رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكنيسة المصرية وفلسطين «٣»

وضح لنا فى المقالين السابقين مدى عمق وتاريخية العلاقة بين الكنيسة المصرية وفلسطين، ووصلنا إلى الدور المهم الذى لعبته رابطة القدس للأقباط الأرثوذكس فى تدعيم الوجود القبطى فى فلسطين. حرصت الرابطة منذ نشأتها، وحتى فى سنوات توقف الزيارة للحروب، على إجراء قرعة سنوية بين الأعضاء، ومن يفُز بالقرعة يذهب مجانًا إلى القدس. ومن الطريف أن هذه القرعة السنوية استمرت حتى فى سنوات منع الكنيسة القبطية الأقباط عن زيارة القدس؛ إذ تُعلِن الرابطة عن نتيجة القرعة، على أن يذهب هؤلاء إلى القدس بعد رفع الحظر المفروض على ذهاب الأقباط للقدس.

كما اهتمت الرابطة بمسألة غاية فى الأهمية وهى مساعدة اللاجئين الأقباط سواء بعد حرب ١٩٤٨م، أو بعد حرب ١٩٦٧م. واتخذت الرابطة موقفًا حاسمًا من مسألة القدس؛ إذ رفعت منذ نشأتها شعارًا هو: «إن نسيتك يا أورشليم، تنسنى يمينى».

وأصدرت الرابطة أيضًا عدة بيانات فى تواريخ مختلفة تدعو إلى السلام فى الأراضى المقدسة، ووقف الحروب وأعمال العنف، منها ما تم إصداره قبيل حرب ١٩٤٨م مباشرة؛ إذ أصدرت الرابطة فى أبريل ١٩٤٨م النداء التالى:

«رابطة القدس تتضرع إلى فادينا وربنا ومخلصنا يسوع المسيح فى عيد قيامته المجيدة أن يرجع إلى أورشليم بالمراحم ويُديم السلام فى مهد السلام، ويحكم بين الأمم والشعوب، فيطبعون سيوفهم سككًا ورماحهم مناجل، وليرينا بهجة قيامته المحببة كل أيام حياتنا ونحن هاتفون: خريستوس آنستى... إليثوس آنستى».

برمهات ١٦٦٤- أبريل ١٩٤٨م

رئيس الرابطة حبيب المصرى باشا.

ومن الأمور التى ستزيد من ارتباط الأقباط بالقدس، مسألة دير السلطان الشهير، هذا الدير الذى ترجع ملكيته للكنيسة القبطية، ولكن تنازعتها الملكية عليه الكنيسة الإثيوبية. وربما يرجع السبب التاريخى لهذا النزاع إلى الارتباط التاريخى أصلًا بين الكنيستين، أو ربما من الأجدر القول بتبعية الكنيسة الحبشية إلى الكنيسة الأم: الكنيسة القبطية. إن ظروف الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين بعد حرب ١٩٤٨م، قطعت سبل الاتصال البرى مع القدس، والمنشآت القبطية بها، وعلى رأسها دير السلطان. وأصبحت وسيلة الاتصال تمر عبر المملكة الأردنية. ومع سوء العلاقات بين مصر والمملكة الأردنية، سيزداد عدم التواصل بين الكنيسة فى القاهرة، ومؤسساتها فى القدس، لا سيما دير السلطان، وسيصب ذلك فى صالح الأحباش. وسيزداد تعقد المشكلة فى مرحلة لاحقة لا سيما مع احتلال إسرائيل القدس الشرقية بعد ٥ يونيو ١٩٦٧م.

كذلك شاركت الكنيسة الإنجيلية فى مصر فى المجمع المسيحى للشرق الأدنى، هذا المجمع الذى عقد جمعيته العمومية الأولى فى حلوان، فى مصر سنة ١٩٢٧م، ولعب هذا المجمع دورًا فى خدمة اللاجئين الفلسطينيين بعد حرب ١٩٤٨م.

عقد المجمع فى ٤ مايو ١٩٥١م المؤتمر الأول لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، وأوضح المجمع أن أمامه مهام محددة، يأتى على رأسها: إبراز الاهتمام المسيحى بمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وثانيتها: دعوة الكنائس المسيحية فى كل البلدان للاهتمام بإغاثة وبذل جهد أكبر مما بُذِل حتى الآن، وثالثتها: اكتشاف إمكانات المساعدة والتعاون فيما بين الكنائس فى هذا المجال.

وتشكلت لجنة تهتم ببرنامج الإغاثة والتعاون، أسندت رئاستها إلى مطران الكنيسة الأسقفية فى مصر، وأصدر المجمع بيانًا جاء فيه:

«لقد روع المؤتمر أن يرى المشاهد الأليمة التى يعيش فيها اللاجئون الفلسطينيون فى المخيمات التى زارها أعضاء المؤتمر، التى نشأت منذ ثلاث سنوات، واستنكر سلسلة الحوادث المؤسفة التى خلقت هذا الموقف... وعندنا أن المسئولية الخطيرة تقع على عواتق أمم كثيرة وجماعات سياسية مختلفة».

وتضمنت توصيات المؤتمر الاهتمام بتعليم الأطفال، ورفع الحظر عن أموال اللاجئين المجمدة فى إسرائيل. ولم يقتصر الاشتراك المصرى فى هذا المؤتمر على الكنائس البروتستانتية فحسب، بل شارك فيه أيضًا ممثلون عن كنيسة الإسكندرية للروم الأرثوذكس.