رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العناصر الخاملة في الثقافة

العنصر الخامل، في الكيمياء، هو الذي لا فاعلية له، فاقد النشاط الكيميائي، فلا يتفاعل مع غيره. يوجد هذا العنصر الميت في الثقافة كمثل الكيمياء؛ فلدينا المثقف الفاعل (العامل القادر الضامن) ولدينا المثقف الخامل (الكسول، غير النبيه، الجامد، الساكن) وبالجملة، كما يقول المعجم اللغوي الذي أعتمد عليه في التعريفات هنا، الخفي الساقط الذي لا فطنة له.
المثقف الفاعل موجود (الجمع فاعلون وفعلة)، وهو إن لم يكن كثير العدد فإنه كثير المدد، والمثقفة الفاعلة كذلك (الجمع فاعلات وفواعل)، هذان على الرأس طبعا، ولا مشكلات تأتي من جهتهما، إنما تأتي المشكلات من المثقفين والمثقفات الذين ثبتت معرفتهم بالعلوم والمعارف والفنون، لكنهم ليسوا مؤثرين في محيطاتهم بالمرة!
لا يراد من المثقف والمثقفة أن يقرأا ويكتسبا ما يكتسبانه من الكتب، ثم يكتفيان بذلك، أي يجعلان حصائلهما المعرفية لأنفسهما، لكن أن يثقفا الناس، والتثقيف تهذيب وتعليم وتربية، وإن لم يفعلا فلا خير في الثقافة التي أنفقا مالهما ووقتهما في تحصيلها؛ فهي ثقافة مقتولة لا تجاوزهما إلى المجتمع الذي يحتاج إلى جهودهما التثقيفية، وكم يحتاج مجتمعنا بالذات إلى أمثال هذه الجهود؛ لأن كثيرا من مفاهيمه في حاجة إلى خلخلة وتغيير، وكثيرا من أفكاره وتصوراته في حاجة إلى مناقشة ذكية مستمرة، يرى بعدها ما الجيد وما الردئ وما المنطقي وما دون المنطقي.. 
تتخلى جماعات من المثقفين عن مجتمعها للأسف، وتبخل عليه بما تملكه، تحبس طاقاتها في الندوات المتخصصة، مقتنعة بالأمر وراضية عنه، وهنالك تصول وتجول، وتعيد وتزيد فيما تنطق به وتتمنطق بحياله، لا يسمعها في أماكنها المنعزلة عن غالبية الجماهير، غير الذين لديهم ما لديها، ولا تسمع إلا منهم، وعلى هذا لا تتحقق الفائدة العامة المرجوة، هذا وإن كان من حقها الشخصي أن تختار ما تشاء، كجماعات حرة في النهاية، إلا أن انعزالها يخل بمقاصد الثقافة في الصميم، ويناقض جوهرها أساسا، ويحجم انطلاقها فيجعلها ثقافة غرفة لا شارع، إن صح التعبير، وبالتأكيد يقضي على عالميتها قضاء مبرما ( الثقافة العالمية: تعميم الثقافة بمنطق إنساني، والانتقال بالتراث المحلي إلى آفاق إنسانية عالمية بهدف إيجاد تقارب الثقافات في إطار التعدد والتنوع الثقافي) هكذا، وإن التأخر عن حالة النشاط الثقافي المنتج، داخل الوطن وخارجه، يخلق انفصالا أكيدا بين المثقفين وواقعهم (الصغير والكبير)، ويكون سببا في تبادل الاتهامات بين المثقفين وجموع الناس، والأخطر فقدان الثقة، وفي عجز رسالة الوطن الصحيحة عن الوصول إلى الآخرين أيضا، هذه مثالب محبطة لا يصح حدوثها البتة، والحل كسر المثقفين المتوانين في أعمالهم لحصارهم المفروض على النفس، والاندماج في العوالم لمحاولة استيقانها بالتفاعل الدؤوب معها، ثم الشروع في خلق صياغتها الثقافية السليمة وفق ما يناسب الظروف والأحوال.