رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفرص الواعدة.. "الدستور" تكشف خطة تعميق المنتج المحلى وتنمية المناطق الصناعية

المنتج المحلى وتنمية
المنتج المحلى وتنمية المناطق الصناعية

على مدار السنوات الماضية، عملت الدولة بدأب على تحقيق هدفها الرئيسى، وهو تعميق الصناعة المحلية، ووضعت من أجل ذلك عددًا من الخطط والبرامج، وأثمرت جهودها عن النجاح فى التعميق المحلى لـ١٠ صناعات هامة.

كما أعد نخبة من خبراء معهد التخطيط القومى، الذراع البحثية لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، التصور العام لمشروع تعميق التصنيع المحلى، بالشراكة مع ٤٦ باحثًا من المعهد وخارجه، ونحو ١٤٠ من أهل الصناعة والبحث العلمى، ومسئولين ووزراء حاليين وسابقين.

«الدستور» تستعرض، خلال السطور التالية، الخطوات والمنجزات التى حققتها الدولة فى هذا الإطار.

زيادة النمو الصناعى لـ8% وتوفير 3 ملايين فرصة عمل

تشمل مستهدفات البرنامج الوطنى للإصلاحات الهيكلية زيادة معدل النمو الصناعى ليصل إلى ٨٪، ورفع نسبة مساهمة الناتج الصناعى من ١٨٪ إلى ٢١٪ فى الناتج المحلى، وزيادة معدل نمو صادرات السلع الصناعية من جملة الصادرات بمعدل لا يقل عن ١٥٪ سنويًا، وتوفير ٣ ملايين فرصة عمل لائقة ومنتجة، وزيادة معدلات التوظيف فى المشروعات الصغيرة والمتوسطة من ٥١٪ إلى ٦١.٥٪.

ويتضمن البرنامج عدة محاور تخص التنمية الصناعية، وتستهدف إعادة توزيع الخريطة الصناعية لمصر، وإنشاء الصناعات وتوطينها فى المدن الجديدة، وكذلك الاستفادة من إمكانات المناطق الواعدة بجنوب الصعيد والوادى الجديد والساحل الشمالى الغربى وسيناء، لتحقيق الانتشار الجغرافى المتوازن والتقليل من الفجوات التنموية بين الأقاليم والمحافظات.

وفى المحافظات التى بها تنوع اقتصادى كالجيزة، والإسكندرية، والقاهرة، والقليوبية، والشرقية ودمياط، من المستهدف العمل على تعميق الصناعة، وتعزيز سلاسل القيمة بها، أما بالنسبة للمحافظات التى بها تعقد اقتصادى، مثل بنى سويف، والدقهلية، والإسماعيلية، والمنوفية، يتم تنويع القاعدة الصناعية الملائمة لطبيعة المحافظة، وزيادة تنوع الإنتاج وتشجيع الإنتاج فى قطاعات اقتصادية جديدة.

وفيما يخص المحافظات التى تحتاج لتنمية شاملة، مثل أسيوط، والمنيا، والفيوم، والسويس، والبحيرة، وكفرالشيخ، وبورسعيد، وقنا، وسوهاج، والأقصر، والوادى الجديد، ومطروح، وشمال وجنوب سيناء، والبحر الأحمر، والغربية وأسوان، سيتم العمل على تنشيط الاقتصاد بتنمية البنية التحتية وتنمية رأس المال البشرى، والتركيز على الصناعات التى تتوافق مع طبيعة هذه المحافظات وإمكاناتها.

500 شركة لتصنيع السيارات.. إنتاج رادار مصرى 100%.. وإنشاء أكبر مصنع غزل فى العالم 

لم تبدأ مصر من الصفر فى مجال تعميق صناعاتها، بل لديها خبرات سابقة ناجحة فى تعميق بعض صناعاتها بدرجة أو بأخرى، ما يدعو إلى الثقة فى قدراتها على مواصلة السير فى طريق تعميق الكثير من صناعاتها.

ومن أبرزها الصناعات الإلكترونية، صناعة السيارات، وصناعة الأجهزة الطبية، والصناعات الثقيلة والصناعات المعدنية، وصناعة الآلات والمعدات وخطوط الإنتاج وقطع الغيار، والصناعات الكيماوية والبتروكيماوية، وصناعة الأجهزة المنزلية، والصناعات الدوائية، وصناعات الغزل والنسيج والملابس الجاهزة، والصناعات الغذائية.

فى مقدمة تلك التجارب الناجحة، تأتى الصناعات الإلكترونية، حيث تعاونت شركة بنها للصناعات الإلكترونية «مصنع ١٤٤ الحربى» مع مركز البحوث والتنمية والتطوير بالدفاع الجوى، ومركز بحوث الإلكترونيات بجامعة القاهرة فى تصنيع جهاز رادار، كما أنتجت هذه الشركة رادارًا مصريًا- من الألف إلى الياء- ذا تردد عالٍ، كذلك شاركت الشركة فى سلاسل القيمة على المستوى المحلى مع شركات خاصة فى تصنيع عدادات ذكية لصالح وزارة الكهرباء والطاقة.

كما أحرزت مصر نجاحًا فى مجال صناعة السيارات محليًا فى عام ٢٠١٨/٢٠١٩، حيث بلغ عدد الشركات والمصانع المغذية لصناعة السيارات ٥٠٠ شركة، تخدم ١٦ مصنعًا لتجميع السيارات، ويقدر عدد المصانع المنتجة، بصورة مباشرة، المكونات بنحو ٨٠ مصنعًا.

ويشتغل باقى الشركات على توريد مكونات مستوردة لمصانع التجميع، ومن أبرز منتجات الشركات المغذية، وحدات التخلص من عادم الاحتراق، ووحدات تكييف الهواء ووحدات التبريد، ويصدر نحو ٦٠ من الشركات والمصانع المغذية منتجاتها للأسواق الخارجية بنسبة ٨٠٪ لدول أوروبية و١٨٪ لدول عربية، و٢٪ لدول آسيوية.

كما امتدت قصص النجاح إلى صناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة، ومع الإنجازات الكبيرة المتحققة فى هذا المجال ثمة محاولة لزيادة إنتاج الغزل، من خلال تطوير شركات القطاع العام بالإحلال والتجديد والدمج، وتم الإعلان عن إنشاء ما وصف بأنه أكبر مصنع غزل ونسيج فى العالم فى المحلة الكبرى.

توسع فى صناعات المعادن والإلكترونيات والأدوية 

جرى التوافق على قائمة أولية للصناعات المرشحة للتعميق، على أن تخضع هذه القائمة للتدقيق والتطوير والترتيب على سلم أولويات، وتضم القائمة الأولية الصناعات العشر التالية:

الصناعات المعدنية «منها المعدنية الأساسية كالحديد والصلب ومنتجات معدنية وآلات ومعدات وقطع غيار»، و«الصناعات الكيماوية ومنتجاتها الأسمدة والمبيدات والورق ومواد البناء والدهانات والأحماض والأملاح»، و«الصناعات البتروكيماوية ومن منتجاتها البترولية المكررة والغاز الطبيعى والمطاط والبلاستيك والألياف والخيوط الصناعية»، والصناعات الهندسية، ومن منتجاتها الأجهزة المنزلية والسيارات والآلات والمعدات، وغيرها من المنتجات التى تستخدم فى القطاعات الإنتاجية.

وهناك الصناعات الإلكترونية، ومن منتجاتها الكمبيوتر والحاسبات المحمولة واللوحية وألواح الطاقة الشمسية، والصناعات الصيدلانية أو الدوائية، وصناعة الأجهزة والمستلزمات الطبية، والصناعات الغذائية، مثل تجهيز وحفظ الخضروات والفاكهة واللحوم وصناعة زيوت الطعام، وصناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة، وصناعة السكك الحديدية، ومنها القاطرات والجرارات وعربات قطارات البضائع والركاب، وعربات مترو الأنفاق والمونوريل وأنظمة الإشارات والمزلقانات.

ولقد تحددت الصناعات المرشحة وفق ٥ معايير، وهى معيار تقوية التشابكات الصناعية، ومن ثم زيادة درجة التكامل الإنتاجى للاقتصاد المصرى، ومعيار زيادة مستوى الاعتماد على الذات، ومن ثم تقليل الاعتماد على الخارج أو الاستيراد، ومعيار زيادة الصادرات، ومعيار التشغيل أى زيادة فرص العمل، ومعيار تسريع عملية تخضير الاقتصاد.

حوافز مالية وإعفاءات ضريبية وجمركية وأراضٍ بسعر رمزى

تطرق المشروع إلى عدد من المحفزات التى من الضرورى تبنيها لتحقيق التغير الهيكلى المستهدف، ومن أبرزها: تقديم الحوافز المالية أو الدعم المالى، وتتمثل فى التحويلات الحكومية من الموازنة العامة للدولة إلى شركات أو أنشطة أو صناعات أو مناطق بأكملها، وذلك من خلال الدعم المباشر نقدًا أو عينًا، أو الدعم غير المباشر فى شكل حوافز أو إعفاءات ضريبية، أو الخصم الضريبى للمنتجين، أو منح إعفاءات جمركية لمدخلات الصناعة أو للمكونات المستوردة، وتقديم دعم للصادرات الصناعية؛ لتسهيل نفاذها إلى الأسواق الخارجية.

أيضًا تشمل المحفزات فرض تعريفة جمركية حمائية لوقاية الصناعة المحلية فى مراحلها المبكرة من منافسة الواردات المناظرة لمنتجاتها، أو تقديم الدعم لمدخلات الصناعة أو الصناعات المستهدف تنميتها، وكذا توفير القروض التنافسية لتمويل رأس المال العامل، أو القروض متوسطة وطويلة المدى لتمويل الاستثمارات الصناعية، ولشراء السلع الرأسمالية، أو لتوفير التمويل التأجيرى، أو مشروعات الاستثمار.

كما تتضمن المحفزات المقترحة تقديم الأراضى والمرافق العامة والبنية الأساسية مجانًا أو بسعر رمزى، خاصة فى المناطق المخصصة للأنشطة الصناعية والتجمعات والتكتلات الصناعية، وقد ترتبط هذه التسهيلات ببعض مشروعات التنمية العمرانية، والتنمية الحضرية المستدامة، التى تستهدف بناء مجتمعات عمرانية متكاملة تشمل مشروعات سكنية ومشروعات إنتاجية، لتحفيز السكان على الانتقال إلى المناطق الحضرية القائمة أو الجديدة.

تجهيز الخامات والمنتجات الوسيطة وإنتاج المعدات والآلات

تشتد الحاجة إلى التصنيع كأساس للنمو المستدام فى مصر، من خلال اتجاهين؛ الأول اتجاه توسيع القاعدة الصناعية للاقتصاد، بمعنى التوسع فى بناء الصناعات وتنويع مكونات القطاع الصناعى، والثانى اتجاه تعميق هذه القاعدة ببناء صناعات لتجهيز الخامات والمنتجات الوسيطة وإنتاج المعدات والآلات وامتلاك قدرة معقولة فى مجال التصميمات وتطوير التكنولوجيا للصناعات ذات الأولوية.

ويعتمد ذلك على تطوير صناعات قائمة بإضافة أنشطة جديدة، مثل توسيع قائمة منتجات شركات الحديد والصلب، بما يتجاوز التركيز الحالى على حديد التسليح، وتنويع منتجات الصناعات المغذية لصناعة السيارات، وإضافة أنشطة لصناعات قائمة بهدف إنتاج منتجات وسيطة أو نهائية للتزود ذاتيًا ببعض مستلزمات إنتاجها، وإنشاء صناعات جديدة تزود الصناعات القائمة، وما قد يستجد من صناعات مستقبلًا، ببعض احتياجاتها من السلع الوسيطة والسلع الرأسمالية.

كما يعتمد على تحقيق الاستفادة الكبرى من المواد الأولية الزراعية والخامات المعدنية وغير المعدنية، بما يمكن من تزويد الصناعات المختلفة بنسبة أكبر من احتياجاتها من المواد الخام التى يجرى جلبها من الخارج، وتطوير مراكز للتصميم والبحث والابتكار ومواءمة التكنولوجيا الوافدة، والنهوض بإمكانات بعض المراكز القائمة وقدراتها، مثل معهد بحوث وتطوير الفلذات، معهد بحوث الإلكترونيات، وأقسام البحوث والتطوير الملحقة ببعض المصانع الكبيرة.

أشرف العربى: تأسيس قاعدة صناعية وفق مبادئ العلم والابتكار

قال الدكتور أشرف العربى، رئيس معهد التخطيط القومى، إن مصر قطعت شوطًا مهمًا فى مرحلة إرساء الاستقرار، من خلال برنامج الإصلاح الاقتصادى بين عامى ٢٠١٦ و٢٠١٩، ما نتج عنه تحسن غالبية المؤشرات الاقتصادية، إضافة إلى ما حققته مصر من إنجازات فى مجال تطوير البنية الأساسية، بما تتضمنه من شبكة ضخمة للطرق والمواصلات، ومشروعات للطاقة حققت وفورات فى الكهرباء والغاز، إلى جانب إنشاء جيل جديد من المدن العمرانية. وأضاف «العربى»، لـ«الدستور»، أنه حاليًا تأتى مرحلة الانطلاق بالاقتصاد نحو التحول الهيكلى، الذى يجب أن يقوم على قاعدة صناعية وتكنولوجية راسخة تؤسس على مبادئ العلم والابتكار والتطوير والتشاركية، فى ظل التوجيهات والتحفيز المستمر من جميع المستويات المعنية بشكل مباشر أو غير مباشر بقضية التصنيع، لكى تكون البداية لتأسيس قاعدة صناعية وطنية متطورة ومستدامة. وأكد «العربى» أهمية تبنى معهد التخطيط مشروعًا طموحًا يحمل شعار «تعميق التصنيع المحلى فى مصر»، حيث تتشابك قضية تعميق التصنيع مع القضايا الكبرى من ثورة صناعية رابعة وثورة تكنولوجية بتطورات متسارعة ومذهلة وأزمات ومربكات عالمية، واقتصاد قائم على المعرفة بما يتضمنه من إبداع وابتكار وتعليم وتدريب ذكى يساعد على تنمية رأس المال الطبيعى والاجتماعى والمعرفى. وتابع: «هناك ضرورة لتسريع التحول الرقمى فى جميع المناحى، وتعزيز حضورنا فى التجارة الدولية والتنافسية العالمية، والانتباه للتغيرات المناخية وتفاعلاتها، والطاقة واستخداماتها، والحوكمة وتأثيراتها بما تتضمنه من كفاءة تخصيص الموارد وتقليل الهدر والفاقد، ومكافحة الفقر، والتوسع فى برامج الحماية والعدالة الاجتماعية».

علاء زهران: تسهيلات للمصنعين شريطة الاعتماد على مدخلات محلية

أكد الدكتور علاء زهران، الرئيس السابق لمعهد التخطيط القومى، أن مصر أمامها فرصة واعدة لتسريع خطتها لتعميق التصنيع المحلى وخفض فاتورة الواردات ومد أذرع صادراتها إلى مختلف الأسواق الإقليمية والعالمية، بما يخدم التوجه العام نحو الوصول إلى ١٠٠ مليار دولار صادرات فى غضون سنوات قليلة. وأضاف أن هناك حاجة ماسة للعمل بشكل جاد على القائمة الأولية من القطاعات المرشحة لتعميق الصناعة المحلية وتشجيع المستثمرين، من خلال حزمة من التسهيلات، مثل خفض التعريفة الجمركية على المدخلات المستوردة، شريطة استخدام نسبة محددة من المدخلات المحلية.

وتابع: «يمكن أيضًا منح إعفاءات ضريبية فى حالة استخدام مدخلات وسلع وسيطة محلية لا تقل عن نسبة محددة، وتقديم تسهيلات ائتمانية وقروض بشروط ميسرة وفترات سماح وفترات سداد أطول للشركات التى تحقق نسبًا معينةً من التصنيع المحلى، مع اتخاذ إجراءات حمائية لمنع تصدير المواد الخام التى تدخل فى عمليات التصنيع المحلى، وإقامة مناطق ذات طبيعة خاصة صناعية واقتصادية وتصديرية، تتمتع الشركات العاملة فيها بإعفاءات مالية ومزايا تفضيلية إذا حققت نسبة معينة من التصنيع المحلى».

إبراهيم العيسوى: ربط الصناعة المحلية بالبحث العلمى وإنشاء مراكز وجامعات متخصصة

أوضح الدكتور إبراهيم العيسوى، مدير مشروع تعميق التصنيع المحلى، وأستاذ الاقتصاد بمركز السياسات الاقتصادية الكلية بمعهد التخطيط القومى، أن اهتمام الدولة بالتنمية بوجه عام والتصنيع وتعميقه بوجه خاص لا ينطوى على أى دعوة لإقصاء القطاع الخاص.

وأشار إلى أن هذه المشروعات يمكن أن تقيمها الدولة بمفردها أو بالمشاركة مع القطاع الخاص، وأيضًا بطرح أسهم على عموم المواطنين تضمن الدولة حدًا أدنى لربحيتها.

وقال «العيسوى» إن أولى خطوات دعم الصناعة المحلية تتمثل فى الربط بينها وبين البحث العلمى من خلال إنشاء معامل مركزية بالجامعات لخدمة الصناعة، وإقامة ما يعرف بالتحالفات الصناعية أو تحالفات الابتكار بغرض تعميق التصنيع، وإنشاء جامعات الشركات على غرار ما فعلته ماليزيا، وكان له أثر بارز فى تقدمها الصناعى والتكنولوجى.

وأشار إلى أنه تخفيفًا للأعباء عن كاهل المستثمرين يجب تحويل هيئة التنمية الصناعية من هيئة عامة اقتصادية إلى هيئة خدمية، وإزالة الغموض فى بعض مواد قانون التراخيص الذى يفتح الباب أمام تفسيرات متباينة، مع تبسيط الإجراءات ذات الصلة واختصار عددها وتخفيض مدة تنفيذها، والتيسير على المستثمرين بتوسيع صلاحيات مكاتب هيئة التنمية الصناعية بالمحافظات، وزيادة عدد العاملين المؤهلين فى هذه المكاتب وتفويضهم فى اتخاذ القرارات دون الرجوع للمقر الرئيسى للهيئة.