رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الطريق إلى أكتوبر «2»

رأينا فى المقال السابق كيف كانت هزيمة حرب ١٩٤٨ بمثابة «النكبة»، وهو المصطلح الذى أطلقه المؤرخون العرب على هذا الحدث الخطير، الذى أدى إلى هزيمة جيوش خمس دول عربية على يد إسرائيل وضياع نصف فلسطين.

وفى يونيو ١٩٦٧ حدثت الهزيمة المُرة الثانية للعرب، هذه الهزيمة التى عُرفت بالنكسة، لكنها فى حقيقة الأمر كانت نكبة جديدة للعرب، أدت إلى ضياع النصف المتبقى من فلسطين، بالإضافة إلى ضياع سيناء والجولان. وإذا كان العرب أطلقوا على هزيمة يونيو ٦٧ مصطلح النكسة، تفاؤلًا بأنها مجرد كبوة، سرعان ما يتجاوزها العرب، أطلقت إسرائيل على هذه الحرب «حرب الأيام الستة»، وهو عنوان يدل على مدى الغرور الإسرائيلى، فى إشارة إلى انتصار إسرائيل على ثلاث دول عربية، واحتلال القدس والضفة الغربية ومرتفعات الجولان وغزة وسيناء، فى ستة أيام فقط!

فى الحقيقة نستطيع أن نرصد عوامل مشتركة للهزيمة بين حربى ٤٨ و٦٧؛ لعل أخطر هذه العوامل هو غياب التنسيق العربى، أو دعنا نقُل إن التنسيق لم يكن على المستوى المطلوب للوقوف أمام الجيش الإسرائيلى. ويشير الفريق عبدالمنعم رياض، وكان أثناء حرب ٦٧ مساعدًا لرئيس القيادة المشتركة للجيوش العربية، إلى غياب التنسيق الفعلى بين الجيوش العربية، بل تخوف قادة كل جيش من الآخر. والأخطر من ذلك ما شهدته الفترة السابقة على حرب ٦٧ من تصاعد النزاع بين الدول العربية بعضها البعض، حتى أطلق بعض المؤرخين على هذه الفترة مصطلح «الحرب العربية الباردة». من هنا فاجأت إسرائيل الجميع بالضربة الأولى، بينما لم تكن تتوافر إرادة الحرب لدى معظم الدول العربية.

كم هى قاسية تداعيات هزيمة ٦٧ على الأمة العربية ربما حتى الآن. لقد خرجت فى أعقاب الهزيمة الموجة الثانية من الانقلابات العسكرية فى العالم العربى فى ليبيا وسوريا والسودان والعراق، لتدخل المنطقة فى دوامة جديدة من الديكتاتورية تحت ادعاء «ندعو لتحرير فلسطين».

ونستطيع رصد مدى ثقل مهانة الهزيمة على الإنسان العربى إذا قرأنا القصيدة الشهيرة للشاعر الكبير نزار قبانى «هوامش على دفتر النكسة»، هذه القصيدة التى أثارت ضجة كبرى فى العالم العربى آنذاك. يقول نزار فى لهجة حادة وساخرة: 

إذا خسرنا الحرب لا غرابة

لأننا ندخلها..

بكل ما يملك الشرقى من مواهب الخطابة

بالعنتريات التى ما قتلت ذبابة

لأننا ندخلها..

بمنطق الطبلة والربابة

...

بالناى والمزمار..

لا يحدث انتصار!

من هنا ندرك مدى أهمية حرب أكتوبر التى أعادت الروح من جديد للأمة العربية، وهذا هو موضوع المقال المقبل.