رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الطريق إلى أكتوبر «3»

 

تابعنا فى المقالين السابقين سلسلة الهزائم العربية أمام إسرائيل، التى بدأت بحرب ٤٨ ثم حرب ٦٧. وترتب على ذلك نشاط كبير لآلة الدعاية الإسرائيلية فى الترويج لأسطورة الجيش الإسرائيلى «الجيش الذى لا يُقهَر». وهنا وقعت على مصر- والعرب عامةً- مهمة إثبات زيف هذه الأسطورة.

وفى الحقيقة لا نستطيع إدراك مدى أهمية ما حدث فى ٦ أكتوبر ٧٣ إلا بالنظر إلى طبيعة الأوضاع على الأرض، محليًا وعالميًا، قبيل حرب أكتوبر. ينسى البعض أن حرب أكتوبر وقعت فى ظل عالم «الحرب الباردة» والصراع بين الاتحاد السوفيتى وأمريكا. وفى إطار هذه الأجواء توصل الطرفان- السوفيت والأمريكان- إلى شبه تفاهم على تبريد الأوضاع فى الشرق الأوسط، وهو ما عُرِف بسياسة اللا سِلم واللا حرب. لذلك كان على مصر خصوصًا مواجهة هذه السياسة بعمل عسكرى، يساعد فى تحريك قضية الشرق الأوسط من جديد، والانتقال إلى المفاوضات من أجل استعادة الأرض.

أمر آخر شديد الأهمية، وهو كيفية مواجهة تفوق الطيران الإسرائيلى، ذراع إسرائيل الطويلة فى المنطقة، وإلا فإن أى عمل عسكرى محكوم عليه بالفشل، من هنا سطرت العسكرية المصرية صفحة خالدة فى تاريخها بإنشاء حائط الصواريخ على الضفة الغربية للقناة لتغطية القوات المصرية حال العبور إلى سيناء، كما تم تطوير القوات الجوية المصرية إلى حدٍ كبير، وإن كانت بالقطع لم تصل إلى مستوى الطيران الإسرائيلى المدعوم بشدة من أمريكا وفرنسا.

ولم تكن عملية عبور القناة بالأمر الهيِّن، بل من أصعب العمليات العسكرية فى القرن العشرين. وهنا نتذكر قول موشيه ديان، الذى اختفى نجمه بعد الحرب: «إن عبور الحاجز المائى، القناة، ثم خط بارليف الحصين، يحتاج إلى سلاح المهندسين الأمريكى وسلاح المهندسين السوفيتى معًا». وهى عبارة تتسم بالسخرية الواضحة من سلاح المهندسين المصرى، والقدرات العسكرية المصرية على عبور القناة، وهو ما نجحت العسكرية المصرية فى تحقيقه.

وأحدثت حرب أكتوبر زلزالًا داخل إسرائيل أدى إلى تشكيل لجنة تحقيق، أصدرت تقريرها الذى عُرِف بتقرير «لجنة أجرانات»، عن سلبيات الإدارة الإسرائيلية فى حرب أكتوبر. كما أدت حرب أكتوبر إلى اختفاء جيل من الآباء المؤسسين لإسرائيل، مثل موشيه ديان وجولدا مائير وغيرهما، وبروز شخصية شارون الذى تم الترويج له من خلال مسألة الثغرة، فى محاولة لصناعة البطل والتغطية على ما حدث فى أكتوبر ٧٣. 

فى الحقيقة علينا أن نفخر بما حدث فى أكتوبر، ونحتفل بالذكرى الخمسين لها.