رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللواء أيمن حب الدين: السوفيت درّبوا كتائبنا على فك وتركيب حائط الصواريخ فى 6 ساعات.. والفريق فهمى قال لنا: «أمامكم 35 دقيقة فقط»

اللواء أيمن حب الدين
اللواء أيمن حب الدين

- عملية إنشاء الدفاع الجوى فى مصر شملت تجميع الرادارات ونقاط المراقبة وتأسيس مراكز قيادة وكتائب صواريخ

- القيادة السياسية قررت عدم إشراك القوات الجوية فى معركة الاستنزاف لتجهيزها لمعركة 73

- حرب الاستنزاف ابتكار مصرى لم يحدث من قبل وهدفها عدم ترك الموقف ساكنًا وتكبيد العدو الخسائر

- الإعلام المصرى كان له دور كبير فى توصيل رسائل للطرف الآخر بخسائره ورفع معنويات جنودنا

- عبدالناصر اجتمع مع قادة الاتحاد السوفيتى وقال لهم: «قد فاض بى الكيل» لدفعهم إلى منحنا أسلحة حديثة

- السوفيت كانوا يعطوننا أسلحة قديمة وقطع غيار ناقصة لنكون فى احتياج دائم لهم

اللواء أيمن حب الدين، واحد من أبطال حرب أكتوبر ١٩٧٣، بدأ مسيرته العسكرية بتخرجه فى الكلية الحربية سنة ١٩٦٢، وانضم إلى سلاح الدفاع الجوى، الذى كان مساهمًا أساسيًا فى تحقيق الانتصار فى حرب أكتوبر.

فى حواره مع الكاتب الصحفى الدكتور محمد الباز، عبر برنامج «الشاهد» على قناة «إكسترا نيوز»، يكشف اللواء حب الدين كيف بنى الجيش المصرى سلاح الدفاع الجوى، وكيف نجح فى إنشاء حائط الصواريخ، وما التحديات التى واجهت القوات المسلحة خلال تحقيق ذلك الإنجاز.

 

■ بداية.. كيف كانت الفترة من ١٩٦٢ حتى ١٩٦٧؟

- تخرجت فى الكلية الحربية يناير عام ١٩٦٢، واستُدرجنا للحرب فى ٦٧ لكن لم نحارب، حيث انتقل الجيش إلى سيناء بصورة دعائية.

والولايات المتحدة الأمريكية حذرت مصر من ضرب إسرائيل وكذلك الاتحاد السوفيتى، بعد النكسة كان شعور المصريين بالانكسار مريرًا والقوات المسلحة كانت تحارب حتى آخر لحظة.

■ فى فبراير ٦٨ صدر قرار جمهورى بتأسيس قوات الدفاع الجوى.. كيف كانت أجواء هذا القرار؟

- فى البداية.. تم الاستعجال فى تخرج دفعتى عام ٦٢؛ حتى يتم ضمنا لكتائب الصواريخ المستوردة من روسيا، وبالفعل انضممت لكتيبة الصواريخ فى أغسطس ٦٢ بعد أيام من تخرجى، وكنا أقوى كتائب الدفاع الجوى التى تم تخريجها بعد الحصول على تدريب عملى ونظرى ومعلوماتى، وكانت الـ١٢ كتيبة التى تم تدريبها هى أساس سلاح الدفاع الجوى فى المستقبل، ولم نشارك فى حرب اليمن، وكل من شارك فى حرب اليمن انضم إلينا بعد تكوين ١٢ كتيبة للصواريخ بالدفاع الجوى.

وفى عام ١٩٦٥ تم تشكيل كتائب أخرى بمعدات حديثة انضمت لسلاح الدفاع الجوى، وأصبحت هناك ٢٨ كتيبة صواريخ، وأعطت روسيا لنا إمكانات متواضعة فى التسليح، حيث كان الحد الأدنى للاشتباك أقل من ٢ كيلو حتى ٢٧ كيلو، لذلك إسرائيل فى ٦٧ تغلبت علينا، حيث جاءت الطائرات الإسرائيلية على ارتفاع منخفض أقل من ٢ كيلو، وكانت إسرائيل لديها استطلاع لكل الكتائب فى القاهرة والسويس والإسكندرية وأسوان.

وعندما خدعت أمريكا مصر بأن هناك حشودًا على الجبهة السورية من إسرائيل، تم استدراجنا للحرب فى ٦٧ لكن لم نحارب، ونتيجة للحس القومى والعربى تمت الدعوة للتعبئة العامة، وانتقل الجيش لسيناء بصورة دعائية وليست عملية، واستغلت إسرائيل ذلك ضدنا، وأشاعت أن المصريين سيهجمون عليها، واكتسبت تعاطف العالم، ونحن كمصر ساعدنا على ذلك، لأن الدعاية من الإعلام والأخبار ساعدت على ذلك، مثلًا «الأهرام» كانت تنشر مقالة أسبوعية ضد إسرائيل، وكان هذا هو الجو العام فى هذا الوقت. 

وفى يوم ٥ يونيو ٦٧ كنت فى موقع الصواريخ بمنطقة عيون موسى شرق القناة، وضربت إسرائيل مصر على ارتفاع منخفض، وفى نفس الوقت حذرت أمريكا مصر من الهجوم على إسرائيل، وكذلك الاتحاد السوفيتى، وبلعت مصر الطعم، وتم ضرب سلاح الطيران، وتم نقلنا من موقعنا ولم ننسحب، ورجعنا لغرب القناة، ولم ننصب الصواريخ مرة أخرى، وفى مرحلة الرجوع قابلنا شباب السويس الجامعيون بالطعام والمياه، وتولد لدينا شعور بضرورة تحرير سيناء.

وبعد النكسة كان شعور المصريين بالانكسار مريرًا والقوات المسلحة كانت تحارب حتى آخر لحظة حتى دون إمداد أو اتصال، ومن عاد من سيناء سيرًا على الأقدام تعرض لإهانة من الإسرائيليين، وجميع من عاد من سيناء بعد النكسة كان يحتاج لعلاج نفسى، بعد ما شاهده، ولم يكن هناك جيش متماسك فى هذه اللحظة، ولكن بعد استدعاء قواتنا المشاركة فى حرب اليمن، تم رفع روح المقاتلين لحد ما، وكذلك تم رفع الروح المعنوية بعد ضربات القوات الجوية فى ١٧ و١٨ يوليو، وشعر جميع من فى الجيش بالأمل.

■ كيف كان مسار بناء القوات المسلحة بشكل كامل بعد النكسة؟

- كان هناك مساران أولهما الشعب، بالالتفاف مرة أخرى حول الزعيم جمال عبدالناصر ورفضه التنحى، وعلى المسار الآخر كان الجيش يعيد بناء نفسه من جديد، وتزامن مع ذلك ضرب إيلات الإسرائيلية، الذى رفع الروح المعنوية، وكان هناك عنصر خديعة كبير فى هذه العملية، حيث كانت المدمرة إيلات تسير أمام بورسعيد لاستفزاز القاعدة البحرية هناك، وتواصل قائد القاعدة البحرية مع قيادته، وتم رفع الأمر للقيادة العامة، وتم إرسال إشارة عامة مفتوحة بعدم ضرب إيلات حتى لو دخلت المياه الإقليمية المصرية، وفى نفس التوقيت تم إرسال إشارة مشفرة بضرب إيلات فى حالة دخولها المياه الإقليمية، وبالفعل بلع العدو الطعم وتم استدراجه للمياه الإقليمية، وتم ضرب وإغراق إيلات بضربة مزدوجة.

بعد وقف إطلاق النار كل جانب كان يعمل على تحصين نفسه، وكان كل جانب ينظم صفوفه، وفى هذه الفترة تم إنشاء قوات الدفاع الجوى فى فبراير ٦٨ بقرار جمهورى، لتتولى العمليات فى أول يوليو ٦٨، وكان هذا السلاح مشتركًا بين القوات الجوية والمدفعية قبل ذلك، وكان هناك ازدواج فى القيادة قبل ذلك، لتتوحد القيادة بعد ذلك فى سلاح الدفاع الجوى.

■ كيف تم بناء مؤسسة الدفاع الجوى؟

- عملية إنشاء الدفاع الجوى فى مصر شملت تجميع الرادارات التى تكشف الجو بشكل كامل، وتعطى إنذارات فى حالة حدوث شىء ما، ونقاط مراقبة للنظر من أجل مساعدتها، وتم تأسيس مراكز قيادة بهدف متابعة الرادارات، ثم كتائب الصواريخ والمدفعية والرشاشات، وكل ذلك يربطه مركز قيادة مشترك مع القوات الجوية لتحقيق التعاون.

وكانت عملية تأسيس الدفاع الجوى فى مصر معقدة وليست سهلة إطلاقًا، ولكن تم تشكيلها فى ٤ أشهر فقط فى عام ١٩٦٨، وكان الهدف الرئيسى منها تنظيم العمل بين القوات الجوية والدفاع الجوى.

■ ماذا عن التحديات التى واجهت الدفاع الجوى بعد حرب ١٩٦٧؟

- فى ٢٨ نوفمبر ١٩٦٧، كنت ضمن أول كتيبة صواريخ على الجبهة، لكنها لم تكن كافية لردع العدو فى ذلك الوقت، وبعد حرب ١٩٦٧، بدأ كل جانب فى تجهيز نفسه جيدًا لما هو قادم، وتطور الجيش المصرى بعد ذلك بطريقة ليست هينة.

وفى ٨ مارس ١٩٦٩ نفذ الجيش المصرى هجومًا مدفعيًا على العدو فى المنطقة الشرقية، وأحدث به خسائر بالغة، وفى ١٠ مارس، اقتحمت مجموعة «١٣٩ قتال» الموقع الذى أطلق القذائف المدفعية التى أصابت الشهيد عبدالمنعم رياض وأدت لاستشهاده وتم نسفه تمامًا، وتعد هذه أبرز العمليات الناجحة التى نفذها الجيش المصرى فى ٦٩.

■ حقق الجيش المصرى نجاحًا كبيرًا فى حرب الاستنزاف.. كيف تم ذلك؟

- حرب الاستنزاف تعتبر ابتكارًا مصريًا لم يحدث فى أى حرب من قبل، وكان الهدف منها عدم ترك الموقف ساكنًا، وتزويد الخسائر فى جانب العدو، وبناء ثقة لدى الجندى المصرى.

الإعلام المصرى كان له دور كبير فى هذه الحرب؛ لأنه من ضمن خطة الحرب توجيه الإعلام كل ما يحدث فى هذه الحرب، وتوصيل الرسالة للطرف الآخر بخسائره، ورفع معنويات الجيش المصرى بأنك قادر على الفوز بهذه الحرب.

■ ما سر نجاح الدفاع الجوى فى اصطياد طائرات العدو الإسرائيلى فى ٦٩؟

- الدفاع الجوى لم يكن قادرًا على مواجهة إسرائيل فى ١٩٦٩، فكان الحل الأمثل للجيش المصرى هو إعداد كمائن لاصطياد طائرات العدو، وحدث هذا يوم ٩ سبتمبر ٦٩ فى العين السخنة، ولكن تم اكتشاف الكمين من العدو وفشل الأمر.

الجيش المصرى جهز كمينًا آخر فى عجرود، فى ٢١ سبتمبر ١٩٦٩، واستطاع تدمير ٣ طائرات للعدو فى بداية الأمر، وكان ذلك يُعد إنجازًا كبيرًا للجيش المصرى فى ذلك الوقت، وبعد ذلك أعددنا حائط الصواريخ، الذى كانت مهمته الدفاع عن الجيشين الثانى والثالث.

■ وكيف تعاملت مصر مع نقص الإمكاناات فى مواجهة سلاح الطيران الإسرائيلى؟ 

- لم تكن مصر قادرة على مواجهة سلاح الطيران الإسرائيلى بعد ١٩٦٧، وقد أيقنت القيادة المصرية المتمثلة فى الرئيس جمال عبدالناصر ذلك، ولم تكن روسيا تمد مصر بالسلاح، على الرغم من أنها حليف لها، فى حين أن أمريكا كانت حليفة إسرائيل وتمدها بأحدث الأسلحة. 

■ ماذا فعلت القيادة السياسية لحل أزمة الأسلحة المصرية؟

- فى البداية حدث اجتماع للكنيست الإسرائيلى وقرر زيادة الضغط على مصر حتى تسمع القيادة السياسية فى القاهرة صوت القنابل والدانات الإسرائيلية أثناء نزولها، فيجبرها ذلك على الدخول فى المباحثات المباشرة مع إسرائيل، ومن ثم تم تنفيذ غارات على بحر البقر ودهشور، أى أصبح العدو الإسرائيلى يضرب فى العمق المدنى، وهو ما دفع رئيس الجمهورية جمال عبدالناصر إلى السفر ومعه وزير الدفاع إلى روسيا فى ٢٥ يناير ١٩٧٠، واجتمع مع القيادة فى روسيا، وقال إنه قد فاض به الكيل، وسيبدأ فى ترك الاتحاد السوفيتى ويذهب إلى أمريكا لحل المشكلة، وبالتالى أدرك الاتحاد السوفيتى أنه سيخسر الكثير بفضه التحالف معنا.

الرئيس جمال عبدالناصر قال للقيادة الروسية أنتم لا تعطوننا أسلحة، ونحن بحاجة إلى سلاح وطائرات وصواريخ وأسلحة هجومية، نحن لا نمتلك طائرات تذهب حتى إلى العريش.

■ ما تفسيرك لموقف الاتحاد السوفيتى بشأن عدم إمداد مصر بالأسلحة المطورة لمواجهة إسرائيل؟

- الاتحاد السوفيتى كان لديه هدفان استراتيجيان أساسيان من موقفه المتمثل فى عدم إمداد مصر بأسلحة حديثة لمواجهة الطيران الإسرائيلى، أولًا: تجربة السلاح الروسى القديم وتطويره على الجنود المصريين، حيث كنا نحن فئران التجارب.

أتذكر أنه عندما جاءت المعدات العسكرية عام ١٩٦٢ كانت عبارة عن أدراج فوق بعضها، وكان يوجد فى المنتصف مكان درج ليس موجودًا، وكل ما نسأل: الدرج ده بيبقى فيه إيه؟ يقال لنا نضع فيه «كوكاكولا»، وطبعًا الدرج ده لما المعدات تشتغل يخرج هواء ساخن، وكانوا يسخرون منا بقولهم إنهم يضعون فيه «الكوكاكولا». إن الاتحاد السوفيتى كان يتعمد منح مصر أسلحة قديمة وقطع غيار ناقصة، وهذه الأسلحة كان أداؤها أقل، والأسلحة المطورة كانوا ينزعون منها الجزء المطور ويعطونها لنا، وهذه الأسلحة هى التى أعطوها لنا حتى نحارب بها عام ١٩٦٧. 

الهدف الثانى للاتحاد السوفيتى من إمداد مصر بأسلحة قديمة هو إطالة أمد الحرب بين مصر وإسرائيل، بحيث يكون له حليف لتحقيق أهدافه. 

كان فكر الاتحاد السوفيتى الاستراتيجى هو ألا يجعلنا نهاجم، كانوا لا يعطوننا سلاحًا هجوميًا بالمرة، وحرب ١٩٧٣ تمت بالسلاح الدفاعى ضد السلاح الهجومى لإسرائيل.

■ هل وافق الاتحاد السوفيتى على طلبات الرئيس جمال عبدالناصر حينها؟ 

- الاتحاد السوفيتى وافق على جزء كبير من طلبات مصر خلال سفر الرئيس جمال عبدالناصر لطلب أسلحة من القيادة الروسية. 

والاتحاد وافق على إعطاء مصر ٩١ طائرة ميج ٢١ مطورة، وليست مثل تلك التى كانت لدينا، كما وافق على إمدادنا بـ٧٥ كتيبة صواريخ مطورة، كما وافق على إمدادنا بصواريخ سام ٣، إضافة إلى صواريخ تعمل على ارتفاع منخفض يتراوح من ٥٠ مترًا إلى ١٠٠ متر، وأعطانا معدات حرب إلكترونية، حيث لم نكن نمتلك معدات حرب إلكترونية إطلاقًا، فالعدو كان يدخل ويجرى تشويشًا علينا، لكننا لم نكن نستطيع عمل تشويش عليه، وهو ما كان يمثل إضافة نوعية لما كنا عليه.

كنا نفتقر إلى الأطقم التى سنعمل عليها، حيث يوجد ٢٨ طاقم كتيبة فقط، وعملت إدارة التجنيد على تجنيد المؤهلات العليا من خريجى الهندسة والعلوم؛ من أجل العمل على هذه المعدات والتعجيل من عملية الاستعداد.

■ متى وصلت المعدات من روسيا إلى مصر؟ 

- هذه المعدات بدأت تأتى من أبريل عام ١٩٧٠، كل هذه المعدات دفاعية وليست هجومية، لكن الاتحاد السوفيتى طلب من وزير الدفاع المصرى ١٥٠ موقعًا محصنًا فى الجبهة، كما طلب ١٥٠ موقعًا تبادليًا لهم، بالإضافة إلى ١٥٠ موقعًا هيكليًا، أى أنه كان يريد ٤٥٠ موقعًا خلال ٣ أشهر.

وزير الدفاع عاد إلى مصر وجند كل ما يمكن تجنيده، هو لم يستطع تنفيذ كل المواقع، لكنه نفذ مواقع كثيرة، فجاءت المعدات، ومن ثم بدأت عملية التطقيم، وبدأ كل طقم فى الذهاب إلى الإسكندرية؛ لأخذ المعدات من المركب، ومن ثم الاتجاه بها نحو مركز التدريب الذى يتولى تعليمه وتدريبه حتى يتم التأكد من قدرته على العمل.

وفى أبريل ١٩٧٣، جاء قائد الدفاع الجوى، وقال إننا نريد تنفيذ حائط صواريخ بتفكير مصرى، وفى حاجة إلى ١٢ كتيبة، فاجتمع مع أقدم وأفضل ١٢ كتيبة كان قد اختارها مع قاداتها، وقال لهم إننا سننفذ حائط صواريخ ونريد كل كتيبة أن تكون جاهزة لفك معداتها وتنتقل وتعيد التركيب مرة أخرى فى ٣٥ دقيقة، والروس كانوا يقولون إن المهمة تستغرق ٦ ساعات، لكن قائد دفاعنا الجوى كان يريدها ٣٥ دقيقة. 

قائد واحد فقط الذى أعلن عن جاهزيته لهذه المهمة، والـ١١ الباقون اعترفوا بعدم قدرتهم على ذلك، وبالتالى كان هذا يمثل مشكلة، فكانت تعليمات الفريق محمد على فهمى، قائد قوات الدفاع الجوى حينها، بتدريبهم حتى يصلوا إلى أقل زمن فى التركيب.

■ ما سر الـ٣٥ دقيقة التى حددها قائد الدفاع الجوى؟

- قائد الدفاع الجوى حدد ٣٥ دقيقة فقط، لأن هذا التوقيت يمثل زمن رد فعل العدو الإسرائيلى عندما يريد ضرب موقع، فعندما يكتشف العدو الإسرائيلى موقعًا ويريد ضربه، فإنه يستغرق ٣٥ دقيقة، فكان من المفترض على الجنود المصريين أن ينهوا مهمتهم ويغادروا قبل انتهاء هذا التوقيت، وبالفعل تم تحقيق هذا الزمن بعد ذلك والكل نجح فى تحقيقه، حيث إننا لم نسر على نفس النمط الروسى، إنما أحدثنا نوعًا كبيرًا من التطوير.

والرئيس جمال عبدالناصر علم أن هناك ١١ كتيبة غير جاهزة فى ذلك التوقيت، لتركيب معدات حائط الصواريخ فى ٣٥ دقيقة، فاجتمع مع أربع من قيادات الكتائب، وكان أبرز ما دار فى حواره معهم أنه يريدهم أن يتوددوا إلى الروس لأخذ ما يمكن أخذه من تدريبات، لكنه شدد على ضرورة ألا يكون أحد من الجنود شيوعيًا.

■ هل كان الروس أمناء فى تدريباتهم للمصريين؟ وإذا كان العكس ما مظاهر عدم أمانتهم؟ 

- الروس لم يكونوا أمناء فى تدريباتهم للمصريين، وجربت ذلك بنفسى، فقد كنت قائد كتيبة ومعى خبير روسى، حيث كانت تتبدى عدم أمانته فى أن كل همه هو أن يرى قائد الكتيبة ماذا يفعل طيلة اليوم، ويكتب ويبلّغ، على سبيل المثال كنت أنا قائد كتيبة صواريخ، وعندما يأتى لى خبير روسى فى الرشاشات لا أفهم شيئًا مما يفعله، وعندما نسأله عن شىء يقول: «حاضر هسأل وأقول لك»، ومن الممكن أن يقول، لكنه يقول أشياء لا نفهمها، كما أنه كان يوجد نوع من التجسس علينا.

الرئيس جمال عبدالناصر عقد اجتماعين، الأول خلص بأننا غير جاهزين، ومن ثم أعطى فترة أسبوع للاجتماع الثانى، وما بين الاجتماعين تمت دراسة كيفية محاربة الفيتناميين الأمريكان، وأخذنا من فكرهم لتنفيذ الكمائن.

■ كيف استفدتم من تجربة المقاومة الفيتنامية ضد الأمريكان؟ 

- كان من المفترض أن ينتهى الجنود المصريون من حائط الصواريخ فى يوم ٢٣ أبريل ١٩٧٠، لكن تم تأجيل ذلك لعدم جاهزيتهم، ومن ثم تم البدء بالعمل بأسلوب فيتنام وهو الكمائن.

هناك قادة مصريون سافروا إلى فيتنام لمعرفة تجربة المقاومة ضد الأمريكان، لكن فيتنام كانت تحارب فى الغابات وكنا نحارب فى الصحراء، وهناك فرق كبير فى تطبيق تجربة الغابات على الصحراء، ونفذنا بعد ذلك كمائن، وكان أول كمين وراء مدينة الإسماعيلية، وكانت هناك اشتباكات بالمدفعية، فقد كانت إسرائيل تضرب ونحن نضرب أيضًا، ولضرب المدفعية لا بد من وضع نقطة مراقبة تصحح ضرب المدفعية، فخرجت طائرة إسرائيلية هليكوبتر لتصحيح ضرب المدفعية، فأسقطها الكمين، وكان هذا أول كمين يتم تنفيذه، كما كانت إسرائيل فى يوم الجمعة تخرج طائرة استطلاع على ارتفاع ١٢ كيلومترًا لاستطلاع الجبهة كلها، ففاجأها الكمين الثانى فى يوم ٢٤ مايو ١٩٧٠ وضربها فسقطت.

■ حدثنا عن عمليات الدفاع الجوى منذ حرب الاستنزاف حتى ملحمة أكتوبر؟

- بعد تعرض إسرائيل لخسائر كبيرة فى صفوفها، قررت إشراك القوات الجوية الخاصة بها لأول مرة، فكان أول تفكيرها فى استهداف قواعد الصواريخ الموجودة على خط القناة، وفى يوم ٢٤ يوليو ١٩٦٩، ضربت بالفعل أول موقع صواريخ فى بورسعيد، وثانى موقع كان فى العين السخنة، ثم ٤ مواقع فى الفترة من ٢٠ لـ٢٥ يوليو. قواعد الصواريخ المصرية فى ذلك الوقت لم تكن لها القدرة على صد الطيران الإسرائيلى، إضافة إلى حصول الإسرائيليين على الأسلحة الأمريكية وقدراتها الأعلى مما لدينا، كما أن القيادة السياسية فى ذلك الحين قررت عدم إشراك القوات الجوية فى معركة الاستنزاف، وتجهيزها لمعركة ٧٣، لأن سلاح الطيران كانت تنقصه طائرات وطيارون.