رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مؤتمر السلام المصرى وانكشاف وجه العالم

لم ينجم عن مؤتمر السلام الذى دعت إليه القاهرة، وانعقد فى العاصمة الإدارية الجديدة بيان يحمل اتفاقًا واضحًا بشأن الأحداث المهولة بفلسطين.. اختلفت الأطراف حول نقطتين جوهريتين؛ فبينما أصر الغرب، ومعه الاتحاد الأوروبى، على إدانة حركة حماس بل وصفها بالمنظمة الإرهابية، أصر العرب، ومعهم الاتحاد الإفريقي، على عدم إدانتها وعدم وصفها بهذا الوصف.
لا يعنى الأمر أن المؤتمر المهم المشكور فشل هكذا، ولكن العكس هو الصحيح؛ فقد كشف وجه العالم، وهذا أهم من بيان ختامى يعكس اتفاقًا، لا يتم الأخذ به فى الواقع المشتعل الذى لا تخمد نيرانه ساعة من ليل أو نهار.
لقد استطاعت مصر، فى وقت عصيب وظروف بالغة التعقيد، أن تجمع هذا الحشد الهائل من مختلف البلدان، مصر المحورية بلا جدال، ولم يكن فى ظنها أنها ستخرج منه برأى واحد حاسم، إنما كان فى خاطرها، بالتأكيد، أن تتكلم وتسمع، علانية، عاكسة للأمم كلها مدى الشتات العام الملموس الذى وصل إليه الحال؛ وهذا بالضبط مكمن ضياع الحق الفلسطينى منذ الأزل.
طبيعى موقف العرب، بلا انحياز أعمى لقوميتى، فإدانة حركة حماس يسيرة لكنها مخزية، وكل ما تصنعه، هى وغيرها من الحركات الشبيهة، مهما كانت خلفياتها، يكون ردة فعل لما يفعله الغاصب بالأرض المغصوبة، كما أن نعتها بالإرهاب نعت متجنٍ بالفعل؛ لأنها تقاوم احتلالًا فى بلد تهافت عليه الغرباء من كل مكان ليجعلوه موطنهم ويدمروا تراثه ويستولوا على ثرواته، والقانون الدولى نفسه يفرق بين المقاوم والإرهابى، من يقاوم معتديًا ومن يرهب الناس لأن هذا عمله، شتان ما بينهما ولو زاغ البصر فتصور الرائى أنهما سيان. 
وعجيب موقف الغرب؛ جموعه البشرية تعرف الصواب، تلبس الوشاح الفلسطينى الحميم، وتتظاهر من أجل القضية الفلسطينية العادلة، فى قلوب عواصمها العالمية المؤثرة، وكم تدفع أثمانًا غالية لغضبتها، ولا تبالى، فى حين أن القيادات والمسئولين هناك يقولون ما معناه إن إسرائيل ضحية تشدد ولا جناح عليها إذا انتقمت لنفسها؛ كأنهم يجيزون قتل النساء والأطفال والكبار والمدنيين، ويسمحون بهدم المبانى والمنشآت الحيوية وقطع الكهرباء والمياه والوقود عن خلق الله الذين لا حيلة لهم.
ما زالت مصر كبيرة، تلعب أدوارها الفارقة فى المنطقة، تريد رأب الصدع يقينًا، وإن لم يجر ما تريد جرى كشف ما وراء الآكام، ثم مضت تفكر فيما يجب عليها فعله مجددًا، لا تهدأ ولا تكل، معتمدة على الله القوى العزيز وتأييد شعبها الواعى وأشقائها وأصدقائها الداعمين.
حذرت مصر، وستظل تحذر، من تصفية القضية الفلسطينية بتهجير أهل غزة إلى سيناء، ومن ثم نقل الصراع الخبيث إلى أرضها الطيبة، وهو هدف عدوانى تدركه من ماضيها الشائك مع الإسرائيليين، لكنه الهدف المستحيل؛ فمصر يقظة سرمديًا.