رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حتى لا تتكرر مأساة فايلر وموسيمانى.. كيف نمنح كولر تقييمًا عادلًا؟

كولر
كولر

لمجرد خسارته مباراة ووداع بطولة مستحدثة لم يكن الأهلى يريد المشاركة فيها من الأساس، «قامت الدنيا» ضد السويسرى مارسيل كولر، المدير الفنى لـ«المارد الأحمر»، ولم «تقعد» بعد.

قبل أسبوع من الآن، كان «كولر» فى مخيلة الرأى العام الأهلاوى الرجل الخارق الذى جاء ينافس مانويل جوزيه على كتابة الجزء الأفضل فى تاريخ فريق «القلعة الحمراء». 

لكن بعد أمسية سلبية وتعادل مخيب مع صن داونز على استاد القاهرة، تحول «العبقرى السويسرى» إلى «مدرب ملوش فيها»، لدى قطاع ليس بالقليل من جمهور الأهلى، و«مدرب محل شك» لدى القطاع الأكبر.

تحول متطرف اعتدناه فى الثقافة المصرية، خاصة فى عالم كرة القدم الذى تحكمه «السوشيال ميديا»، فإما أن تكون هناك أقصى اليمين ملك الملوك وقائد ثورات الإبداع، أو تنتقل إلى الجهة الأخرى، فى قاع قيعان الفشلة.

 

الضغوط أجبرته على التحول إلى اللعب الاستهلاكى

فر رينيه فايلر هاربًا من «القلعة الحمراء»، بعدما قال جملته الشهيرة: «إذا كنتم تريدون الفوز دائمًا، فهذا قد يكون متاحًا فى البلاى ستيشن». وتحت ضغط كبير، اضطر بيتسو موسيمانى إلى الاعتذار، رافعًا راية الاستسلام: «لم أعد قادرًا».

نحن هنا لسنا محل دفاع عن «فايلر»، ولم نتفق مع سياسات «موسيمانى» وفلسفته الخططية، بل كانت وما زالت مساحات الصدام أكبر من التوافق. كما لا نريد وضع «شماعات» لتبرير موقف «كولر».

ما نريده هو البحث عن معايير عادلة لتقييم الأمور، بصورة يحكمها المنطق، وتغلب عليها لغة العقل، بدلًا من الصورة التى تصنعها غالبية استديوهات التحليل، التى تتسارع فيما بينها لاقتصاص «حالات» من أجل إثبات كيف كان السويسرى مخطئًا ومسئولًا عن الخسارة.. تلك الصورة المجتزئة التى لا تنظر إلى ما قبلها، ولا حولها، ولا ترى فى الأفق ما بعدها.

اتفقت كل الرؤى على أن «صن داونز فريق مرعب يلعب كرة قدم عصرية»، وهنا أضم صوتى إليهم وأتفق معهم، لكن علينا أن ندرك أيضًا كم من الوقت استغرق الفريق الجنوب إفريقى كى يصل إلى هذا الشكل، وكم بطولة خسرها فى سبيل أن يصل إلى هذا المستوى، وهل جمهور الأهلى يتحمل تلك الكلفة؟

إن الجواب المختصر عن كل هذه التساؤلات قد تجده فى التحول الذى جرى فى مسيرة «كولر»، من «خماسية صن داونز» فى الموسم الماضى إلى خسارته الأخيرة، وما بينهما من أرقام وبطولات وتغيير كلى فى الشكل الخططى والفلسفة.

«كولر» الذى جاء مؤمنًا بلعب «الكرة الشاملة»، وتشبع بالأفكار الهجومية، فى بداية رحلته مع الأهلى، تعرض لصدمات فى البداية، بعضها متعلق بقدرات اللاعبين وفهمهم لكرة القدم، والأخرى كان على أرض الميدان، حين سقط بخماسية أمام صن داونز.

بعدها ماذا جرى؟

قال «كولر»: «لقد فهمت الدرس، الآن استوعبت الكرة الإفريقية، وكيفية التعامل معها»

وماذا بعد هذا الجواب؟

تخلى الرجل عن أفكاره التى آمن بها، وآمن بشىء واحد فقط: «كيف أجد الطريق إلى الفوز؟».

كانت قوة الأهلى فى بطولاته الأخيرة مع «كولر» خاصة القارية، قائمة على التحولات واستغلال المساحات، وإجادة لعب الكرات الثابتة. لم يتعلق الأمر أبدًا بـ«كرة القدم الشاملة»، والاستحواذ الكامل، وحصار المنافس فى مناطقه، ولم تكن كرة القدم التى قدمها وهو يجنى كل هذه البطولات تلك التى تستمتع بها، بل كانت «براجماتية»، هدفها الفوز والتتويج بالبطولات.

ظل «كولر» يؤمن أكثر فأكثر بأن هذا هو الشىء الذى يُعجب الأهلاوية، وأنه الطريق الأمثل نحو الألقاب، لكنه ضل الطريق إلى الغاية وهو يبالغ فى استخدام الوسيلة، والتى هى بطبيعة الحال ليست ضمانة للوصول فى كل مرة.

حدث هذا بالتحديد فى «بريتوريا»، حينما لعب «بطل إفريقيا» أسوأ مباراة هجومية يمكن أن تراها، لحساب كرة قدم مستضعفة لا تتضمن حتى أى تصور للتحول الهجومى، ولا تليق سوى بفرق القاع، والأسماء الصغيرة... أقل فريق فى جنوب إفريقيا لن يواجه صن داونز فى البطولة المحلية بهذا الأسلوب.

فشل ذريع للإدارة فى ملف المهاجم.. وترك حمدى وشريف «خطيئة»

هذا فيما يتعلق بالصورة العامة للسقوط الذى كان يجب أن يأتى عاجلًا أم عاجلًا... أما فيما يتعلق بالمباراة الأخيرة بالتحديد، فحولها من المعطيات ما يجعل الهزيمة منطقية.

على سبيل المثال نحن فى بداية موسم خسر فيه الأهلى أهم ورقة يباغت بها ويجد بها الحلول الهجومية، وهو حمدى فتحى، صحيح وصل إمام عاشور لتعويضه، لكن ثمة اختلافات بينهما، كما أن الأخير تعرض للإصابة، ولم يشارك فى الذهاب، فظل الأهلى خاسرًا لأهم حلقة يفك بها «كولر» التكتلات.

أضف إلى ذلك «الأزمة الأم»، الأهلى يهدر فرصًا بالجملة أمام سيمبا وصن داونز بفعل غياب المهاجم، ومع التكتل اضطر «كولر» للعب بمهاجمين صريحين، هما صلاح محسن وأنتونى موديست، وهنا عليك أن تحزن على حال الأهلى، حين يكون مهاجماه «محسن» و«موديست».

كان رحيل محمد شريف «خطيئة»، هداف الفريق فى السنوات الأخيرة، الذى جلس بديلًا ولم تتوقف أرقامه وظل صاحب المعدل التهديفى الأفضل، وسواء كان «كولر» سبب رحيله، وهذا غير حقيقى، أو إدارة «القلعة الحمراء»، فإنه خطأ جسيم ما كان يجب أن يحدث، خاصة مع فشل الأهلى فى ضم مهاجم قوى بمواصفات «سوبر»، فى خيبة أمل كبيرة أعاقت «كولر»، فى كل مرة، عن إيجاد الحل الأسهل والأبسط.

«كولر» ليس فقيرًا فنيًا، بل من أكثر المديرين الفنيين الذين مروا على مصر ثراءً من الناحية الفنية، لكن حتى بيب جوارديولا نفسه ظل يجرب عشرات الأفكار، حتى عاد يؤمن بأن الحل الأمثل هو إيرلنج هالاند، مهاجم العمق القوى الهداف، الذى يسرق الأهداف ويعرف أين يجدها وكيف يخطفها، فلماذا الإصرار على «أهلى بلا مهاجم»؟!

أيضًا على جانب الملعب أكرم توفيق، ومهما كانت براعته وبطولته، فهو يدافع فقط، وأمام فريق متكتل أنت بحاجة إلى ظهير يقدم الدعم الهجومى، وفى مقابله على معلول، الذى لم يعد كما كان، بفعل السن... كل هذه نواقص واضحة، وجب علاجها.

صحيح أخطأ «كولر» فى التبديلات، وصحيح بالغ فى الدفاع خلال مباراة الذهاب، لكن هناك مسببات أكبر منه، لذا يجب ألا يكون الضحية، كما العادة خلال الفترة الأخيرة.

والأصح أن الأهلى لم يسقط بعد، وخسارته عادية وواردة أمام فريق قوى للغاية يلعب بشكل خططى محكم، ويضم لاعبين ذوى جودة عالية، وهذه هى كرة القدم لا بد أن ترتكب الأخطاء حتى يستغلها الآخر، والأخطاء فى هذه الحالة كانت خارج الملعب أكبر من الملعب، ومن قرارات «كولر».