رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحزام والطريق: تعاون صينى فى مواجهة الإفقار الأمريكى

مُبادرة "حزام واحد، طريق واحد"، هي المُبادرة الطموحة التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013م، الهادفة إلى تطوير وإنشاء طرق تجارية، وممرات اقتصادية تربط أكثر من 60 بلدًا، ومن خلال هذه المُبادرة تحاول الصين توثيق الروابط التجارية والاقتصادية بين آسيا، وأوروبا، وإفريقيا. أي أنها تكاد أن تكون من أكبر المُبادرات التجارية الاقتصادية في التاريخ على الإطلاق، وهو ما يؤكده تقرير البنك الدولي الذي يفيد بأنه بحلول عام 2030م فمن المتوقع أن تؤدي البنية التحتية للنقل لمُبادرة الحزام والطريق- إذا ما تم تنفيذها بالكامل- إلى زيادة الدخل الحقيقي العالمي بنسبة تتراوح ما بين 0.7% إلى 2.9%؛ الأمر الذي يؤدي إلى انتشال أكثر من سبعة ملايين شخص من الفقر المدقع، و32 مليون شخص من الفقر المُعتدل.
ما الذي يعنيه تقرير البنك الدولي السابق؟
إذا ما تأملنا قول البنك الدولي عن المُبادرة الصينية العالمية سيتأكد لنا أن ما اقترحه الرئيس الصيني ليس مُجرد صفقة تجارية اقتصادية تستفيد منها الصين بتعاونها مع غيرها من دول العالم، بل هي مُبادرة إنسانية في المقام الأول، وهو ما يفتح أمامنا باب المُقارنات بين ما تفعله الولايات المُتحدة الأمريكية من سياسات إفقار، وتبعية، وسحق للعالم أجمع، في مُقابل ما تقوم به الصين من محاولات رخاء لها، ولغيرها من دول العالم المتعاونة معها. إن البون شاسع بين الدولتين العملاقتين، والمُقارنة في صالح الصين على كل الأصعدة؛ فهي هادفة للبناء في مُقابل الهدم الدائم التي تقوم به الولايات المُتحدة.
صحيح أن ثمة اتهامات يتم توجيهها للمُبادرة الصينية، منها أنها مُجرد وسيلة من الصين لنشر نفوذها الاقتصادي والجيوسياسي، لكن تأمل الأمر على أرض الواقع إنما يؤكد لنا أن الصين تحمل الأمر على محمل الجد، وهو مشروع ضخم للرخاء أكثر من الاستفادة السياسية؛ فلقد وقعت الصين خلال العشر سنوات الماضية- أي مُنذ إطلاق المُبادرة- وثائق تعاون مع أكثر من 150 دولة، وأكثر من 30 مُنظمة دولية، كما أن هذا التعاون قد أثمر عن 3 آلاف مشروع، وتحفيز استثمارات تصل إلى تريليون دولار. وحتى على افتراض سوء الظن الذي يرى أن المُبادرة ليست إلا محاولة سياسية من الصين لفرض نفوذها، ففرض النفوذ الذي يصاحبه الرخاء الاقتصادي للجميع، بالتأكيد سيكون أفضل من فرض النفوذ الذي يصاحبه القهر، والاستبداد، واستعراض القوة، والإفقار الشديد الذي تمارسه الولايات المُتحدة على العالم.
إن التعاون الصيني مع الدول العربية من أجل مُبادرة الحزام والطريق اكتسب أهمية كبيرة لدى الجانبين، وهو ما انعكس في الكثير من المشروعات الاقتصادية التي بلغت مليارات من الدولارات؛ الأمر الذي جعل الصين هي الشريك التجاري الأهم بالنسبة للمنطقة العربية، فلقد بلغ حجم التجارة بين الصين والدول العربية في عام 2017م مثلا 191.35 مليار دولار، بزيادة 11.9% على أساس سنوي؛ مما يجعل الصين ثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية مُجتمعة، كما بلغ حجم الاستثمار الصيني المُباشر في الدول العربية 1.26 مليار دولار في عام 2017م أيضًا بزيادة 9.3% على أساس سنوي، وبالتالي رأينا بناء المجمع الصناعي الصيني في مدينة جازان الاقتصادية في السعودية، والمجمع الصناعي الصيني بالدُقم في سلطنة عمان، والحديقة النموذجية للتعاون في الطاقة الإنتاجية بالإمارات، ومنطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري الصيني المصري، ومنطقة تنمية التعاون الزراعي بين الصين والسودان. 
لم يقتصر التعاون العربي الصيني على الشئون الاقتصادية فقط، بل امتد أثره إلى الجانب الثقافي، حيث لعبت معاهد كونفوشيوس دورًا فريدًا في تعميق التعاون بين كل من الصين والدول العربية، كما أصبحت معاهد كونفوشيوس نوافذ مُهمة لمعرفة الدول العربية بالصين، وقد أنشأت الصين 12 معهدًا، و4 فصول دراسية كونفوشيوسية في تسع دول عربية، وقامت بأعمال التدريب الأكاديمي لـ70 ألف طالب.
إن إحياء مشروع الحزام والطريق من قبل الرئيس الصيني شي جين بينغ يؤكد إدراكه الجيد لأهمية هذا الطريق التاريخي، والدور الذي سبق له أن لعبه في التواصل بين الصين، وغيرها من دول العالم، لا سيما الدول العربية. هذا الدور التاريخي نلحظه- على سبيل المثال- فيما قاله وزير الإعلام العماني الأسبق عبدالمنعم الحسني في شهر سبتمبر الماضي: إن النُصب التذكاري للملاح الصيني العظيم تشنغ خه يقع في مُحافظة ظفار العمانية، كما يقع النُصب التذكاري لسفينة "صحار" العمانية في قوانغتشو الصينية، ويقف النصبان كشاهد للازدهار المُشترك للحضارتين العربية والصينية خلال التبادل والتلاحم، ويرويان القصص المُؤثرة للتبادلات التجارية البحرية بين الجانبين المُمتد لألف عام في مواجهة تحديات الفقر والجوع، والمرض، والحرب، وتغيّر المناخ.
إذن، فنظرة الرئيس الصيني للتاريخ، وتأمله فيه هي التي جعلته يفكر في إعادة إحياء هذا الطريق المُهم الذي سيعيد العلاقات بين الصين، والدول العربية، بل وغيرها من دول العالم إلى طبيعتها، وقوتها الوثيقة السابقة؛ الأمر الذي سيعود على الجميع بالكثير من الرخاء في مواجهة سياسات الإفقار الرأسمالية التي تقودها الولايات المُتحدة الأمريكية ضد الجميع، وهو الأمر الذي يؤكد عليه الجانب العربي، ولنتأمل قول نجلاء الزرعوني- باحثة من مركز تريندز للبحوث والاستثمارات الإماراتي: إن مُبادرة الحزام والطريق من أهم المُبادرات في عصرنا بالنسبة للعالم العربي، وتُعد المُبادرة أهم وأبرز الجوانب للتعاون العربي الصيني، كما تعكس السعي المُشترك للجانبين على مدى السنين، وتتوافق مع المصالح المُشتركة للجانبين، وستساعد الدول العربية على تحقيق التنمية المُستدامة بما يأتي بمنافع ملموسة لشعوب الجانبين.
هذا التوافق بين الدول العربية والصين، والثقة في أن مشروع الحزام والطريق هو في صالح الجميع في نهاية الأمر، وليس في صالح جهة واحدة كما يروّج الآخرون لذلك، يتضح لنا جليًا في حديث الأمين العام المُساعد لجامعة الدول العربية خالد منزلاوي، الذي أكد أن الصين قد نفذت أكثر من 200 مشروع كبير في إطار "الحزام والطريق" في مجالات البنية التحتية والطاقة. 
إن الأهمية السياسية والاقتصادية لمُبادرة الصين المُهمة لها مكانة خاصة لدى النظام السياسي المصري، وهو ما انعكس في مُشاركة رئيس مجلس الوزراء المصري، مُصطفى مدبولي، نيابة عن الرئيس المصري في فعاليات الدورة الثالثة "لمُنتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي" بالعاصمة الصينية، بكين، مُنذ أربعة أيام فقط، حيث أكد مدبولي في كلمته أن مصر والصين تربطهما روابط تاريخية مُنذ العصور القديمة، حيث كان طريق الحرير بمثابة الجسر الذي ربط بين آسيا وإفريقيا، لافتًا إلى أن إعادة إحياء ذلك الممر المُهم من خلال مُبادرة "الحزام والطريق" مُنذ عقد من الزمان تُمثل تطورًا مُهمًا يعزز الترابط بين مُختلف دول المُبادرة، وشعوب العالم، كما يدفع التعاون المُشترك إلى تحقيق التنمية والتقدم للجميع.
كما أشار رئيس الوزراء إلى نتائج التعاون بين مصر والصين، والتي كان من أهمها تنفيذ مشروع إنشاء القطار الكهربائي للعاشر من رمضان في إطار خطة شاملة لربط المناطق والأقاليم المصرية ببعضها، وكذا ربطها بالمسارات التجارية الدولية لتسهيل حركة النقل والتجارة قائلًا: يشهد على ذلك ما تم إنجازه من مشروعات لتطوير الطرق والموانئ البحرية، والجوية، والممرات الملاحية، بما في ذلك تدشين مشروع قناة السويس الجديدة، بالإضافة إلى مشروعات توليد الطاقة الكهربائية من المصادر المُتجددة، وإنتاج الهيدروجين الأخضر، كذلك مشروعات الربط الكهربائي بين مصر وغيرها من الدول المجاورة، ونقل وتخزين وتداول الطاقة.
إن تأمل التعاون المُشترك بين كل من الصين وغيرها من دول العالم، لا سيما الدول العربية، من خلال مُبادرة الرئيس الصيني يؤكد- بعد مرور عشر سنوات من إطلاق المُبادرة- أهمية ما ذهب إليه الرئيس الصيني في طرحها، أو محاولة تجديد طريق الحرير مرة أخرى، حيث عاد الأمر، وما زال مُستمرًا بالكثير من الفوائد الاقتصادية على الجميع، أي أن الفائدة هنا ليست مُقتصرة على الجانب الصيني فقط، بل على جميع شركائها؛ الأمر الذي يؤكد أهمية الرؤية الاقتصادية والسياسية للرئيس الصيني الذي طرح المُبادرة في مواجهة سياسات الإفقار العالمية التي تتم مُمارستها.