمل على إغاثة المدنيين، ولم تبلغنا بأى هجوم محتمل. 

لم تكن القصة هينة، أصابت حكومة نتنياهو بصداع رهيب، وهو ما جعله يتحدث بنفسه، حيث نفى تمامًا أن يكون هناك تحذير مصرى قبل بدء التصعيد الحالى مع الفصائل الفلسطينية، وأنه لا صحة كذلك لوجود أى تحذير مصرى قبل عملية طوفان الأقصى. 

دخلت القناة ١٣ الإسرائيلية على الخط، فأذاعت نفى حكومة نتنياهو الخبر الذى سبق وأذاعته القناة ١٢، لكنها لم تترك القصة دون تعليق، فأضافت أنه ربما يكون هناك من وصلت إليهم معلومات عامة تفيد بأن «تنبهوا لاستعدادات حماس». 

لم تحتمل القناة ١٢ الإسرائيلية تكذيب الحكومة لها، فعادت لفتح السيرة من جديد فى محاولة منها لتقديم قصة متكاملة عما جرى، فقال مراسلها إنه تحدث مع مصادر فى أجهزة الأمن وهم لا يعرفون أى شىء، بل ينفون بشكل قاطع أن تكون هذه المحادثة قد جرت من الأساس. 

حاول مراسل القناة ١٢ بعد ذلك أن يغسل يديه من القصة كلها، بالكشف عن مرجعيته فى الخبر، فأشار إلى أن الصحفية الإسرائيلية «سميدار بيرى» من «واى نت»- موقع يديعوت أحرونوت على الإنترنت- كانت هى التى نشرت أن المقصود هو وزير المخابرات المصرى بنفسه، والذى قبل عشرة أيام تحدث لمكتب رئيس الحكومة، وتحدث إما مع رئيس الحكومة أو أحد رجاله، وحذره من شىء استثنائى ومن عملية حقيقية، وكما نشرت أيضًا أن الإجابة كانت استهانة وأن التركيز موجه الآن للضفة الغربية وليس لقطاع غزة. 

بينما كان المراسل يتحدث اختارت القناة أن تثبّت على شاشتها ما بدا حالة من التوازن فيما يتعلق بالخبر، فكتبت «تقرير: مصر تحذر نتنياهو من هجوم.. ومكتب رئيس الحكومة: كذب تام لم نتلق رسالة أولية من مصر». 

تداخل فى الجدل الذى أثارته القصة مراسل آخر من مراسلى القناة فقال إن هناك نفيًا تامًا من مكتب رئيس الحكومة، حيث قال إن هذا ليس صحيحًا، وإنه تأكد بنفسه من الجهات الأدنى من رئيس الحكومة، حيث تحدث إلى مصادر من جهاز الأمن العام «الشاباك»، وهيئة الأمن القومى، الذين أكدوا أنه لم تكن هناك محادثة من الأساس. 

ويضيف المراسل: لقد قالوا جميعًا العكس، حيث زعموا أنه على مدار أسابيع كان المصريون يطالبون بتهدئة التوتر الكامن، وأنه خلال الأسبوع الذى سبق الهجوم اجتمع رئيس الحكومة مع كل المناصب الأمنية والسياسية، ولم يتحدث أحد عن هجوم مفاجئ من «حماس»، بل تحدثوا عن ضرورة العمل على منع أى توتر من جانب غزة. 

وجه المراسل كلامه بعد ذلك لمذيعة النشرة فى القناة قائلًا لها: أذكرك بالمحادثة التى جرت بين رئيس الشاباك وبن غفير التى كشفت عنها القناة ١٣، عندما قال له لا تصعد جبل الهيكل، لأن ذلك سيوفر الوقود الذى تستخدمه «حماس» لفعل شىء تجاه إسرائيل، فإذا كانت هناك معلومات حول نيتهم لشن هجوم لم تكن لتحدث هذه المحادثة. 

استعانت القناة كذلك بتعليق من اللواء احتياط «إيتان بن إلياهو»، قائد سلاح الجو بجيش الاحتلال، الذى قال: لقد كنت فى ٧٣ ولا أصدق ما تقولونه الآن، فما حدث الآن هو ما قيل وقتها، لم تكن هناك تحذيرات، وإذا كانت هناك تحذيرات فهم غير قادرين. 

وقبل أن ينهى «بن إلياهو» كلامه قال: دعونى أقول لكم كلمة تلخص الأمر.. لا يوجد ما يبرر هذه المفاجأة. 

قررت الاقتراب من هذه الرواية بالتحقيق، وكان أن وقفت على حقيقتين: 

الأولى كانت من خلال حديث مع أحد الخبراء بالصحافة الإسرائيلية، الذى أشار إلى أن بداية القصة من «واى نت»- موقع يديعوت أحرونوت- كفيلة بهدمها من الأساس، فمن المعروف أنه موقع يفتقد المصداقية، ولا تتوفر للأخبار التى ينشرها قيم ومعايير المهنية المعتادة، فهو لا يتردد عن نشر الـ«fake news» وتعرف ذلك عنه الأوساط الإعلامية الإسرائيلية. 

والثانية وضعها أمامى مصدر سيادى ليس مطلعًا فقط على صناعة القرار المصرى بل يشارك فيه، حيث أشار إلى أن مصر كانت قد حذرت إسرائيل بالفعل، لكنه التحذير المنطقى من تصاعد الضغط الذى كانت تمارسه الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة على قطاع غزة، وهو الضغط الذى سيقود حتمًا إلى انفجار مدوٍ، دون الإشارة إلى ماهية أو حدود هذا الانفجار، وكانت هذه محاولة لتخفيف الضغط عن القطاع وسكانه، لكن إسرائيل لم تنصت ولم تتراجع عن ممارساتها، وكان طبيعيًا أن نجد أنفسنا أمام هذا الانفجار، وإن لم يتوقع أحد أبدًا أن يكون هذا الانفجار بهذا الشكل أو بهذا التأثير.

ما قاله لى المصدر السيادى أكدته مصادر مصرية رفيعة المستوى لوسائل الإعلام المختلفة، حيث نفت تمامًا ما تداولته تقارير إعلامية إسرائيلية بشأن قيام الأجهزة المصرية بإبلاغ الجانب الإسرائيلى عن وجود نوايا لدى حركة حماس لتنفيذ الهجوم الذى جرى فى السابع من أكتوبر. 

المصادر رفيعة المستوى قررت إغلاق الباب تمامًا فى وجه هذه القصة، فأضافت أن الموقف المصرى معلوم للجميع، وما تقوله مصر فى العلن وهو التمسك بثوابت القضية الفلسطينية هو نفسه ما تقوله فى غرف المباحثات المغلقة. 

ولأن الخبر لم تكن له جذور فقد تبخر فى الهواء تمامًا، فلم يعد له أحد بعد ذلك. 

السيناريو الثانى الذى حاولت إسرائيل فتح جبهة مع مصر من خلاله، تنبه له صانع القرار المصرى جيدًا، وهو ما تأكدت منه من تصريحات مصدر سيادى مصرى، نشرتها وسائل الإعلام فى القاهرة بعد يومين فقط من اندلاع الأحداث فى ٩ أكتوبر ٢٠٢٣. 

فطبقًا لما نشرته وسائل الإعلام بالقاهرة فقد حذرت مصادر مصرية رفيعة المستوى من دفع الفلسطينيين العزل تجاه الحدود المصرية وتغذية بعض الأطراف لدعوات النزوح الجماعى، وشددت المصادر نفسها على خطورة دعوات النزوح باعتبارها كفيلة بتفريغ القطاع من سكانه وتصفية القضية الفلسطينية ذاتها، فضلًا عن كون السيادة المصرية ليست مستباحة، وحمّلت المصادر سلطة الاحتلال مسئولية ضرورة إيجاد ممرات إنسانية لنجدة الشعب الفلسطينى، مؤكدة ضرورة الاستجابة لصوت العقل وإيقاف العمليات العسكرية بشكل فورى. 

لقد تنبه صانع القرار المصرى مبكرًا لما قد تجد سلطة الاحتلال نفسها مدفوعة إليه بتأثير الوقائع التى تنقل على الأرض، وأنها حتمًا ستحيى مرة أخرى سيناريو التهجير القسرى ودفع الفلسطينيين دفعًا إلى تجاوز الحدود المصرية، وأنه ستكون هناك عودة للحديث عن توطين الفلسطينيين فى سيناء، وأدى استشعار الخطر بهذه الصورة إلى تأكيد القيادة المصرية أنها لا تقبل حصار الشعب الفلسطينى فى غزة، ولا تقبل إجباره على النزوح، ولا تقبل نقله إلى سيناء. 

لكن كيف أحيت إسرائيل الحديث عن خطط التوطين فى الأيام الأولى للحرب؟ 

وكيف صاغت رسالتها لتمريره؟ 

فهذه قصة أخرى.