رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العقيد حلمى زكى: نفذت مهمة انتحارية لنقل الذخيرة للجيش عبر «الدفرسوار».. فجّرت سيارتى أمام نقطة العدو.. واحتمال نجاتى كان «صفر»

العقيد حلمى زكى
العقيد حلمى زكى

- قال إن جنود العدو كانوا يستخدمون فى النقاط القوية مرايا عاكسة لتعطيل أى عمليات عبور

- تدربنا على تجاوز الساتر الترابى فى أماكن مشابهة للقناة.. ونفذنا عمليات عبور خلال حرب الاستنزاف لاستهداف مجنزرات العدو

- «السادات» أهم الشخصيات المساهمة فى النصر لأنه اتخذ قرار الحرب الذى يصعب على أى رئيس اتخاذه

- الفريق محمد على فهمى له الفضل الأول فى إنشاء حائط الصواريخ.. ولولاه ما حدث الانتصار

- لولا فكرة اللواء باقى زكى يوسف لإزالة الساتر الترابى بالمياه ما تمكنا من فتح الثغرات والعبور

العقيد حلمى زكى، واحد من أبطال حرب أكتوبر، تخرج فى الكلية الحربية عام ١٩٦٩، وشارك فى حرب الاستنزاف ضمن قوات الصاعقة فى منطقة رأس العش الشهيرة.

انضم العقيد حلمى إلى اللواء ١٦، الذى كان يضم وقت حرب أكتوبر المشير محمد حسين طنطاوى، واللواء محمد عزت السيد، وآخرين، ونفذ عمليات خطيرة خلال معركة العبور.

يكشف «زكى»، خلال حواره مع الكاتب الصحفى الدكتور محمد الباز، عبر برنامج «الشاهد»، الذى يذاع على قناة «إكسترا نيوز»، عن الكثير من أسرار معركة العبور وكيف تم التحضير لها، وأبرز المواقف الصعبة التى تعرض لها خلال العمليات الحربية، وتفاصيل أخرى.

إلى نص الحوار:

■ ما ذكرياتك عن هزيمة ١٩٦٧؟

- وقت حدوث هزيمة ١٩٦٧ كنت فى الثانوية العامة، وحينها تم تأجيل الامتحانات بسبب الحرب، وكان لى شرف المشاركة فى الاحتشاد يومى ٩ و١٠ يونيو رفضًا لتنحى الرئيس جمال عبدالناصر.

■ كنتم طلبة حينها.. ما الأفكار التى كانت تدور فى رءوسكم؟

- الطلاب وقتها استطاعوا التجمع بأكبر أعداد ونزلوا مع الناس العاديين، وكان نزولهم بدافع وطنى، ورفضنا كطلاب الاستسلام للهزيمة لأنها مجرد معركة من المعارك، و٦٧ معركة ضمن حرب قادمة، وكان لا بد أن يؤيد الشعب الرئيس ويعيدوا الثقة لجيشنا.

كنت أرى أن ٦٧ بداية لحرب ٧٣، ولو لم تكن لما كانت معركة العبور، كما أن الأخيرة كسرت مقولة أسطورة الجيش الذى لا يقهر، التى ظلت تؤلمنا من عام ٤٨.

■ تخرجت فى سن ٢٠ سنة وشهرين وانضممت للجيش.. كيف كانت مشاعرك كشاب؟

- الشباب فى وقتى كانت لديهم مشاعر وطنية جارفة، والدى كان وطنيًا جدًا وكان يعشق مصر وجمال عبدالناصر والجيش، وهو من زرع فينا الوطنية أنا وشقيقى، وكان دافعًا لنا للالتحاق بالكلية الحربية.

■ بدأت خدمتك فى الجيش خلال حرب الاستنزاف.. كيف كان تدريبك؟

- عندما تخرجت انضممت للصاعقة بالكتيبة ١٣ فى بورسعيد، وكنا نتدرب على عمليات عبور وأماكن مشابهة لظروف القناة، لكن ليست بارتفاع الساتر الترابى الحقيقى، والمكان كان بجوار ترعة حتى يكون مشابهًا لضفة القناة.

■ عبرت الساتر الترابى خلال حرب الاستنزاف.. حدثنا عن تلك العمليات.

- تم تدريبنا على عملية العبور، وظل أحد الضباط يرصد حركة دورية إسرائيلية لمدة ٣٠ يومًا ويسجل توقيت الدورية عندما تتحرك فى منطقة بورسعيد.

الإسرائيليون فى النقاط القوية كانوا يستخدمون مرايا عاكسة، وكان العسكرى يرى داخل النقطة الساتر الترابى وقناة السويس، وكان لا بد أن نأخذ حذرنا بحيث يكون الظلام شبه تام.

الهدف من العملية كان الإغارة على سيارة نص جنزير وسيارتين للجنود، وكانت توجد مجموعة اقتحام فى الوسط معها ضابط، ومجموعة ساتر فى اليمين ومجموعة فى الشمال وكنت قائدها، عبرنا وانتظرنا الدورية منذ السادسة صباحًا حتى الثانية ظهرًا، وكنا ننام على الساتر الترابى حتى لا ترصدنا المرايات العاكسة.

القائد أبوبكر أحمد صلاح الدين، قائد الكتيبة ١٣ صاعقة، كانت معه أجهزة الاتصال وينتظرنا فى قارب لحين الانتهاء، وقال لنا فى آخر مكالمة: أول ما تسمعوا ٣ دفعات من البندقية الآلية اشتبكوا.

عندما سمعنا الإشارة تحركنا ووجدنا دورية أخرى غير التى تدربنا عليها، وكانت تتكون من دبابة وسيارة جيب وسيارة حاملة للجنود، وكانت بمثابة صيد ثمين لنا، مجموعة الاقتحام كانت معها أسلحة ٢ آربى جى، و٢ رشاش، و٦ بنادق، وتم تزويدهم برشاش خفيف وآر بى جى، والمجموعة اليمنى مدتهم بنفس الأسلحة، وتم تدمير المجموعة كلها دون خسائر فى الأرواح.

أثناء مغادرة المجموعة ونزولنا إلى القوارب، رصدتنا إحدى الدبابات المختبئة بالساتر الترابى فى الشرق، وخسرنا الجنود من المجموعة الوسطى، والعبور كان يوم شم النسيم، وأذكر أن عبدالحليم حافظ كان يقدم أغنية جديدة وهى «زى الهوا».

■ ما تقييمك لخطة الخداع فى حرب أكتوبر؟

- هناك شخصيات أثرت بشكل مباشر على حرب ١٩٧٣، أولاها الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الذى اتخذ قرار الحرب، ولا يوجد رئيس دولة فى العالم كان يأخذ قرار حرب فى موقف كموقفنا بالمقارنة بموقف إسرائيل، ولذلك ما حدث معجزة بكل المقاييس العسكرية. 

وأيضًا الفريق محمد على فهمى قائد قوات الدفاع الجوى، وهو القائم على إنشاء حائط الصواريخ، ولولا حائط الصواريخ لما كان الانتصار، والتحضير للحرب كان دائرة بدأت بحائط الصواريخ.

كما أتوجه بالتحية لروح اللواء باقى زكى يوسف، صاحب فكرة إزالة الساتر الترابى بالمياه، وقد كانت هناك محاولات كثيرة للتدريب فى مكان مشابه للساتر الترابى، وتم التعامل معه بالطيران والمدفعية، ولم ننجح فى فتح أى ثغرة، لكن فكرة إزالة الساتر الترابى بالمياه كانت ناجحة بنسبة ١٠٠٪. 

والتحية لروح اللواء إبراهيم شكيب، وهو صاحب فكرة إغلاق مواسير النابالم قبل العبور، أما من نفذها فهو الضابط أحمد حسن، الذى كوّن المادة الحديدية التى أغلقت المواسير، إذا لم نستطع إغلاق المواسير لم نكن نجرؤ على أن نعبر، وبالتالى لم تكن الحرب ستحدث، كما أنه لو لم يتم فتح ثغرات فى الساتر الترابى، فلن تستطيع أن تعبر دبابة أو عربية مدرعة ولا عربية شد مدفع، وبالتالى لما كانت هناك حرب. 

هناك شخصيتان فى غاية الأهمية أثرتا تأثيرًا مباشرًا فى حرب أكتوبر، والقليل من يعرفهما، وهما؛ العقيد أركان حرب صلاح فهمى نحلة، الذى تم تكليفه باختيار الشهر واليوم وساعة الصفر، الذى كتب الخطة فى كراسة ابنته، وهذا الرجل عقد لقاءات مكثفة جدًا مع المسئولين حتى يستطيع الحصول على هذه المعلومات، وقد توجه إلى المخابرات العامة، والمخابرات الحربية، والبحوث الفلكية، والأرصاد الجوية، حيث كان هناك الكثير من المعلومات التى حصل عليها، وتمكن من خلالها من اختيار اليوم الصحيح.

وكل الحروب وصولًا إلى حروب الجيل الثالث، هى حروب من خلال الأسلحة؛ إما أن تبدأ فى أول ضوء أو آخر ضوء، لكن كانت أول مرة فى التاريخ تبدأ الحرب فى عز الظهر، وقد كانت من ضمن المفاجآت العظيمة جدًا فى حرب ١٩٧٣م.

والشخصية الثانية المهمة والمؤثرة فى حرب أكتوبر، العقيد أركان حرب أحمد نبيل، وهو اسم غير متداول، لكن يجب لهذا الاسم أن يُخلد لأنه صاحب أكبر خطة خداع حربية منذ أن أنشأ الله الأرض ومن عليها، حيث كانت خطة الخداع التى وضعها السبب الرئيسى فى انتصارنا فى حرب ١٩٧٣م. 

■ ما ملامح هذه الخطة؟

- خطة الخداع الحربية كانت اقتصادية وسياسية وعسكرية ودبلوماسية وصحية، حيث رتب أحمد نبيل اجتماعًا بين وزير الخارجية فى هذا الوقت، وهو الدكتور محمد حسن الزيات مع ثعلب الولايات المتحدة الأمريكية كيسنجر، وشرح له موقف مصر الاقتصادى والسياسى والعسكرى، وكان من بين كلامه إحداث تمويه، بالحديث عن أن أكبر خطأ ارتكبه الرئيس السادات أنه أخرج الخبراء السوفييت من مصر، وقد كان خطأ كبيرًا جدًا، وكان كل هذا الكلام ضمن الخطة. 

وأنه من بين الخطة الادعاء بوجود مشكلة اقتصادية فى مصر، والادعاء أن مخزون القمح لدينا أصيب بآفة، وحتى نجهز للحرب كنا فى حاجة إلى تجهيز مخزون استراتيجى من السلع الأساسية خاصة القمح، وبالتالى من خلال الخطة الاقتصادية رسمنا صورة للخارج بأن الحياة فى مصر سيئة جدًا، وفعلا «كيسنجر» صدق هذا الكلام. 

ومن الناحية الدبلوماسية، تمت دعوة رئيس دفاع رومانيا لزيارة مصر يوم ٨ أكتوبر، حيث تم الإعلان عن الزيارة واتخاذ كل الإجراءات، كما تمت دعوة ابنة الملكة إليزابيث، وهى الأميرة مارجريت، لزيارة مصر يوم ٧ أكتوبر.

ومن الناحية الصحية، تم الإعلان عن وجود ميكروب فى بعض المستشفيات القريبة من الجبهة، وتم الإعلان فى الجرائد والراديو والتليفزيون، وأن هذا الميكروب انتقل إلى ١٢ مستشفى، وتم اختيار هذه المستشفيات القريبة من الجبهة، وبالتالى كان لا بد من إخلاء المستشفيات، وبالفعل تم إخلاء هذه المستشفيات، وتم توزيع المرضى الموجودين بها على مستشفيات أخرى.

وتجهيز مضخات المياه التى استوردتها مصر لأول مرة، لم يكن يمر على مخابرات العدو مرور الكرام، وبالتالى لسنا نحن من استوردها، بل تولت ليبيا استيرادها، ثم أخذتها منها مصر بطريقة مموهة، وبالتالى كانت الخطة بتوفيق الله سبحانه وتعالى ناجحة، وأحمد نبيل هو من نفذ الخطة على مستوى الدولة حتى على مستوى الوحدات فى الجيش.

■ ماذا حدث قبل المعركة؟

- ما حدث قبل المعركة كان يحدث كل عام، كانت القوات المسلحة تستدعى المجندين الاحتياطيين الذين خرجوا، لعمل مشروع أو مناورة، وفى كل عام كان يتم استدعاؤهم لمدة ١٥ يومًا، ومن ثم يتم تسريحهم بعد ذلك. 

كان من ضمن خطة الخداع استدعاؤهم، لكن لا يتم تسريحهم كلهم، وإنما تسريح جزء منهم، وبالتالى تم استدعاؤهم لتنفيذ مناورة بالقوات والمعدات، وتم إجراء المناورة بالقرب من خط المواجهة.

وقبل ٦ أكتوبر بأيام قليلة، تم بالفعل تسريح جزء من المجندين الاحتياطيين، وعادت المعدات فى النهار، ولم تعد ليلًا مثل معظم المناورات، وكنا نعلم علم اليقين أن هناك تصويرًا يجريه العدو، فقد كان كل شىء مرصودًا. 

كل هذه الإجراءات تم الإعلان عنها فى الراديو، وقد كانت جزءًا من خطة الخداع.

الجزء الآخر من خطة الخداع قبل يوم ٦ أكتوبر بساعات، كنت فى اللواء ١٦ مشاة بالصاعقة، حيث جاءت إلينا فتوى من مفتى الجمهورية بالإفطار، ولم يكن أحد يستطيع حينها أن يعطى هذه الفتوى ويتحمل مسئولية إفطار الآلاف إلا عندما توجد عمليات حقيقية، وكنا متوقعين بنسبة كبيرة أن هناك حربًا، لكن عندما جاءت هذه الفتوى تأكدنا بنسبة ١٠٠٪ أن هناك حربًا، ومن ثم بعد هذه الفتوة توقعنا أن هذه الحرب ستكون فى خلال يومين أو ثلاثة، أو خلال رمضان بشكل عام. 

قيام الحرب فى رمضان كان جزءًا من الخطة، لأن الجيش المصرى لن يستطيع أن يحارب فى رمضان والجنود صائمون، خاصة أننا شعب متدين وله طقوسه الخاصة فى الشهر الكريم، كما أن اختيار يوم السبت ٦ أكتوبر، وهو يوم عيد الغفران عند العدو، مقصود، لأنه يوم سكون تام ليس فى مدن إسرائيل فقط، وإنما فى الجيش الإسرائيلى نفسه، وهو ما كان ضمن خطة الخداع.

■ حدثنا عن تفاصيل يوم ٦ أكتوبر. 

- فى يوم ٦ أكتوبر جاء إلينا اليقين بأنها الحرب، وأشهد الله على هذه الشهادة التى أقولها هنا، أعظم لحظات حياتى كان عندما جاء إلينا الأمر بالعبور.

اللحظة التى استلمت فيها أمر العبور كانت الساعة ١١ صباحًا، وكان من ضمن الخطة على مستوى الوحدات الصغيرة، أنه كان يوجد جزء من الوحدات يلعب ماتش كرة بجوار قناة السويس، وكانت توجد مجموعة أيضًا تصطاد فى قناة السويس، كان ذلك قبل العبور بساعة أو اثنتين، وكان هناك جنود يغسلون مهماتهم وينشرونها أمامهم، لإيحاء العدو بأن هؤلاء الناس «عمرهم ما هيحاربوا».

وجاء إلينا البيان بأن ضربة الطيران ستبدأ الساعة ٢، والمدفعية ٢:١٠، و«احنا هنبدأ عبور الساعة ٢:٢٠، وأخذنا أماكنا قبل الساعة ٢، اللى كان بيلعب كرة انتهى من اللعب واللى بيصطاد رجع، وكانوا مجهزين أشياءهم كلها».

وفى الساعة ٢ بالثانية، الطيران المصرى عبر من فوقنا، ٢٢٠ طائرة على طول الجبهة، وفى ثوانٍ معدودة سمعنا الانفجارات، ٢٢٠ طائرة تضرب فى توقيت واحد، كانت تضرب مراكز القيادة والسيطرة، والاحتياطات التى كانت موجودة، وكانت تضرب مطار المليز الذى كان به الطيران الإسرائيلى.

كانت توجد تعليمات صدرت لجنود العدو، وذكرها موشيه ديان فى مذكراته، بأنه أعطى الأمر للسلاح الجوى بألا تقترب طائرة من قناة السويس لمسافة ١٥ كيلو، وحققنا ذلك بفضل حائط الصواريخ الذى أحيا فيه الروح المشير محمد على فهمى.

عاد الطيران الساعة ٢:١٠ وبدأت المدفعية، حيث كانت ٢٠٠٠ ماسورة مدفع على طول الجبهة من بورسعيد إلى السويس على مسافة ١٧٠ كيلو قد بدأت التحضير، وكل المواقع التى تم ضربها كانت مدروسة، وقوات خلف الخطوط رصدت هذه المواقع وإحداثياتها، كل شىء كان محسوبًا بالثانية وبالمتر، ولم يكن يوجد أى خطأ فى التحضير للحرب.

وكنت فى الموجة الأولى التى عبرت فى الساعة ٢:٢٠، وقبل أن تنزل القوارب للقناة كانت تغمرنا فرحة لا يمكننى وصفها، ليس لدىّ فقط، وإنما لدى زملائى الضباط والجنود، كانت فرحة من المستحيل أن أصفها، كنا نشعر بفرحة ما بعدها فرحة. 

■ صف لنا لحظات العبور؟

- فى لحظة عبورنا، كنا نحمل جميعنا القوارب المطاطة بفرحة شديدة لا يمكن وصفها، وفى تمام الساعة ٢:٢٠، وبمجرد أن بدأت المدفعية فى الضرب، كنا نجرى بالقوارب من سعادتنا، وكانت الروح المعنوية داخل الجيش المصرى لا حدود لها.

أتذكر جيدًا كل لحظة شعرت بها فى ذلك اليوم، وكان الموت غير موجود فى قاموسنا فى الجيش المصرى، وأثناء موجة العبور الأولى لم يكن هناك أى رد فعل من العدو الإسرائيلى، بسبب النقط الحصينة التى استطعنا تدميرها، عكس ما ادعوا أنها لن تُدمر إلا باستخدام قنبلة نووية.

يجب أن أذكر فكرة الفريق سعد الشاذلى، رئيس الأركان آنذاك، حين بنى «مصطبة»، فى الغرب أمام كل نقطة قوية، وكانت فى مستوى النقطة القوية، بحيث تصعد دبابتان فوقها، علاوة على فصيلة من مدافع الجرينوف، لتعطيل النقط القوية للعدو، سواء بالدبابات أو الرشاشات الثقيلة أثناء رحلة العبور.

أستطيع القول إننا عبرنا دون خسائر فى الموجة الأولى، عبر عربات مدرعات برمائية، وبعد العبور مباشرة تم فتح الثغرات، الذى استغرق وقتًا طويلًا.

■ ما أبرز اللحظات المؤثرة التى تتذكرها خلال أدائك مهمتك؟

- حين تم تكليفى يوم ٧ أكتوبر، بالانتقال إلى الغرب وجمع ذخيرة جديدة للسارية، وكان يرافقنى ضابط الشئون الإدارية محمد نادر عبدالستار، وسائق السيارة الدفع الرباعى الذى لا أستطيع نسيانه أبدًا؛ لأنه أدى موقفًا بطوليًا خاصًا.

كنا قريبين للغاية من نقطة الدفرسوار الحصينة، وكانت من أقوى نقاط العدو الموجودة على الجبهة، وبدأت أقدر الموقف جيدًا للعبور بسلام من هذه النقطة القوية، خاصة أن العدو كان يمتلك أسلحة مدمرة فى ذلك الحين، وكان من الممكن أن نموت جميعًا قبل تجميع الذخيرة.

القرار الذى اتخذته حينها هو التحرك بسيارة الدفع الرباعى، ثم بالدوران لأكون فى مواجهة نقطة الدفرسوار، حتى يحاولوا تفجيرى، خاصة أن السيارة كانت بها ٦ دانات ب ١١، ثم سيصدر عنها دخان كثيف، وبالفعل جمعت الـ٥ سيارات بالسائقين المخصصين لها، وشرحت لهم ما سأقوم به، وأخبرتهم بوجهة التحرك باتجاه الكتيبة، بمجرد أن يروا الدخان الكثيف.

قرر السائقون حينها أن يأتوا معى فى السيارة، وبالفعل توجهنا فى حمى الساتر الخاص بنا، حتى أصبحنا فى مواجهة النقطة القوية، وأبلغت السائق حينها بضرورة التحرك بأقصى سرعة، وكانوا يضربون علينا حينها بالرشاشات النصف بوصة، حتى توقفت السيارة بشكل كامل قرب النقطة القوية.

نسبة نجاحى أن أكون على قيد الحياة فى ذلك التوقيت كانت «صفر» فى المائة، وفى لحظة توقفنا بالسيارة، أخبرتهم بأن يخرجوا منها بسرعة والاختباء خلفها، وكان الضرب باتجاهنا كثيفًا للغاية، واستطعنا الابتعاد عن السيارة فى التوقيت المناسب، على بعد حوالى ١٢ لـ١٥ مترًا، حتى انفجرت السيارة، وحينها نجحت الخطة.

■ ما المهمة التى كُلفت بها فى الحرب؟

- كنت قائد إحدى المهمات فى حرب ٧٣، وبالأخص يوم ٧ أكتوبر، وحين عبرت القوات المصرية أصبحت الذخيرة تتناقص بشكل ملحوظ، وكنا نحتاج إلى مدد من الذخيرة، وكنت حينها نائبًا لقائد السرية، وكان قوام السرية يزيد على ٢٠٠ جندى، رغم أننى لم أتجاوز الـ٢٤ عامًا فى ذلك الوقت.

من المعروف أنه فى أول يوم قتال، الوحدة تفقد أكثر من ٧٠٪ من ذخيرتها، واختارنى قائد الكتيبة فى ذلك الوقت، وهو المقدم الراحل أحمد إسماعيل عطية، وكلفنى بالوجود فى الغرب، وأجهز ٥ سيارات نقل ذخيرة، لتعويض ذخيرة الكتيبة بالكامل.

كنت أجمع المطلوب بدءًا من ذخيرة المسدس حتى ذخيرة المدافع المتوسطة، وذلك يعد شيئًا ضخمًا، بدأت فيه تحديدًا فى الساعات الأخيرة من يوم ٦ أكتوبر، وبعد عبورنا واحتلالنا لمسافة حوالى ٣ كيلو ونصف الكيلو، وبالفعل نجحت فى مهمتى، وذلك بفضل المهندسين العسكريين الذين عملوا على إنشاء الكبارى.