رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هيكل.. الأستاذ الذى منحه «ترند» كارنيه الصحافة

هيكل.. الأستاذ الذى منحه «ترند» كارنيه الصحافة

كريم شعبان

يعتقد البعض أن محمد حسنين هيكل بدأ حياته الصحفية أستاذًا وكاتبًا يمتلك كل أدوات الكتابة، إلا أن الحقيقة عكس ذلك، فقد بدأ هيكل صحفيًا مغمورًا لا يعرفه أحد، خرج إلى الشارع بحثًا عن العاهرات لكى يجرى معهن حوارًا صحفيًا، فقادته الصدف وخدمته العلاقات إلى أن أصبح هيكل الذى نعرفه.

الترند فى عصر هيكل
عرفت الصحافة المصرية فى فترة صعود الأستاذ محمد حسنين هيكل، الترند بمفهوم العصر، وتزامن عمله فى المهنة مع قرار الحكومة والسفارة الإنجليزية بالقاهرة، بإلغاء بيوت البغاء، بعد أن انتشرت الأمراض بشكل مبالغ فيه بين المصريين والجنود الإنجليز، ما دفع الجيش الإنجليزى إلى مطالبة الجنود بعدم الذهاب إلى «المواخير» أو بيوت البغاء.
وبعد تطبيق القرار، الذى مر بعدة مراحل حتى وصل إلى صورته النهائية وهى إلغاء بيوت البغاء نهائيًا، تفجرت أزمة فى المجتمع المصرى فى فبراير من عام 1949 وهى كيف يتم إلغاء بيوت العاهرات.

هيكل والترند
ومن هنا ظهر «الترند» وبدأت الصحف تطرح الموضوع للنقاش، الكل يهرول ليجرى حوارات مع فئات المجتمع كافة، ولم ينتبه أحد إلى أن هناك طرفًا مهمًا ناقصًا وهو «العاهرات» الفئة الوحيدة التى لم تتحدث.
وكلفت «الإجيبشيان جازيت»، الصحفى محمد حسنين هيكل بهذه المغامرة.. «الإجيبشيان» كانت أول تجربة للأستاذ هيكل الذى عمل مساعد صحفى، يقتصر دوره على نقل أخبار وبيانات المحافظة إلى الجريدة- مندوب الجريدة بلغة العصر- ويدوّن أخبار الحوادث، ظل يعمل فى هذه الوظيفة لنحو 6 سنوات، ينقل أخبار المحافظة إلى الجريدة ويتابع الحوادث.
فى ذات مرة، فوجئ هيكل، بالأستاذ فيليب حنين، رئيس قسم المحليات فى الجريدة، يستدعيه إلى مكتبه ليعطيه 100 استمارة، ليطلب منه أن يملأ بيانات 100 عاهرة، يعملن فى شوارع القاهرة، وأن يرفق مع كل استمارة صورة شخصية للعاهرة التى أخذ بياناتها على أن يجلس معهن ويجرى تحقيقًا صحفيًا، وهو أمر يتنافى نهائيًا مع طبيعة الأستاذ «الخجول» وهو ما ظهر لاحقًا فى أسلوبه فى التعامل مع العاهرات.
وبعد معاناة لإتمام «المهمة المستحيلة»، نجح الأستاذ فى أن يقنع «معلمة قهوة» بتحقيقه الصحفى، فأطلقت زغرودة وطالبت القهوجى بإحضار العاهرات كافة- خمس وراء خمس- وبالفعل نجح الأستاذ فى ملء 100 استمارة، والتقاط 100 صورة فوتوغرافية.. فكانت من بينهن سيدة سبّت أجداده بعد أن عرض عليها موضوعه الصحفى فى بداية مشواره مع التحقيق، بل إنها اتهمته بأنه من «رجال الحكومة».

هيكل أنكر التحقيق.. ثم اعترف لـ«عادل حمودة»
الغريب فى القصة، أن الأستاذ محمد حسنين هيكل أنكر فى بداية عمله رئيسًا لتحرير مجلة «آخر ساعة» التحقيق كاملًا، وكان ينسبه إلى أحد أصدقائه، إلى أن أوقع به الكاتب الصحفى عادل حمودة، أثناء تأليف كتابًا عنه.
قال «حمودة»، فى تصريحات صحفية: كانت أول مهمة صحفية كُلف بها هيكل، فى حى من أحياء البغاء فى مصر، حيث كان مسموحًا به، إلا أن حكومة الوفد منعته فى الحرب العالمية الثانية بطلب من المحتل؛ بسبب أن الجنود حينما كانوا يأتون إلى مصر كانوا يذهبون إلى هذه البيوت.
وواصل حمودة: طُلب من هيكل أن يأتى بآراء العاهرات، وحاول بالفعل وتلقى السخرية من جميع العاهرات إلى أن «صِعب» على صاحبة قهوة، وقررت مساعدته وبالفعل أتت له بالعاهرات إلى أن أكمل موضوعه.

الترند منح هيكل «كارنيه الصحافة»
وانتهى التحقيق بنجاح، ونجح الأستاذ فى مهمته الأولى وسلّم «فيليب حنين» التحقيق كاملًا بصور العاهرات، ليبدأ الأستاذ مشواره فى عالم الصحافة بموضوع من «الترند»، فأثبت كفاءته وجرى تعيينه رسميًا فى الجريدة، وسلموه كارنيهًا بصورته، ووضع أمام خانة المهنة كلمة: «محرر صحفى» لينطلق هيكل إلى الأستاذية ويصبح «الجورنالجى» و«بارون الصحافة» الذى أثرى حياتنا الثقافية والسياسية بكتاباته ومؤلفاته وشهاداته على العصر.