رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العميد محمد فكرى: هزمنا إسرائيل بـ«المقاتل» قبل «السلاح».. وكانوا يصرخون منّا وقت الهجوم عليهم

الدكتور محمد الباز
الدكتور محمد الباز والعميد محمد فكرى

- قال: الضربة الأولى ألهبت حماسنا.. ومعركة «جبل المر» جعلت العدو ينسحب هلعًا

- شاركت فى المعركة قبل التخرج فى الكلية الحربية.. والتدريبات كانت أصعب من حرب أكتوبر

- نفذنا عمليات مبكرة للعبور فى الاستنزاف.. وتدربنا على أنواع قتال لم تكن موجودة فى 67

- الحفر البرميلية كانت ابتكارًا.. والصواريخ المضادة للدبابات هى المفاجأة التكتيكية فى الحرب 

وثّق العميد أركان حرب محمد فكرى، أحد أبطال سلاح المشاة فى حرب ١٩٧٣، شهادته عن نصر أكتوبر المجيد، مشيرًا إلى أنه يتذكر جيدًا كل ما حدث منذ ٥٠ عامًا، لأن الحرب كانت حدثًا كبيرًا ولا يمكن نسيانه، كما أنه شارك فى معاركها حتى قبل تخرجه فى الكلية الحربية فى عام ١٩٦٨.

وقال «فكرى»، فى حواره لبرنامج «الشاهد»، الذى يقدمه الإعلامى الدكتور محمد الباز، على فضائية «إكسترا نيوز»، إن التدريبات التى خاضها الجيش المصرى قبل حرب أكتوبر كانت أصعب من الحرب نفسها، خاصة خلال عمليات العبور الفردى التى تمت أثناء حرب الاستنزاف وبعدها، موضحًا أن عودة القوات الجوية من فوق قناة السويس بعد توجيه الضربة الأولى للعدو الإسرائيلى ألهبت حماس الجنود، وأطلقت صيحاتهم «الله أكبر»، لتبدأ الحرب التى أثبتت حقيقة المقاتل المصرى وتفوقه.

وتخرج العميد محمد فكرى فى الكلية الحربية عام ١٩٦٨، وشارك فى حرب الاستنزاف وكانت نقطته فى مدينة السويس، وتحديدًا فى منطقة حوض الدرس مع الفرقة ١٩ مشاة، وكانت فى هذا الوقت تتم المساعدة والمشاركة فى التجهيزات غرب القناة حتى اكتملت.

استطاع العبور فى حرب الاستنزاف واستطلاع إحدى النقاط القوية للعدو، وفى حرب ٦ أكتوبر كان موجودًا فى معركة جبل المُر، حيث كان قد صدر التكليف بالاستيلاء عليه، وبالفعل استطاعت قواتنا المصرية توجيه ضربات قوية للجانب الإسرائيلى والإيقاع بالعديد من الأسرى وتدمير دباباتهم.

■ رغم مرور ٥٠ عامًا على النصر ما زال أبطال الحرب يشعرون بأنهم فى جو المعركة.. ما تفسيرك؟

- حرب أكتوبر تجربة مررت بها ودائمًا كنت أسأل نفسى سؤالًا: لماذا أتذكر من ٥٠ عامًا أحداثًا كأننى أعيشها لحظة بلحظة حتى الآن؟، وأرى أن «دى حاجة بتاعة ربنا» وأن الحدث كان كبيرًا.

■ كيف بدأت رحلتك مع الحرب فى الكلية الحربية؟

- دخلت الكلية الحربية فى عام ١٩٦٦، والنكسة حدثت وأنا طالب، وكانت هناك ٣ دفعات موجودة بعد تخرج الدفعة التى ذهبت إلى سيناء فى أوائل النكسة، أى كان هناك إعدادى ومتوسط وأساسى، وكنت فى مرحلة الإعدادى.

وعندما حدثت النكسة أخذنا مهمة عمليات، وكانت أول تجربة وأنا طالب، واللواء محمود زكى عبداللطيف، مدير الكلية، جمعنا فى أرض الطابور وبدأ يقول لنا إن الكلية مكلفة بواجب عمليات.

وكنا مدربين على التعامل بالسلاح والذخيرة والتجهيز الهندسى، وتوجهنا إلى شرق القاهرة وحفرنا خطًا دفاعيًا كاملًا ونحن طلاب فى عام ١٩٦٧، لأن أبعاد المعركة لم تكن قد ظهرت، ولم نكن نعرف هل العدو سيعبر القناة فى اتجاه القاهرة أم لا، وهذا كان خطًا دفاعيًا عن شرق القاهرة.

وهيئة التدريس فى الكلية الحربية عملت كقادة أثناء تنفيذ العمليات التى كُلفت بها الكلية، ونحن كنا جنودًا، وحفرنا خطًا دفاعيًا كاملًا وخنادق، أى أننا شاركنا فى الحرب قبل التخرج ونفذنا مهمة عمليات مبكرة ونحن طلاب.

■ ماذا عن مرحلة ما بعد التخرج؟

- تخرجت فى الكلية الحربية عام ١٩٦٨، وعُينت قائد فصيلة فى حرب الاستنزاف فى اللواء الثانى من الفرقة ١٩ مشاة، ونفذنا مهمة عمليات ضخمة جدًا فى منطقة حوض الدرس، وهى منطقة حيوية جدًا فى نهاية قناة السويس وملتقى بورتوفيق، ومدخلها مهم بالنسبة لمدينة السويس، لأنها تسيطر على هذا المربع.

وكان أمامنا العدو يجهز هندسيًا للنقاط القوية، ومررنا بعدة مراحل، أولاها مرحلة الصمود، التى لا نشتبك فيها، وكنا أيضًا نجهز هندسيًا، واشتركنا كضباط وعساكر مع المهندسين العسكريين فى تجهيز المواقع، وبعد ذلك انتقلنا من مرحلة الصمود إلى مرحلة الردع عندما تم تسليحنا.

■ حدثنا عن الحالة النفسية لكم أثناء مرحلة الصمود.

- كنا شبابًا، ولم نكن نشعر بمعاناة، خاصة مع ضبط النفس أثناء مرحلة الصمود، فقد تخرجنا فى الكلية الحربية بعد أن أخذنا فرق صاعقة وتدربنا تدريبًا قويًا جدًا، وكنا نشترك فى مشاريع ضخمة للفرقة ١٩ مشاة فى برقاش، من أجل التدرب على العبور الكامل، وهذا أعطانا انطباعًا بأننا مهيئون لتنفيذ تلك المهمة.

وبعد مرور مرحلة الصمود وصلنا إلى مرحلة الردع والاشتباك مع العدو، وكنا نرى المعدات الإسرائيلية تمر أمامنا، وكنا نشتبك معهم ونحاول أن نُحدث خسائر لحرمانهم من مهمة التنفيذ الهندسى، وكنا نسجل كل التدمير الذى يحدث فى العدو ونرسله للقيادة الأعلى إلى أن يصل إلى هيئة العمليات، ليكون سجلًا للأحداث اليومية.

■ ماذا عن الأداء مع بدء حرب الاستنزاف؟

- مرت الأيام، وبدأنا تصعيد الاشتباكات، وبدأت المدفعية تعمل ضد العدو، وبدأ العمل بالأسلحة الصغيرة والرشاشات، وجاءت أوامر عام ٦٩ للتحول إلى مرحلة حرب الاستنزاف بعد الردع، أو ما يُسمى بالدفاع النشط.

وتم تكليفنا كضباط صغار من قادة الفصائل بعبور قناة السويس عبورًا فرديًا، وأن ننفذ مهمة ثم نعود، وأتذكر ذات يوم فى أثناء الليل والوقت مظلم تمامًا أن جاءت مجموعة بقارب مطاطى أوصلتنى للضفة الشرقية، وذهبت بتسليحى الشخصى، وكانوا يريدون من ذلك تدريب الضباط وتهيئتهم للمعركة، وذهبت وقتها واخترت موقعًا وبدأت أعمل تنفيذًا هندسيًا وأراقب طوال الليل، وطيران العدو كان مسيطرًا سيطرة كاملة فى عام ٦٩، لأنه لم تكن هناك أنظمة دفاع جوى.

وأثناء مرحلة العبور الفردى لقناة السويس فى عام ١٩٦٩ ابتكرنا فكرة «الحفرة البرميلية»، فلكل جندى وضابط حفرة برميلية ينفذها بنفسه وينزل داخلها، بحيث تكون على مقاسه تمامًا، فلو نزلت قنبلة من الطيران أو صاروخ فستنتشر الشظايا فوق سطح الأرض، ويظل الجندى تحت الأرض، إلا لو سقطت عليه مباشرة، وهذا لم يحدث والحمدلله.

وهذا التفكير والإبداع فى الدفاع عند الجنود المصريين هو ما نطلق عليه روح أكتوبر، أو روح حرب الاستنزاف التى نشأت بعد النكسة، لأنه كان هناك إصرار من جيل ما بعد ٦٧ على أن يحقق النصر وينتقم، لذلك كنا نبتدع أى شىء للتعامل مع الموقف، وهذا أفادنا كثيرًا بعد العبور فى عام ١٩٧٣، فكل من عبروا صنعوا الحفر البرميلية.

وقد حصلنا على نوط العبور، بعد العبور الفردى فى عام ١٩٦٩، فقوات الصاعقة كانت تعبر انتقامًا لاستشهاد الفريق عبدالمنعم رياض، وتنفذ عمليات وأحدثت خسائر لدى العدو، بأوامر من الرئيس جمال عبدالناصر وقتها.

وأذكر أننا تعرضنا لمشكلة فى موقع حوض الدرس، وقد كنا فى ملجأ عمليات تحت الأرض، وكنا نتدرب خارج الملجأ، وفوجئنا بالطيران حيث سمعنا صوته من بعيد، وبدأوا يصورون تجمعنا، والطيران اكتشفنا وضربنا ضربًا متواصلًا لمدة ٣ ساعات بالصواريخ والقنابل، وكنا مجموعة كبيرة تحت الأرض، حوالى ١٥ أو ٢٠ شخصًا، والملجأ سقط علينا نتيجة القذائف، لكن ربنا ستر، وكانت كل القذائف تسقط حولنا.

■ كيف كانت التدريبات تتم قبل حرب أكتوبر؟

- التدريبات قبل حرب أكتوبر كانت تستمر أيامًا طويلة، وكانت تتم عبر قوارب خشبية تسمى «ن- د ٥، ون- د ١٠»، والتدريب على العبور كان كالهجوم، وكنا نطور أعمال القتال، ونصل إلى ١٠٠ كيلو فى الصحراء، والتدريبات كانت أشق من العمليات فى حرب ١٩٧٣، لأننا تدربنا على كل شىء، وروحنا كانت عالية جدًا، فمن استشهد استشهد ومن عاش عاش، فلم نفكر فى الأمر.

وقبل حرب ٦ أكتوبر بدأت القيادة فى تنفيذ خطة الخداع الاستراتيجى، والرئيس جمال عبدالناصر، قبل رحيله، كان قد اتفق على خطة قواعد الصواريخ ووضعت فى أماكنها غرب القناة، وأحدثت خسائر كبيرة فى الجانب الإسرائيلى، وتعد أهم ما قام به عبدالناصر قبل وفاته.

والمرحلة السابقة للحرب كانت تتضمن تنفيذ خطة الخداع الاستراتيجى، التى لم يعلمها إلا القائدان المقربان من الرئيس السادات، وهما: وزير الدفاع ورئيس الأركان، وكنا نتلقى خطة سنوية للتدريب ونقوم بالتدريب عليها بشكل عادى، ويتم عمل مشاريع، مرتبطة بالعبور والاقتحام وتطوير أعمال قتال والتعامل مع العدو.

وتم تشكيل فرقة فصائل العاصفة من المشاة، وكانت مدربة على اقتحام النقاط القوية، فلم تكن الصاعقة فقط هى التى اقتحمت تلك النقاط، ويوجد كثيرون منهم استشهدوا فى عمليات اقتحام النقاط القوية، وكنا ننسق مع الصاعقة، لأن تلك القوات تسبقنا، لأنها تقطع الطريق على العدو حتى لا يقوم بمهام ضدنا، وكانت هناك تدريبات مختلفة، واستوعبنا معركة الأسلحة المشتركة، وكيف نتعاون معًا، وكان هناك تعاون مع المدفعية والقوات الجوية والدفاع الجوى، وتوجد مظلات يتم إسقاطها لحين وصول المشاة.

وتم تدريبنا على أنواع قتال جديدة لم تكن موجودة قبل ٦٧، ولو قورنت بالجيوش الأجنبية وقتها لكانت توازيها أو تتفوق عليها، وحرب ٧٣ كانت أعظم حرب حدثت بين جيشين مجهزين تجهيزًا قويًا من تسليح أمريكى وتسليح روسى، رغم أنه كان لديهم تفوق فى الأسلحة ولكن لم يكن لديهم المقاتل المصرى، وقد رأينا ذلك فى وقت الضغط عندما كانوا يصرخون منّا، وكل هذا مسجل فى الأفلام التسجيلية. 

■ هل استشعرت بقرب العبور قبل الحرب؟

- تمت ترقيتى برتبة نقيب فى عام ٧٢، ووقتها لم يكن أحد يعلم أن هناك حربًا، وكان الاتجاه العام يميل لليأس، وكانت هناك مطالبات بتسوية المشكلة سلميًا، وكان هناك قرار مُتخذ ضد مصر من الدول الكبرى بأن تسود حالة «لا حرب ولا سلم».

وكنا نعلم أن هناك حربًا ستحدث، ولكن متى وكيف فهذا لا نعرفه، فهناك أرض محتلة، إذن هناك معركة كما كان يقول الرئيس السادات، وفكرة الخداع الاستراتيجى خدمت الحرب، لأن الاتجاه العام مدنيًا وعسكريًا كان أن هذه الدولة لا توجد لديها نوايا حرب، وحتى المناورات التى كانت تتم من القاهرة إلى الجبهة كانت تعود مرة أخرى، حتى تعودت إسرائيل على أن هذا الأمر اعتيادى، وكانوا يستدعون الاحتياط وكان هذا يكلفهم ملايين الدولارات.

والمناورة التى تمت فى أكتوبر وصلت لإسرائيل بشكل مستتر، وقالوا إن هذا تكرار لما حدث من قبل، وإن مصر لا توجد لديها نية للحرب.

■ متى عرفتم بموعد الحرب؟

- قبل حرب أكتوبر قالوا لنا إن هناك مناورات، وقد انضممت للوحدات التى وصلت فى يوم ٤ أكتوبر، وكان يتبقى على الحرب يومان فقط، وجلست مع رئيس العمليات الرائد فخرى المسيرى، وبعض الضباط الذين استشهدوا فى الحرب، وتحدثنا حول هل هذه تدريبات أم حرب؟.

وقد سمعت تحليلًا من الرائد فخرى وهو يقول إن يوم السبت يوجد لدى اليهود عيد الغفران وتكون هناك إجازات، وكان يخمن أنها ستكون الحرب، وأناس آخرون كان يرون أنها مناورة، ويوم الخميس ذهبت لمدينة السادات وكانت عبارة عن مبانٍ وأطلال، وتوجهت للسنترال واتصلت بعائلتى وطلبت منهم الدعاء لنا فى صلاة الجمعة، ولكنهم أخذوا الكلام بشكل عام.

ويوم ٦ أكتوبر كانت الذخيرة جاهزة، وتوجد تعبئة عامة، والجميع اتخذ موقعه، وفى تمام الساعة العاشرة والنصف تسلمت مظروفًا من عمليات اللواء الثانى به ساعة الصفر لبدء الحرب، وكانت أول مرة أعرف فيها بموعد العبور، فجمعت الجنود وكنت مبتسمًا، وقلت لهم: «لقد جاء اليوم الذى كنا ننتظره وربنا هينصرنا، الحرب اليوم الساعة ٢.٢٠».

■ كيف تغلبتم على موانع القناة وخط بارليف؟

- خط بارليف عبارة عن ٣١ نقطة قوية على طول قناة السويس، والفواصل بينها من ٣٠٠ إلى ٥٠٠ متر، وتحتفظ باحتياطيات محلية من الدبابات قد تصل إلى فصيلة دبابات، ثم احتياطيات تكتيكية بسرية دبابات أو كتيبة دبابات، ثم الاحتياطيات التعبوية متمثلة فى لواءات مدرعة. 

وفى عملية اقتحام المانع المائى، فإن من يهاجم نقطة قوية، مثل فصائل الصاعقة أو العاصفة، يدخل مباشرة فى مهمته، لكن المتواجدين فى مناطق الفواصل كانوا يدخلون باتجاه رءوس الكبارى.

وكانت الصواريخ المضادة للدبابات «ماليوتكا» تعتبر المفاجأة التكتيكية فى حرب أكتوبر، وكانت لدينا أطقم مدربة عليها بحرفية، وإسرائيل كانت تنكر ذلك وتقول إنه لا يمكن أن نصل لهذه المرحلة الفنية الدقيقة، وأن نعبر ونستخدم صواريخ.

ووقتها، خراطيم المياه بدأت تهيل الساتر الترابى، وبدأ المهندسون فى إنزال وحدات الكبارى، وقد استغرق ذلك من ٦ إلى ٨ ساعات بعد عبور قناة السويس، وقد اعتمد سلاح المشاة على الصواريخ المضادة للدبابات «ماليوتكا» فى اصطياد الدبابات القادمة من على مسافات تصل من ٢ كيلو إلى ٢.٥ كيلو، لأن «الآر بى جى» الخاص بالجندى يتراوح مداه من ٣٠٠ إلى ٥٠٠ متر.

وحتى وصول المدرعات، بدأت الصواريخ تعاون المشاة، وحققت انتصارات ضخمة جدًا، ودمرت دبابات كثيرة جدًا، واشتعلت فيها النيران، وهربت الأطقم الخاصة بها، وبدأت النقاط القوية تتساقط.

■ ما تفاصيل معركة جبل المر فى يوم ٩ أكتوبر ١٩٧٣؟ 

- معركة جبل المر فى ٩ أكتوبر ١٩٧٣ كانت بناءً عن تكليف من قيادة الجيش، المتمثل فى الفريق عبدالمنعم واصل، وقائد الفرقة ١٩ يوسف عفيفى، الذى كان برتبة عميد أركان حرب وقتها، بأن يطور الهجوم باللواء الميكانيكى، وقائد اللواء واسمه الفاتح كُريم، رحمه الله، تسلم المهمة، وبدأ فى إجراء تنظيم سريع للمعركة، وإعطاء المهام.

وقبلها كنت متواجدًا ليلًا فى يوم ٨ أكتوبر، بجوار الفاتح كُريم، وجاء إليه ضابط من ضباط استطلاع الفرقة ١٩، وكانت الساعة حوالى ١٠ أو ١١ ليلًا، وقال له إنه استطلع منطقة جبل المر، والاتجاه لها من المحاور كذا وكذا، والنقطة عبارة عن مجموعة دبابات فيها مدفعية ١٥٥ مل، والتى كانت تضرب على منطقة الزيتيات وتسبب حرائق بالزيتيات ومدينة السويس، والمسافة تصل إلى ١٣.٥ كيلو.

وبالتالى أخذ الفاتح كُريم معلومات سريعة، وما لم يعرفه بشكل قوى هو اتجاه التقدم شرقًا، وكانت معلومة فى غاية الأهمية، لأن اتجاهات الجنزير كلها بدأت تغرز فى المناطق الرملية، وكان جبل المر يتحكم فى الرؤية على اتجاه الغرب، وكاشفًا لقناة السويس وما بعدها، وبالتالى فإن كل من يتقدم ناحيته بأعمال هجومية يكون مكشوفًا، وكانت مهمتنا هى الاستيلاء على جبل المر.

والجيش الثالث كان معروفًا فيه أن الفرقة ١٩ استولت على منطقة عيون موسى، التى تحتوى على ٦ مدافع رئيسية، وحررت الكثير من المناطق، بالإضافة إلى معركة «تبّة الشجرة» ومعركة «الطالية» ومعركة «القنطرة شرق»، وكل هذه المعارك كانت يوم ٨ أكتوبر ١٩٧٣. 

وكنا وقتها جاهزين للتطوير من بعد هذه المعارك، بعد أن مهدت لنا كل معارك ٨ أكتوبر الهجوم السريع، وكان هذا اليوم ملحمة خاصة لأن كل المعارك الرئيسية تمت فيه، وكنا نريد أن نستثمر نجاحاته فى يوم ٩ أكتوبر، وأن نأخذ جبل المُر الذى يعتبر هضبة عالية جدًا، ويطلق عليه هدف حيوى لأنه يتحكم فى الرؤية، كما أننا عانينا منه فى حرب الاستنزاف.

وبعد الهجوم بدأت القوات الجوية الإسرائيلية تتعامل بكثافة، بالإضافة إلى المدفعيات الـ١٥٥ مل، وخرجت الهليكوبتر المسلحة من وراء جبل المر لتضرب صواريخ على مركبات اللواء أثناء هجومه، ومن ثم تبدأ فى الانسحاب مرة أخرى على ارتفاعات منخفضة جدًا.

وبالتالى فإن حجم العدائيات التى رآها اللواء الثانى حتى يتحرك ويصل إلى جبل المر كانت رهيبة، وتسببت فى خسائر كبيرة جدًا فى المعدات البارزة، مما اضطر قائد اللواء نفسه لأن يمشى على قدميه ومعه جهاز اللاسلكى والأطقم الخاصة به، والمتمثلة فى رئيس عمليات اللواء وقائد مدفعية اللواء ورئيس الاستطلاع، وبدأوا يترجلون خلف تشكيل المعركة وخلف كتيبتى النسق الأول، لأن الكتيبة اليمنى كانت محاصرة، واليسرى كانت ناجحة لكن متعسرة.

ومن ثم اضطر القائد لأخذ قرار بأن يدخل بنفسه فى اتجاه الكتيبة الناجحة ويترك المحاصرة، ودخل فعلًا فى منطقة كثبان رملية، وأخذ معه أطقم صواريخ «ماليوتكا»، كدعم على اللواء، وكانت معركة جبل المر شاملة وألحقت خسائر بالعدو، وأسفرت عن مواجهة كبيرة، فى مدى يصل إلى ٧ أو ٨ كيلومترات، وارتفاع يصل إلى ٢٠ مترًا من الكثبان الرملية، وفى مناطق بها مراكز قيادة للعدو ودبابات ومدفعية، لكن اللواء الثانى نجح واحتل تلك المناطق كلها وحقق المعجزة، وهو يردد «الله أكبر»، وجعل الجانب الإسرائيلى ينسحب خوفًا وهلعًا.

■ كيف استقبل جنود أكتوبر الإعلان عن موعد بدء الحرب؟

- الفرحة عمت الجنود، ورفعوا السلاح للأعلى مكبرين، وبدأنا التحرك للعبور، وأخذنا مكاننا، وفى الساعة الـ٢ قامت القوات الجوية بضربتها، وكان عبورها على مستوى منخفض وقريب من الرأس، وكان الإحساس لا يوصف من الفرحة، لأن عبور القوات الجوية رفع معنويات الجنود جدًا، وأصبحت لديهم «يد طويلة» دخلت وضربت كل مراكز القيادة لدى العدو، وقامت بمهمتها كاملة، وعاد الطيران بعد أن حقق أكثر من ٩٠٪ من أهدافه، حتى إن الضربة الجوية الثانية تم إلغاؤها، وذلك لأن قائد القوات الجوية قال إنه لا حاجة لها.

وبعد دخول القوات الجوية كان هناك حماس، وربنا ألهمنا قوة لم نشعر بها من قبل، والمدفعية بدأت بالتمهيد النيرانى لمدة ٥٣ دقيقة على الجبهة، وكان التخطيط هو أن تضرب النقاط الأولى وبعدها العمق، حتى تمنع مدرعات العدو من القيام بمهامها، وتم اقتحام القناة، وكان سهلًا جدًا لأننا تدربنا على الإنزال بشكل كبير، وعبر عدد من الجنود بالقوارب فى الأنساق الأولى، ثم عبر القادة.