رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الطريق إلى أكتوبر «١»

تهل علينا قريبًا الذكرى الخمسون لحرب ٦ أكتوبر ١٩٧٣، ولا نبالغ إذا قلنا إن هذه الذكرى راسخة فى وجدان كل مصرى، بل كل عربى، فهذا هو الانتصار الوحيد للعرب فى القرن العشرين، وصدق الشاعر الكبير نزار قبانى عندما وصف حال العرب وتاريخهم قائلًا: «تاريخنا كله محنة... وأيامنا كلها كربلاء»!.

وفى الحقيقة لا نستطيع أن نفهم أهمية ما حدث فى أكتوبر ١٩٧٣، إلا برصد المحطات الرئيسية فى الصراع العربى الإسرائيلى، وهو ما أطلقت عليه «الطريق إلى أكتوبر»، وهو فى حقيقة الأمر طريق وعر ملىء بالنكبات والنكسات، إلى أن نصل إلى نصر أكتوبر.

بالطبع لن نستطيع تتبع مراحل الصراع العربى الإسرائيلى، منذ بدايات المشروع الصهيونى، والهجرات اليهودية إلى أرض فلسطين، لأن ذلك يستحق عشرات المقالات، لكننا اخترنا أن نبدأ سلسلة مقالاتنا حول الطريق إلى أكتوبر من حرب ١٩٤٨، هذه الحرب التى كانت بحق نقلة نوعية فى الصراع العربى الإسرائيلى، ويكفى أن نستعرض الاسم الذى أطلقه العرب على هذه الحرب، والاسم الذى أطلقه الإسرائيليون عليها لنفهم مدى أهمية هذه الحرب فى تاريخ المنطقة؛ أطلق العرب على هذه الحرب مصطلحًا خطيرًا يعبّر بحق عما حدث فى هذه الواقعة من هزيمة جيوش خمس دول عربية أمام ما أُطلق عليه «العصابات الصهيونية»، بينما فى الحقيقة لم تكن القوات الإسرائيلية مجرد «عصابات»، بل كانت جيشًا نظاميًا تدرب أفراده تدريبًا عاليًا باشتراكهم بجانب قوات الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية، ولا أدرى لماذا وقع العرب آنذاك فى فخ التهوين من قدرات إسرائيل؛ إذ كان يحلو للإعلام العربى، بل والقادة، السخرية من الجيش الإسرائيلى بالقول إنهم مجرد «عصابات»! أى عصابات تلك التى كانت تمتلك أسرابًا من الطائرات، أغارت آنذاك على بعض العواصم العربية! وإذا كان العرب يطلقون على حرب ١٩٤٨ «النكبة» فهذا حق، فقد ضاع فى هذه الحرب نصف فلسطين. وعلى العكس من ذلك تطلق إسرائيل على هذه الحرب «حرب الاستقلال»، لأنها من وجهة نظرها أدت إلى إعلان دولة إسرائيل.

ربما كانت هذه الهزيمة جرّاء مؤامرة دولية، ربما.. ربما كانت جرّاء ضعف الجيوش العربية الوليدة والناشئة آنذاك أمام الجيش الإسرائيلى، لكن الأخطر، من وجهة نظرنا، أنها كانت تعبيرًا عن أزمة النظام العربى آنذاك، والداء المزمن فى التاريخ العربى: «اتفق العرب على ألا يتفقوا!» ويؤكد على ذلك عبدالرحمن عزام- أول أمين عام للجامعة العربية- عندما وجّه إليه بعض الصحفيين سؤالاً استنكاريًا: كيف تهزم دولة واحدة- هى إسرائيل- خمس دول؟! فقد أجاب ببساطة ولكن بقمة السخرية: لأن إسرائيل دولة واحدة، والعرب خمس دول! 

للأسف دخل العرب حرب ١٩٤٨ ولم يكونوا على قلب رجلٍ واحد، وكان التنسيق بين المواقف السياسية والعسكرية على الورق فقط، وليس على أرض الواقع، فكانت الهزيمة المُرّة.