رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سند الأشقاء.. كيف تتحرك مصر لحماية الفلسطينيين وإقامة «دولة فلسطين المستقلة»؟

سند الأشقاء
سند الأشقاء

دور فاعل تلعبه الدولة المصرية لإنهاء الأزمات فى المنطقة العربية وإعادة الاستقرار، بما لها من قوة ومكانة، وما يضيفه لها موقعها الجغرافى ودورها التاريخى، وتستند السياسة الخارجية المصرية تجاه الأزمات فى المنطقة العربية إلى عدة مرتكزات، تتمثل فى الحفاظ على الأمن القومى المصرى، وما تمثله تلك الملفات من تهديد لأمن واستقرار مصر، بالإضافة إلى الالتزام التاريخى لمصر تجاه الدول العربية.

وظلت القضية الفلسطينية قضية مركزية بالنسبة لمصر، حيث بذلت العديد من الجهود لوقف إطلاق النار، وتجنب المزيد من العنف، وحقن دماء المدنيين الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطينى، الذين يدفعون ثمن مواجهات عسكرية لا ذنب لهم فيها، فضلًا عن الجهود الإنسانية التى قدمتها مصر من خلال فتح معبر رفح لاستقبال الجرحى والمصابين الفلسطينيين، والمساعدات الغذائية والدوائية للشعب الفلسطينى، بالإضافة إلى المبادرة الرئاسية لإعادة إعمار قطاع غزة بـ٥٠٠ مليون دولار، عقب العدوان على قطاع غزة «مايو ٢٠٢١»، بجهود الشركات المصرية.

ومن ثم، فقد أصبح الدور المصرى بعد ٢٠١٤، متعدد المحاور والأبعاد، ولا يقتصر على جهود التسوية السياسية وحدها.

الثوابت.. الالتزام بحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967

تحرص القيادة السياسية المصرية على التواصل الدائم مع الأطراف المَعنية بالقضية الفلسطينية، لا سيما رئيس السلطة الفلسطينية الرئيس محمود عباس أبومازن، والعاهل الأردنى، الملك عبدالله الثانى، وقد جمعتهم على سبيل المثال وليس الحصر فى ١٦ يناير ٢٠٢٣ «قمة ثلاثية» فى القاهرة، أكدوا خلالها حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧، عاصمتها القدس الشرقية، وضرورة وقف كل الاعتداءات الإسرائيلية، بالإضافة إلى تأكيد الوصاية الهاشمية على الحرم القدسى.

أيضًا حرصت الدولة المصرية على دعم كل الجهود الهادفة للتهدئة، فكانت المشاركة الفاعلة من القيادة السياسية فى ملتقى دعم القدس بالجامعة العربية، وقد شدد خلاله الرئيس السيسى على دعم صمود القدس، عصب القضية الفلسطينية، والقلب النابض للدولة الفلسطينية، موضحًا أن القانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة المحورية اختصت الوضع القانونى لمدينة القدس، استنادًا لتأكيد مجلس الأمن أنه «لا يجوز الاستيلاء على الأرض بالقوة، وأن جميع الإجراءات التشريعية والإدارية التى اتُخذت من قبل إسرائيل، باعتبارها قوة احتلال، والتى يمكن أن تغير من معالم أو وضع المدينة المقدسة، ليست لها صلاحية قانونية وتمثل انتهاكًا صارخًا لاتفاقية جنيف الرابعة».

وشاركت مصر ونظمت مؤتمرى العقبة وشرم الشيخ، وكلاهما شدد على ضرورة التهدئة، والسير باتجاه حل الدولتين، وتطبيق القرارات الدولية.

فى السياق ذاته، دائمًا ما يؤكد الرئيس السيسى خلال لقاءاته مع المسئولين الفلسطينيين وعلى رأسهم الرئيس محمود عباس، عددًا من الثوابت، وتشمل: مواصلة مصر مساعيها الدءوبة من أجل دعم حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية، ودعم القاهرة التوصل لتسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية، من شأنها أن تدعم استقرار المنطقة وتسهم فى الحد من الاضطراب الذى يشهده الشرق الأوسط.

وفى كل بيان، لا سيما البيانات الصادرة عن وزارة الخارجية، تؤكد مصر أن «الإخوة الفلسطينيين يخوضون معركة وجود، دفاعًا عن مقدساتهم وبيوتهم، فى وجه هجمات إسرائيلية جديدة تستهدف حقوقهم فى الأرض التى ولدوا عليها»، مع التنديد الدائم بما حدث فى المسجد الأقصى المبارك، واعتبار ذلك استفزازًا لمشاعر العرب والمسلمين جميعًا.

ولم يتوقف الدور المصرى عند ذلك، فعقب عدوان مايو ٢٠٢١، كانت هناك توجيهات من الرئيس السيسى بنقل المرضى والحالات الحرجة للعلاج بالقاهرة، كما أرسلت «الهلال الأحمر» المصرى مواد إغاثية ومستلزمات طبية إلى القطاع، وقامت وزارة الصحة المصرية بتجهيز ٣ مستشفيات هى: «العريش والشيخ زويد وبئر العبد»، لاستقبال الجرحى والمصابين القادمين من قطاع غزة عبر ميناء رفح البرى، وتزويدها بـ٤٦ طبيبًا من الإخصائيين فى جراحات الطوارئ من الرعاية العاجلة بوزارة الصحة و١٣ ممرضًا من المؤهلين للتعامل مع حالات الطوارئ.

وتم توزيع ٥٠ سيارة إسعاف مجهزة فى معبر رفح، بالإضافة إلى الدفع بـ٥٠ سيارة أخرى كدعم احتياطى من محافظات «الإسماعيلية، الشرقية، بورسعيد، جنوب سيناء، والسويس»، وذلك بالإضافة إلى طاقم مرفق إسعاف المحافظة، والذى يضم ٦٥ سيارة إسعاف.

وإثر العدوان المتكرر، الذى أوقفته مصر وصولًا لوقف إطلاق النار بعد ١١ يومًا فى مايو ٢٠٢١، وبعد ٣ أيام فقط فى أغسطس من العام التالى، تحركت كل الهيئات المصرية لدعم الشعب الفلسطينى، وأطلق الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، حملة بكل لغات العالم لدعم القضية الفلسطينية، وطالب الخطباء حينها، بتوحيد الصف العربى لمواجهة الانتهاكات الإسرائيلية.

الوساطة وإعادة الإعمار.. إحلال الهدنة فى غزة مرتين.. و500 مليون دولار لإزالة آثار العدوان

فى مايو ٢٠٢١، ومع القصف الإسرائيلى على قطاع غزة، توجت المساعى المصرية بإحلال الهدنة ووقف إطلاق النار غير المشروط هناك. وآنذاك، وقبل ساعات قليلة من الإعلان عن الهدنة، تلقى الرئيس عبدالفتاح السيسى اتصالًا من الرئيس الأمريكى جو بايدن تناول التباحث وتبادل الرؤى حول مستجدات القضية الفلسطينية وسبل التعاون من أجل وقف العنف والتصعيد فى ظل التطورات الأخيرة.

وقد أعرب الرئيس الأمريكى، حينذاك، عن تقديره وتثمينه جهود الرئيس الحثيثة مع جميع أطراف القضية، وهى التحركات التى تتسم بالاتزان والحكمة من أجل تحقيق الأمن والسلام للمنطقة بأسرها، وهو ما يرسخ دور مصر التاريخى والمحورى فى الشرق الأوسط وشرق المتوسط وإفريقيا لدعم الاستقرار وتسوية الأزمات، وهو الدور الذى تدعمه وتعول عليه الإدارة الأمريكية فى المساهمة فى احتواء التصعيد ووقف العنف.

وأكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال الاتصال الهاتفى، أهمية تكاتف جميع الجهود الدولية فى الوقت الراهن لاحتواء التصعيد الخطير فى الأراضى الفلسطينية، مشددًا على موقف مصر الثابت فى هذا الصدد بالتوصل إلى حل جذرى شامل للقضية الفلسطينية يضمن حقوق الشعب الفلسطينى المشروعة والطبيعية كسائر شعوب العالم فى إقامة دولته وفق المرجعيات الدولية، ومن ثم إنهاء حالة العنف والتوتر المزمنة فى المنطقة وتحقيق الأمن والاستقرار بها. 

وتكرر الجهد المصرى، وأثمر عن نجاح التوصل لوقف إطلاق النار، فى أغسطس ٢٠٢٢، بعد ٣ أيام.

ومنذ منتصف ٢٠٢١، أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى عن تقديم مبلغ ٥٠٠ مليون دولار لصالح عملية إعادة الإعمار فى غزة، ولم تتوقف المبادرة الرئاسية على تقديم الأموال، بل تم الإعلان، حسب الموقع الرسمى لرئاسة الجمهورية، عن قيام الشركات المصرية المتخصصة بالاشتراك فى تنفيذ عملية إعادة الإعمار.

وبعد الإعلان عن تقديم ٥٠٠ مليون دولار لإعادة إعمار غزة، شارك الرئيس فى العاصمة الفرنسية باريس فى قمة ثلاثية بقصر الإليزيه حول تطورات الأوضاع فى الأراضى الفلسطينية، وذلك مع كل من الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، والملك عبدالله الثانى بن الحسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية.

وجاء التأكيد المصرى عبر الرئيس السيسى، خلال هذه القمة الثلاثية، على أن لا سبيل من إنهاء الدائرة المفرغة من العنف المزمن واشتعال الموقف بالأراضى الفلسطينية إلا بإيجاد حل جذرى عادل وشامل للقضية الفلسطينية يفضى إلى إقامة دولة فلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية، يعيش ويتمتع بداخلها الشعب الفلسطينى بكامل حقوقه المشروعة كسائر شعوب العالم.

ومنذ ذلك الوقت أيضًا، عبّر أنطونيو جوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة، عن تقدير المجتمع الدولى البالغ مبادرة الرئيس الأخيرة الخاصة بدعم عملية إعادة الإعمار فى الأراضى الفلسطينية بمقدار ٥٠٠ مليون دولار ومن خلال الشركات المتخصصة المصرية.

ضد الانتهاكات.. مبادرة لوقف استفزازات حكومة نتنياهو

فى خضم الاعتداءات التى قامت بها إسرائيل منذ تولى حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ظل الموقف المصرى ثابتًا حيال حقوق الشعب الفلسطينى فى ظل قرارات الشرعية الدولية، وحل الدولتين. وطرحت الدولة المصرية فى أبريل الماضى مبادرة من ٣ خطوات بغرض فرض تهدئة بين الجانبين، ووقف التصعيد الإسرائيلى المستمر، مستندة إلى مخرجات اجتماعى العقبة وشرم الشيخ.

وقال السفير أسامة عبدالخالق، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة فى نيويورك، خلال جلسة النقاش المفتوح لمجلس الأمن بشأن الوضع فى الشرق الأوسط خاصة القضية الفلسطينية، حينذاك، إن الأوضاع فى الأراضى الفلسطينية تؤكد ما سبق التحذير منه أن استمرار الانتهاكات الحالية ينذر بالدخول فى دائرة مفرغة من العنف يدفع ثمنها المدنيون الأبرياء.

وتمثلت بنود المبادرة المصرية المذكورة فى تنفيذ ما تم التوافق عليه فى اجتماعى العقبة وشرم الشيخ، خاصة فيما يتعلق بوقف كل الإجراءات الأحادية المتمثلة فى التوسع الاستيطانى، وأعمال العنف ضد المدنيين، وعدم المساس بالوضع القانونى والتاريخى القائم بالأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية فى القدس الشرقية، واحترام وصاية المملكة الأردنية الهاشمية، وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطينى، وتحقيق المساءلة فى الانتهاكات التى يتعرض لها، وقد نجحت الهدن المصرية فى الحد من تفاقم الأوضاع رغم الممارسات الإسرائيلية المتكررة.

ما بعد «طوفان الأقصى».. جهود متواصلة لحلحلة الأزمة

حذرت الدولة المصرية فى بيان صادر عن وزارة الخارجية من مخاطر وخيمة للتصعيد الجارى بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، ودعت إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وتجنب تعريض المدنيين للمزيد من المخاطر، محذرةً من تداعيات خطيرة نتيجة تصاعد حدة العنف، الأمر الذى من شأنه أن يؤثر سلبًا فى مستقبل جهود التهدئة.

كما دعت القاهرة الأطراف الفاعلة دوليًا، والمنخرطة فى دعم جهود استئناف عملية السلام إلى التدخل الفورى لوقف التصعيد الجارى، وحث إسرائيل على وقف الاعتداءات والأعمال الاستفزازية ضد الشعب الفلسطينى، والالتزام بقواعد القانون الدولى الإنسانى فيما يتعلق بمسئوليات الدولة القائمة بالاحتلال.

وبدأ الرئيس عبدالفتاح السيسى، ووزير الخارجية سامح شكرى، إجراء اتصالات مكثفة مع عدد من المسئولين الدوليين، للعمل على وقف التصعيد الجارى بين الفلسطينيين والإسرائيليين.