رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكنيسة المصرية وفلسطين «2»

مر بنا فى المقال السابق مدى تاريخية ارتباط الكنيسة القبطية بفلسطين «الأراضى المقدسة» منذ بدايات انتشار المسيحية. وترتب على ذلك نشأة إيبارشية الكرسى الأورشليمى للأقباط الأرثوذكس، التى ما زالت تلعب دورًا مهمًا داخل الكنيسة المصرية حتى الآن. كما شهدنا مسارات الزيارة المقدسة للأقباط إلى فلسطين، سواء عبر القافلة البرية، أو بحرًا من ميناء دمياط إلى ميناء يافا على الساحل الفلسطينى، ومن يافا برًا إلى القدس.

وفى القرن التاسع عشر، ازدادت أهمية الطريق البحرى إلى القدس مقارنةً بالطريق البرى، ويرجع ذلك بطبيعة الحال إلى الاستقرار الأمنى فى شرق البحر المتوسط آنذاك مع توقف أعمال القرصنة، فضلًا عن التطور فى وسائل النقل البحرى. من هنا ازداد الوجود القبطى فى يافا، حيث تم إنشاء دار للمطران وكنيسة، فضلًا عن بعض الدور لإقامة الزائرين الأقباط فيها قبل انتقالهم إلى القدس. وقد اشتهرت المبانى القبطية فى يافا بروعة مبانيها وجمال حدائقها، وكانت تُعرف عند مطلع القرن العشرين باسم «البيارة القبطية» نظرًا للحدائق حولها.

ولا نملك أرقامًا دقيقة حول تعداد الأقباط فى فلسطين؛ إذ يُقَدِّر الأنبا باسيليوس، المطران القبطى للقدس، عدد الأقباط فى كل فلسطين فى عام ١٩٤٨ بحوالى عشرة آلاف نسمة، وهو رقم مبالغ فيه بعض الشىء. ويُقَدِّر مصدر آخر عدد الأقباط فى القدس فى خمسينيات القرن العشرين بحوالى خمسمائة نسمة. ويرى هذا المصدر أن هذا الرقم قد ارتفع ليصل إلى حوالى ألف نسمة فى عام ١٩٧٠. وكما لا نملك أرقامًا دقيقة حول مُجمَل أعداد الجالية القبطية فى القدس، لا نملك ذلك أيضًا بالنسبة لأعداد الكهنة الأقباط فى القدس؛ ففى مطلع القرن العشرين كان هناك خمسة من الكهنة الأقباط فى القدس لخدمة خمس كنائس، وثلاثة هياكل، بالإضافة إلى ثلاثة كهنة فى يافا. ويرى البعض أن فترة حكم محمد على للشام، على الرغم من قصرها، أسهمت فى ازدياد وتأكيد الوجود القبطى فى فلسطين والشام بصفة عامة. كما شهدت فترة الأربعينيات من القرن العشرين موجة جديدة من هجرة بعض الأقباط إلى القدس وفلسطين بشكل عام.

ترتب على هذا وجود بعض المنشآت ذات الطابع الدينى، وأيضًا المدنى. ولعل أشهر هذه الأمثلة جميعًا المدارس القبطية فى القدس؛ إذ أنشأت البطريركية فى عام ١٩٤٧ الكلية الأنطونية للبنين. ويرجع إنشاء هذه الكلية «المدرسة» إلى الازدياد النسبى للأقباط فى القدس، فضلًا عن التنافس بين الكنائس المسيحية المختلفة على تقديم الخدمات الاجتماعية والدينية. ولا أدل على ذلك من أن الكلية فتحت أبوابها لأبناء الطوائف الأخرى. وفى مرحلة لاحقة سيتم إنشاء كلية الشهيدة دميانة للبنات. 

ومن المؤسسات القبطية ذات الطابع المدنى- وإن ارتبطت بشكل أو بآخر بالناحية الدينية- إنشاء جمعية خيرية اجتماعية لرعاية الوجود القبطى فى فلسطين؛ ففى عام ١٩٤٤ تأسست فى القاهرة «رابطة القدس للأقباط الأرثوذكس». ورسمت الرابطة أهدافها فى: الحفاظ على تراث الأقباط فى الأراضى المقدسة، وتيسير إجراءات الزيارة المقدسة إلى القدس، هذا فضلًا عن تدعيم الكنائس والأديرة والمدارس القبطية. كما لعبت الرابطة دورًا مهمًا فى جمع التبرعات لصالح المؤسسات القبطية فى القدس.