رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معضلة «إدماج» الإرهابيين

بمشاركة جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبى، ترأَّس سامح شكرى، وزير الخارجية، أمس الأول الأربعاء، الاجتماع الوزارى الثالث عشر لـ«المنتدى العالمى لمكافحة الإرهاب»، الذى أقيم على هامش أعمال الشق رفيع المستوى للدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة. واستوقفنا قيام الرئاسة المصرية الأوروبية المشتركة للمنتدى بإدراج مسألة، قضية، أو معضلة، إعادة تأهيل الإرهابيين السابقين، أو التائبين، وإدماجهم فى مجتمعاتهم، كموضوع رئيسى على جدول أعمال الاجتماع.

خلال اجتماع اللجنة التنسيقية للمنتدى، الذى استضافته القاهرة، فى مايو الماضى، جرى تناول أولويات الرئاسة المشتركة، والتى كان على رأسها مكافحة الإرهاب فى القارة الإفريقية. وشهد الاجتماع مناقشات مستفيضة بين المندوبين الدائمين لعدد من دول القارة استعرضوا فيها تجارب بلادهم والدروس المستفادة منها. وعليه، كان طبيعيًا أن يؤكد وزير الخارجية، خلال اجتماع أمس الأول، أهمية التعاون على الصعيد الإقليمى، خاصة بين الدول الإفريقية، وأن يشير إلى الدور المهم الذى يقوم به «مركز القاهرة الإقليمى لتسوية المنازعات وحفظ وبناء السلام» فى توفير برامج بناء القدرات فى دول القارة السمراء، وتعزيز التعاون مع الاتحاد الإفريقى فى تطوير المبادئ الإرشادية الخاصة بنزع السلاح والتسريح وإعادة التأهيل والإدماج.

مفهوم أو مصطلح «الإدماج»، أو الدمج، ظل مرتبطًا بالفئات الهشة والضعيفة أو بالأقليّات، منذ أن وضعه، أو اخترعه عالم الاجتماع الفرنسى إميل دوركايم، المتوفى سنة ١٩١٧، إلى أن اتسع استخدامه، فى سبعينيات القرن الماضى، بعد الاتفاقية الأوروبية، المتعلِّقة بالإرهابيين والمقاتلين العائدين من بؤر التوتر، التى تم توقيعها فى فرنسا سنة ١٩٧٧، غير أننا كنا سباقين فى ذلك، بفضل الرئيس أنور السادات، الذى شهد عهده محاولة شهيرة لإدماج عناصر جماعة الإخوان، وغيرها من التنظيمات الإرهابية، لأهداف سياسية، وربما اقتصادية، انقلبت نتائجها، وانتهت باغتياله. ومع ذلك، جرت محاولة أخرى فى عهد الرئيس حسنى مبارك، عُرفت باسم «المراجعات الفكرية»، والتحق معظم خرّيجيها، الذين ادعوا التوبة، بجماعة «الإخوان»، بعد ٢٥ يناير ٢٠١١، ثم بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣، سواء بشكل علنى أو بتبنى مواقفها والمشاركة فى جرائمها.

المهم، هو أن الاستراتيجية أو المقاربة المصرية الشاملة لمكافحة الإرهاب والتطرف، ركزت على المحور الوقائى، ولم تقتصر على البعد الأمنى، وتضمنت الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى البعد الفكرى، الذى قامت دار الإفتاء المصرية، فى إطاره بإطلاق مشروع «تشريح عقل المتطرف»، سنة ٢٠١٧، لدحض وتفنيد خطاب التطرف وإثبات ضلال منهج التنظيمات الإرهابية من واقع الأسانيد الشرعية.

فى هذا السياق، أكد وزير الخارجية أن مسألة إعادة تأهيل وإدماج الإرهابيين السابقين تحتل مرتبة متقدمة على صعيد جهود مكافحة الإرهاب، منعًا لعودة هذه العناصر مجددًا لبراثن التنظيمات الإرهابية، غير أنه أشار إلى ما تكتنفه هذه العملية من تعقيدات تستوجب العمل فى إطار نهج شامل لتصويب مسار هذه العناصر، ومضاعفة جهود مكافحة الفكر المتطرف، ومواجهة من يتبنون هذا الفكر، ويقدمون له الدعم، بحيث تتحمل كل الدول مسئولياتها. كما شدَّد شكرى على ضرورة عدم تكرار أخطاء الماضى، التى أفضت إلى توفير الملاذات الآمنة للتنظيمات الإرهابية وانتقال عناصرها إلى دول ومناطق أخرى، وطالب بابتكار أساليب جديدة للمجابهة تتواكب مع تطورات أساليب عمل هذه التنظيمات، بالتوازى مع تجفيف منابع تمويلها.

.. وأخيرًا، «لا يمكن تصور وجود مستقبل للنظام العالمى دون مواجهة شاملة وحاسمة مع الإرهاب، تقضى عليه وتستأصل أسبابه وجذوره، وتواجه بلا مواربة كل من يدعمه أو يموّله، أو يوفر له منابر سياسية أو إعلامية أو ملاذات آمنة. وبصراحة شديدة، فلا مجال لأى حديث جدى عن مصداقية نظام دولى يكيل بمكيالين: يحارب الإرهاب فى الوقت الذى يتسامح فيه مع داعميه، بل ويُشركهم فى نقاشات حول سبل مواجهة خطر هم صُناعُّه فى الأساس» وما بين التنصيص قالته مصر، بلسان الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى ١٩ سبتمبر ٢٠١٧، أمام الدورة الثانية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة.