رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحمد فؤاد سليم: كنا مستعدين للحرب ولو بأيدينا فقط دون أى سلاح

أحمد فؤاد سليم مع
أحمد فؤاد سليم مع الدكتور محمد الباز

الفنان الكبير المشارك فى النصر وصف «الاستنزاف» بأنها أشد من «أكتوبر»

تدربنا على 3 مشروعات لتحرير سيناء قبل «73» ونفذنا العبور فى ترعة الإسماعيلية

تعلمت من الجيش الالتزام والترتيب والنظام وأن تصبح لى أهداف فى الحياة

ترويج إسرائيل أنها «لا تُقهر» وخط بارليف لا يمكن اختراقه «مفرقش معانا»

قائد وحدتى سافر فيتنام قبل المعركة وعاد بالكثير من الأسرار عن التسليح الإسرائيلى

رفعنا شعار «العين بالعين والسن بالسن» وكنا نرد على كل ضربة إسرائيلية فورًا

الفنان أحمد فؤاد سليم واحد ممن شاركوا فى ملحمة أكتوبر العظيمة، ذاق طعم الانتصار، ولا تزال فى ذاكرته قصص الأبطال وحكايات الشهداء، لم يقدم فقط العديد من الأدوار البارزة فى التليفزيون والمسرح والسينما، بل كان أحد أبطال هذه الحرب الخالدة.

التحق «سليم» بالقوات المسلحة المصرية عام ١٩٦٨، وكان ينتمى للفرقة الثامنة «دفاع جوى»، ولم يتركها سوى بعد الحرب بعام واحد، بعدما شارك فى جلب أعظم انتصار فى تاريخ مصر الحديث.

عن ذكرياته مع هذه الأيام المجيدة، وكيف كانت مشاركته فى حرب أكتوبر، دار حديثه مع الإعلامى الدكتور محمد الباز، فى برنامج «الشاهد» المذاع على قناة «إكسترا نيوز»، الذى تنشره «الدستور» فى السطور التالية.

■ ٥٠ سنة على أكتوبر وحضرتك جزء مهم من ذاكرة الحب.. فلنبدأ الحكاية من التحاقك بالقوات المسلحة.. ما الذى تتذكره عن هذه الفترة؟

- الالتحاق بالجيش فى هذا الوقت كان إرادة شعبية، الشعب المصرى كله كان يريد أن يحارب، بعد معاناة لفترة كبيرة بسبب «نكسة ٦٧» و«حالة اللا حرب واللا سلم»، فخرج الشباب الجامعى إلى الشوارع مطالبًا بالحرب، خاصة أن «المسألة كانت طولت».. صحيح أن الشعب صبور جدًا ولا يحب الحروب، لكن هذا الصبر نفد، ولم يكن هناك حل آخر سوى الحرب، لتبدأ ما أسميه «ملحمة»، ملحمة لتلاحم شعب مع جيشه.

دخلت الجيش بعد «نكسة ٦٧» بسنة واحدة، فى فترة «حرب الاستنزاف»، التى أرى من وجهة نظرى أنها كانت «أشد» من حرب أكتوبر ١٩٧٣، ونفذنا خلالها أكثر «مشروعات وسيناريوهات قتال»، كانت أصعب من الحرب نفسها.. الجيش بأكمله تدرب على ٣ مشاريع لتحرير سيناء، عبرنا فيها ترعة الإسماعيلية كبروفة على عبور السادس من أكتوبر.

بداية التحاقى بالجيش كانت فى سلاح «الدفاع الجوى»، كنت «مدفعجى» على مواسير «مدفع ٢٣ مم»، والذى كان يدور ٣٦٠ درجة، ويضرب ١٠٠٠ طلقة فى الدقيقة، وذلك حتى خرجت من الجيش عام ١٩٧٤، فى أول دفعة خرجت بعد انتهاء الحرب.

قبل التحاقى بالجيش ذهبت للتطوع فى «الدفاع الشعبى» كفدائيين راغبين فى تفجير أنفسنا من الغيظ بسبب «النكسة»، فقالوا لنا: «روحوا... هتيجوا الجيش قريب».

ولما دخلت الجيش بقيت أسبوعًا فى حالة استغراب، لكن تجربتى فى الجيش أفادتنى جدًا، حصل لى نقلة كبيرة فى حياتى، بعد أن كانت فيها درجة كبيرة من الحرية بحكم عملى كفنان قبل تجنيدى، لأتعلم بعدها من الجيش الالتزام والترتيب والنظام، وتصبح لدى أهداف فى الحياة.

■ بعد أن بدأت «مدفعجى».. كيف اكتملت رحلتك فى سلاح «الدفاع الجوى»؟ 

- حضرت الضربة الأولى لـ«الجزيرة الخضراء» فى السويس بعد التحاقى بمدة قصيرة، كان الأسطول المصرى يدور حول إفريقيا فى «رأس الرجاء الصالح» وسيقف فى سفاجا، فنقلونى من السويس إلى سفاجا للدفاع عن هذا الأسطول فى البحر الأحمر.

كنت «مدفعجى» وتحولت إلى غرف العمليات بعدما دخلت الصواريخ سلاح «الدفاع الجوى»، ولم يكن الاختيار عشوائيًا، وإنما يتم بشكل دقيق، وكان هذا إشارة إلى تحول عسكرى وثقافى، من حالة «ما قبل ٦٧» إلى حالة «سنحارب إسرائيل».

كانت إسرائيل تعتمد اعتمادًا كليًا على أمريكا، كما كانت تستخدم عنصر الدعاية بشكل كبير، من خلال الترويج لكونها «لا تقهر»، وأن «خط بارليف» لا يمكن اختراقه، لكن هذا لم يفرق معنا أو يقلل من عزيمتنا، وكانت هناك روح معنوية عالية، وكنا مستعدين للحرب ولو بأيدينا فقط دون سلاح.

بقيت فى سفاجا سنة، ثم انتقلت منها إلى «الفرقة الثامنة»، كأنى داخل تجنيد من أول وجديد، داخلين على تكنولوجيا وعلم وتخطيط، لدرجة أن قائد وحدتى الذى حارب فى ١٩٧٣ سافر إلى فيتنام ليتعرف على التسليح الإسرائيلى، لأنه تسليح أمريكى، ظل أسبوعين هناك، ثم عاد بأسرار استفدنا منها فى حربى «الاستنزاف» و«أكتوبر».

كنت فى غرفة العمليات أثناء «حرب الاستنزاف»، وكان الرئيس الراحل محمد أنور السادات قد قال وقتها: «العين بالعين والسن بالسن والبادى أظلم»، وأتذكر أنه كانت هناك طائرة استطلاع مصرية من نوع «ميج» هبطت هبوطًا اضطراريًا فى مطار الإسماعيلية بعد استهدافها، فعلى الفور استهدفنا طائرة إسرائيلية.. «واحدة بواحدة».

ضربنا طائرة استطلاع إسرائيلية من طراز «ستارتر كروزر»، على متنها ٨ خبراء، وتستطيع تصوير كل شىء على الجبهة، لدرجة أنه يمكنها تصوير القلم فى الزى العسكرى، باستخدام الأشعة تحت الحمراء.

كانت هذه الطائرة تخرج فوق بورسعيد الساعة الواحدة والنصف كل يوم ثلاثاء، تأخذ خط القناة حتى الخليج ثم تعود، وكانت تحلّق على ارتفاع ١٦ كم، فكنا ننفذ ما يسمى بـ«إطلاق إلكترونى»، والذى كنا نتعامل فيه مع الطائرة وكأننا فى إطلاق حقيقى. وفى مرة أمرت القيادة بضرب الطائرة، فتم ضربها وإسقاطها فوق منطقة «فايد» بالإسماعيلية، على يد المقدم محمد درويش، الذى كان من أكفأ ضاربى الصواريخ فى مصر وقت الحرب.

وكانت صدمة إسرائيل كبيرة بعد ضرب هذه الطائرة، وقالوا إن مصر لديها أجهزة حديثة، وتم أسر ٢ من الخبراء داخل الطائرة، وأرسل لهم الرئيس السادات مراكب فى قناة السويس بمصابيح إنارة للبحث عن بقايا الطائرة.

وبعدها استهدفت إسرائيل الضابط محمد درويش على الجبهة، أثناء تحركه بسيارة رباعية الدفع، واستمر بداخل هذه السيارة بعد انقلابها لمدة ١٢ ساعة، حتى اكتشف العساكر مكانه، وتم نقله إلى مستشفى السويس، ثم أمر الرئيس السادات بسفره إلى لندن، حيث عولج وخضع لجراحة فى الأعصاب، ثم عاد إلى الخدمة مرة أخرى. وصحيح أنه حصلت ملحمة من قبل «حائط الصواريخ»، لكن قبل دخول الصواريخ، فى فترة «حرب الاستنزاف»، كانت بالفعل «العين بالعين»، يضربوننا بالدبابات والمدفعية، يكتسحون الجبهة، فتدخل الصاعقة المصرية وتعبر قناة السويس، وتنفذ عمليات خلف خطوط العدو، وتحضر أسرى إسرائيليين، كان من بينهم عساف ياجورى، قائد سلاح الدبابات الإسرائيلى، الذى أسرته كتيبة مجاورة لنا.

■ ذكرت «حائط الصواريخ».. ما الذى يمكنك أن تحكيه لنا عنه؟ 

- قبل بناء «حائط الصواريخ» كان يُقتل عدد كبير بسبب عدم وجود غطاء جوى يحميهم من الطيران الإسرائيلى، كما أن المدفعية المصرية كانت من الحرب العالمية الثانية، فانتقلت خلال هذه الفترة من تلك التكنولوجيا القديمة إلى التكنولوجيا الحديثة، لذا كان دخول خريجى الجامعات فى هذا الوقت مهمًا جدًا، من أجل القدرة على استخدام هذه التكنولوجيا، والتجهيز للحرب بشكل علمى، فقد كنا مُصرين على أخذ الثأر، لكن لم يخطر فى بالنا أننا سنحارب فى يوم من الأيام.

■ ألم تكن هناك إشارات واضحة للحرب؟ 

- كان هناك «احتشاد شعبى» وراء الحرب، محمد حسنين هيكل يكتب مقاله المعروف كل جمعة، والكل عارف إحنا رايحين فين، لحظة حرب ١٩٧٣ كانت اللحظة الحاسمة والمحسوبة منذ تولى الرئيس السادات.

■ كيف كانت الأيام الأولى قبل معركة حرب أكتوبر؟

- قبل المعركة بأيام، جرى «تسريح» ٣ دفعات «رديف» منذ أيام حرب اليمن، فى إطار خطة التمويه العسكرى ضمن التخطيط الاستراتيجى للمعركة المرتقبة، عبر الإيحاء للجميع بأن المصريين لن يحاربوا، وهو ما استمر إلى آخر لحظة قبل العبور.

ونجحت هذه الخطة جدًا، لدرجة أن عددًا من الأسرى المصريين الذين كانوا بحوزة إسرائيل منذ «نكسة ٦٧»، حكوا بعد رجوعهم فى أعقاب «نصر ٧٣»، كيف كانت دهشة الإسرائيليين عندما اندلعت الحرب، وحديثهم عن حماس وقوة وشجاعة المقاتل المصرى والصاعقة والطيران.

خطة التمويه والخداع حتى يوم ٦ أكتوبر ١٩٧٣ كانت «مقلبًا فى إسرائيل» بمعنى الكلمة، لدرجة أنه فى هذا اليوم كنا نلعب كرة على خط القناة، وكان كل شىء سريًا جدًا بين غرف العمليات، والحرب مرتبة بشكل دقيق جدًا، والتعليمات تأتى لنا فى أظرف محكمة الغلق بأختام، وهناك مواعيد معينة لفتحها.

■ ما تفاصيل الرؤيا التى جاءتك فى نومك قبل حرب أكتوبر؟

- مع كل الأحداث التى نراها بشكل لحظى قبيل حرب أكتوبر ٧٣، وكان من بينها استدعاء ضباط «رديف» فى شهر رمضان، قبل أيام قليلة من الحرب، رأيت رؤيا حول المعركة المنتظرة.

رأيت أننى أستقل دراجة وسط مزارع، وأصوات أجراس الكنائس وأذان الجوامع حولى، وكان هناك أشخاص يصلون فى هذه الأرض الزراعية، فذهبت للوضوء وأداء الصلاة معهم، ورأيت قسيسًا لا يرتدى القبعة الخاصة به، فبادر إلى الوضوء ثم الصلاة بجانبى، فكنت فى ذهول شديد، حتى استيقظت من النوم.

كان معنا فى الفرقة الثامنة شيخ اسمه «سالم»، كان رجلًا فى غاية الطيبة، فما أن أخبرته بهذه الرؤيا، نظر إلىّ بدهشة، وامتلأت عيناه بالدموع، وسألنى إن كنت أصلى حينها فى القدس أم لا، مؤكدًا لى أن هذه الرؤيا بشرة خير، وحلمت بها كى يطمئن قلوب الجنود، وسط حالة التوتر التى يعيشها الجميع، وبالفعل بعد أسبوع واحد فقط، انتصرنا فى حرب أكتوبر ٧٣.

■ وماذا عن قصة الجندى الشهيد سيد راشد؟

- كان معنا فى الجيش المصرى أيام حرب أكتوبر ٧٣ زميل يُدعى سيد راشد من محافظة الإسكندرية، عُين فى مضارب الأرز بالإسكندرية بعد خروجه من الجيش قبل الحرب، وعند استدعائه مرة أخرى إلى الجيش، ترك زوجته خلفه، لاعتقاده أنه سيعود بعد أسبوع أو ١٠ أيام.

لكن مع طول فترة بقائه واقتراب الحرب، طلب «سيد» العودة لأخذ زوجته من الإسكندرية إلى قريته فى المنوفية، طلب منى كثيرًا النزول لتنفيذ ذلك، وكان هذا وقتها يعتبر هروبًا من الميدان، ومع ضغطه المتواصل علىّ استسلمت لطلبه وسمحت له بالنزول.

القائد حسن يوسف علم بالأمر، وكان من الظواهر الجميلة حالة الحب بين القائد وعساكره، فقال لى إذا لم يأتِ سيد راشد فى العاشرة صباحًا ضع نفسك فى السجن، رغم الصداقة الشديدة التى كانت بيننا.

«النوبتجية» الخاصة بى كانت بالليل، وكنا نعمل ١٢ ساعة ونستريح ٢٤ ساعة، وصباح يوم السبت ٦ أكتوبر، وكنت قد سلمت «النوبتجية»، جاءنى عساكر جريًا وقالوا لى: «اجمع الطقم بتاعك وانزل غرفة العمليات تانى؟»، قلت: «أكيد موضوع سيد راشد.. هتشد فيه وأتبهدل»، لكن كان الموضوع إنه «الآن» تبدأ حرب أكتوبر.

قلت لأحد العساكر: «اجرى يا بنى على الطريق بره شوفولى سيد راشد قبل ما أنزل إلى غرفة العمليات»، فوجدت القائد حسن يوسف يجذبنى من ذراعى ويقول لى: «الواد بتاعك رجع ولا لسه؟»، قلتله: «يا فندم العساكر بره على الطريق هيجيبوه وييجى دلوقتى».

وكان هؤلاء العساكر وقتها هم «رديف»، ولم تكن لديهم خبرات ولا علم بالتقدم والتكنولوجيا الحديثة، وكان مطلوبًا وظيفة ومهمة من كل واحد فيهم، ومن بين هذه المهام أخذ أجهزة تشويش وخيمة «هايك» صغيرة، ثم حفر حفرة على قناة السويس والنزول بها لـ«الشوشرة» على طيران العدو، لكى لا يضرب قواتنا أثناء العبور.

ورغم أن عساكر «الرديف» هؤلاء لم تكن عندهم الخبرة ولا العلم، وكانوا «بييجوا يتفسحوا الـ١٥ يوم استدعاء»، ضمن أيضًا خطة الخداع الاستراتيجى، كانت دفعتهم هذه المرة بالتزامن مع الحرب، فتم استخدامهم فى مهمة التشويش سالفة الذكر. على الساعة ١١ وجدت سيد راشد قادمًا، فقلت له: «اجرى يا سيد خد المخلة، وخد المعدات بتاعتك واطلع على مكان فى خط القناة، واحتل هناك واعمل الشغل بتاعك»، لأفاجأ باستشهاده فى نفس اليوم مساءً، والمفارقة أن قصته لم تنتهِ بعد.

■ ماذا حدث بعد ذلك؟

- الحرب كانت مدهشة، فى اليوم الأول أسقطنا عددًا كبيرًا من طائرات «الفانتوم»، وكان سرب الطيران عبارة عن طيارة «فانتوم» و٣ «سكاى هوك»، و«الفانتوم» هذه فيها كل التكنولوجيا، وهى المسئولة عن «الشوشرة»، وتقود السرب بالكامل، لذا كان الاستهداف الأكبر والأوامر كلها ضرب طائرات «الفانتوم»، لأن ذلك يكشف سرب الطيارات كله.

هناك نوعان من «الشوشرة»، إيجابى وسلبى، الإيجابى لما تكون طيارة واحدة ماشية فى الجو، يديك على الشاشة بتاعتك ٥٠ طيارة، والطيارة الحقيقية فى وسط الـ٥٠ متعرفهاش. أما الشوشرة السلبية فكانت أنه يبيضلك الشاشة بتاعتك متشوفش خالص، فلما بتضرب الطيارة «الفانتوم» بتتكشف الحقيقة، ويظهر عدد الطيارات الحقيقية، وترى كل شىء.

كمية الطائرات التى وقعت يوم ٦ أكتوبر كانت مدهشة للكل، حتى نحن، و«حرب ٧٣» ككل كانت نقطة مفصلية وعلمية فى حياتنا، مش عايزين نظلم اللى سبقوها، وكل واحد اجتهد على قد إمكاناته، لكن هذه الحرب اعتمدنا فيها بشكل كامل على التكنولوجيا لأول مرة.

■ نعود إلى سيد راشد.. ما المفارقة التى تحدثت عنها؟

- بعد ٣ أشهر من استشهاد سيد راشد، كانت إدارة التوجيه المعنوى ترسل خطابات للأهالى من أجل طمأنتهم، حتى تكون الجبهة الداخلية بلا أى قلق، وبعد انتهاء الحرب وتحديدًا عام ١٩٧٤، وكنت أستعد للخروج من الجيش وتسليم عهدتى، وجدت مجندًا يسأل عن سيد راشد.

كان هذا المجند هو شقيق زوجة «سيد»، وجاء ليخبره بأن زوجته حامل فى الشهر الثالت أو الرابع، بعد سنوات من عدم الإنجاب.. ربنا بياخد من ناحية ويعطى من ناحية تانية، ولما يموت شهيد بيتولد ١٠ شهداء، ربنا بيقطع ويوصل فى نفس الوقت، ويعطينا عظة وأملًا فى الحياة، إن نسل سيد راشد لم يُقطع وسيرته لم تنتهِ.

■ هل تم توثيق حرب أكتوبر فنيًا كما ينبغى؟

- للأسف الشديد لم نعط الحرب حقها حتى الآن، رغم أنه على مستوى الفصيل الواحد، هناك الكثير من الحكايات، لذا من الضرورى الإفراج عن هذه الحكايات والوثائق الآن، بعد مرور ٥٠ عامًا على الحرب.

هذا من الضرورى جدًا فى ظل التطور التكنولوجى الكبير الذى نعيشه، والذى أثر فى الكثير من مناحى الحياة، حتى إن الطفل أصبح يمسك الهاتف طوال الـ٢٤ ساعة، لكن هذا الطفل حين يرى قصة حقيقية أمامه، سيختارها بديلًا عن أى شىء آخر معروض بواسطة هذه التكنولوجيا، لكن للأسف «إحنا سايبينهم»، وهذا يسحب من رصيد هويتنا، لذا لا بد من توثيق هذه الحكايات، كى نقول رسالة مهمة هى «أننا مش بتوع حرب، لكن إذا اضطررنا ليها هنخوضها بكل شجاعة».

وصحيح أن التأليف والورق مهم جدًا، لكن مهمًا أن يكون هناك مؤلف عاش الحكاية بشكل واقعى، سواء بنفسه أو تم حكيها له من مقاتل شارك فى الحرب، ومن هنا نستطيع تقديم حكايات مدهشة.

كان المقاتل المصرى فى ظروف صعبة، وسلاحه لا يكافئ سلاح العدو، وتعرض لضغوط كثيرة، لكنه خاض حربًا خالدة.. فما تفسيرك لذلك؟

- حرب أكتوبر ٧٣ كانت صعبة للغاية، كنا أمام إمكانات حديثة جدًا، ونحن لم نحظ وقتها إلا ببعض التكنولوجيا المحدودة للغاية من قبل الاتحاد السوفيتى فى ذلك الحين، وكانت القوى الكبرى فى العالم حينئذ تحجم مصر بشكل مباشر.

سأحكى واقعة تفسر ذلك، فى يوم واقعة الطائرة «ستارتر كروزر»، الروس كانوا موجودين، وكان وقت الغداء الساعة واحدة والنصف، فقدمنا وقت الغداء، حتى لا يكون الروس موجودين وقت استهداف الطائرة، لو كانوا موجودين لطلبوا عدم استهدافها.

والرئيس أنور السادات عندما أراد أن يحارب فى ١٩٧٣ جعل الروس يغادرون، لأن القرار كان لا بد أن يكون مصريًا، ولا أحد يملى علينا ما نفعله وما لا نفعله، الروس كانوا مستفيدين من حالة «اللا سلم واللا حرب».. وقتها روسيا وأمريكا «كانوا عاملين حساب لبعض».

والمقاتل المصرى معادل للمواطن المصرى صاحب تاريخ وحضارة الـ٧ آلاف سنة، يدّعون أن الأهرامات بناها كائنات من المريخ، لكن الذى بناها مصرى، والذى يقول المواويل مصرى، والذى يكتب الشعر مصرى، والذى يكتب الحكاية مصرى، والذى حارب وانتصر مصرى.

الهوية المصرية ليس لها مثيل، ولذا يتعمد العدو دائمًا أن يضعف هذه الهوية؛ لأنها نقطة قوتنا الأساسية، انتماؤنا للوطن بيتنا، لذا عندما أدلى بصوتى فى الانتخابات مسئولية، أعرف من عمل لمصلحتى واجتهد وبنى وأعطيه صوتى.