رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ليلة عظيمة في ذكرى يوم مجيد

قضينا مساء الأربعاء عدة ساعات مع احتفال مصر وقواتها المسلحة بالعيد الخمسين لنصر أكتوبر المجيد. ساعات مرت بنا ونحن في حالة من المشاعر المتداخلة بين الفرحة، والشجن،و الحنين، والفخر، والزهو، واستدعاء الذكريات، فضلا على المتعة الفنية الراقية. كلّل هذا كله شعور غامر بالأمل  . نعم، إنه الأمل في المستقبل، فهذا الشعب العريق الذي صنع نصر أكتوبر المجيد يبقى قادرا على صناعة مستقبل أعظم.  
      من جديد يستطيع رجال الشئون المعنوية للقوات المسلحة إبهارنا باحتفال راق جمع بحرفية وذكاء بين الشيوخ والكهول والشباب بل والأطفال أيضا. إنهم الشيوخ من الأبطال الذين شاركوا فعليا في الحرب وصنعوا النصر وجاهدوا في الله حق جهاده حتى أتاهم النصر. محاربون قدماء تذكّرنا بوجودهم قائمة طويلة من الجنود والضباط الذين قضوا سواء في ميدان المعركة شهداء، أو غيرهم ممن عادوا منتصرين ليعيدوا بناء ما دمرته الحروب وما فعلته بنا وباقتصادنا سنوات طويلة من الدفاع عن الوطن والمبدأ والأمة بأسرها. 
      تابعنا في الاحتفال أيضا بعضا من الكهول من أولئك الذين عاشوا مرحلة من البحث عن مستقبل أفضل سعيا وراء بناء وطن مزدهر يزهو بالنصر ويعلي كلمة الحق محافظا على وحدة شعبه وسلامة أراضيه، وثابتا في مواجهة المؤامرات والدسائس التي سعت لتعطيل مسيرة الوطن وإبطاء حركته الواثقة نحو المستقبل. شاهدنا في الاحتفال أيضا شبابا نابها ينظر للمستقبل بأمل كبير وينتهز ظرفا راهنا أكرمنا فيه المولى بقيادة حكيمة واعية بالمخاطر المحيطة بالوطن والمواطنين، فتتحرك بخطى ثابتة لتخرج بهذا الشعب العظيم سالما من كل ما يحيط به من مؤامرات خارجية أو تهديدات داخلية يسببها بعض المضللين من المحسوبين على وطننا زورا وبهتانا. تابعنا أيضا في ذلك الاحتفال الرصين باليوبيل الذهبي لنصر أكتوبر المجيد مشاركة لأطفال أبرياء في رسالة من جيلهم تقول للآباء والأجداد: اطمئنوا، فنحن أمناء على مقدرات هذا الوطن وندرك معنى الانتصار ونقدر ما بذلتم وتبذلون. 
   ازدانت قاعة الاحتفال برموز من الأحياء من أبطال حرب أكتوبر المجيد، وهنا  أجدني مدين بالاعتراف بخطأ كنت أقع فيه إذ كنت أسأل نفسي دائما كلما جاءت ذكرى نصر أكتوبر: هل ما تزال مصر تتذكر أولئك الأبطال من أبنائها الذين ضحوا وقضوا من أعمارهم سنوات طويلة رابضين على خط النار ؟ فإذا بهذا الاحتفال يعيد لي ولغيري الثقة بأن مصر لا تنسى أبدا المخلصين من أبنائها، وأنها تقدّر لهم ما بذلوا من أعمارهم ودمائهم فداءا لها ووفاءا للقسم الذي قطعوه على أنفسهم بأن يكونوا جنودا أوفياء لوطنهم العظيم، محافظين على أمنه وسلامته، مدافعين عنه في البر والبحر والجو داخل حدود البلاد وخارجها، مطيعين لأوامر القادة  و محافظين على سلاحهم وعازمين على أنهم لن يتركوه قط حتى يذوقوا الموت فموقفهم دائما إما النصر أو الشهادة.
        وكان ختام الاحتفال هو تكريم عدد من الرموز الوطنية من أبطال الحرب بدءا من اسم المشير أحمد إسماعيل وزير الحربية، والمشير الجمسي مهندس حرب أكتوبر وصاحب الكراسة الشهيرة، وكم أسعدنا تكريم الفريق سعد الدين الشاذلي. فضلا على نماذج أخرى من عظماء مصر صناع النصر ممثلين لكافة الأسلحة التي صنعت لمصر وللأمة العربية كلها هذا المجد الذي نفخر به وسنبقى لعقود طويلة قادمة. 
       و رغم هذا الاحتفال الإنساني الرشيق المنظم والمهيب يبقى لدينا الطلب المتكرر في كل عام أو بالأحرى الأمنية المشروعة ؛ وهي توثيق فصول من هذه الحرب دراميا في فيلم سينمائي ضخم الإنتاج لنترك لأجيال قادمة - باعدت الأيام بينها وبين هذا الحدث العسكري الأكبر والأعظم في تاريخ المنطقة - نترك لهم توثيقا دراميا ومحاكاة لصفحة ناصعة من تاريخ الوطن وسجل بطولاته.                                 ولعلمي أن هناك تسجيلات كثيرة مصورة لعدد كبير ممن رحلوا من صناع النصر سجلتها لهم الشئون المعنوية للقوات المسلحة، فإنني أتمنى أن تتاح تلك التسجيلات للعرض، أو أن يتاح للقائمين على قناتنا الوثائقية استغلال تلك التسجيلات كمادة لصناعة وثائقيات جديدة برؤى فنية معاصرة. ورغم مرور نصف قرن كامل على هذا النصر العظيم ما زلنا نكتشف في كل عام قصصا واقعية من البطولات التي تكفي جميعها لسلسة من الأفلام الروائية العظيمة وليس فيلما واحدا، ولكن ما ندركه من تكلفة عالية لمثل هذه النوعية من الأفلام يجعلنا قانعين بمجرد فيلم واحد كضربة بداية يكون له ما بعده من أفلام يحتملها هذا الحدث العسكري الأعظم في تاريخ العرب الحديث والمعاصر.