رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عزالدين سيد: ضباطنا ارتدوا ملابس فلاحين للتمويه واشتروا طلمبات المياه لتحطيم خط بارليف.. ومراكبية تولوا صنع السلالم لتسلق الساتر الترابى

المهندس عزالدين سيد
المهندس عزالدين سيد مع الدكتور محمد الباز

كشف المهندس عزالدين سيد، أحد أبطال حرب أكتوبر، عن الجهود التى بذلها الجيش المصرى لتعديل طلمبات المياه التى تم استخدامها فى إزالة الساتر الترابى فى خط بارليف فى معركة العبور، وكيف أضيفت لهذه الطلمبات خاصية ضخ المياه وليس رفعها فقط. وقال «سيد» خلال لقائه الكاتب الصحفى الدكتور محمد الباز عبر برنامج «الشاهد» على قناة «إكسترا نيوز»، إن القوات المسلحة أجرت تدريبات مذهلة على خطة العبور قبل الحرب، وبذلت جهودًا جبارة فى ابتكار وسائل جديدة لمراقبة العدو وسد فتحات النابالم فى قناة السويس.

■ حدثنا عن حكاياتك مع حرب أكتوبر؟

- كنت أعمل فى الهيئة العامة للتصنيع، التى أُنشئت فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ووقتها أبلغت شئون العاملين بالإدارة بأنه مطلوب تجنيد مجموعة من مهندسى الهيئة، وكان ذلك بعد حرب ١٩٦٧.

وكان بالهيئة ٢٠٠ جندى، وذهب للتجنيد ٧ أو ٨ مهندسين، وقبل عام ٦٧ لم يكن يدخل الجيش مجندون من حملة مؤهلات عليا، وقيل إن الجيش المصرى هُزم بسبب عدم وجود هذه المؤهلات، ولهذا طُلب تجنيد الأطباء والمهندسين.

وتقدمت للتجنيد، ودخلت كلية الضباط الاحتياط وتدربت فيها، وبعدها دخلت مدرسة المهندسين العسكريين وتخرجت فيها برتبة ملازم أول بعد ٦ أشهر، ثم التحقت بالجيش الثانى، وذهبت للمنطقة المركزية وتلقيت خبرًا أن نقيبًا بورشة التصنيع فى الجيش الثانى استُشهد فى غارة جوية، وأرسلونى مكانه لذا كنت شهيدًا تحت الطلب.

توليت إصلاح العديد من المعدات فى ورشة التصنيع بالجيش الثانى، وكان بها فنيون عسكريون ومدنيون كانوا أساتذة فى إصلاح المعدات، وكانت عبارة عن ماكينات توليد كهرباء. 

استخدمنا مخازن الجيش الإنجليزى فى التل الكبير وأخذنا منها أجزاء ومعدات تم تصليحها، وتم بذل مجهود كبير فى إصلاح معدات كثيرة، وبعدها تم نقلى لورشة المهندسين الرئيسية فى الزقازيق، وكانت مهمتى إصلاح المعدات التالفة فى الموقع أو حمل المعدات التى تحتاج للصيانة من كل المواقع على مستوى الجيش الثانى وصيانتها، وجهزنا أشياء كثيرة من أشهرها طلمبات المياه التى استُخدمت فى فتح الثغرات بالساتر الترابى على خط بارليف. 

■ كيف تم شراء طلمبات المياه التى استُخدمت فى إزالة الساتر الترابى ومتى بدأ تجهيزها؟

- بدأ تجهيز الطلبمات التى استخدمت فى إزالة الساتر الترابى، منذ عام ١٩٦٩، ودور الورشة كان إجراء تعديل عليها لأنها كانت تعمل على رفع المياه دون ضخها.

وتم شراء الطلمبات على أنها معدات زراعية من أكثر من مصدر، وارتدت مجموعة ضباط ملابس فلاحين ونزلوا شارع الجمهورية واشتروا منه مجموعة من الطلمبات وصلت لـ٤٠ طلمبة وطلبوا المزيد لأن أناسًا آخرين يطلبونها.

وكنا نجرب الطلمبات بعد تعديلها بحضور قائد الجيش، والطلمبة كانت تخرج المياه بقوة دفع ٢٠ إلى ٣٠ مترًا، وكنا نجربها بجوار مصرف لم تكن المياه به جيدة، وكانت الطلمبات تعمل بالبنزين، والعسكرى الذى كان يمسك الخرطوم زاد من ضغط البنزين فأغرق الدنيا بالمياه وقتها.

ونفذ الضباط نموذجًا للساتر الترابى فى القصاصين بالإسماعيلية، وكانوا يتدربون عليه، وكنت على وشك الموت فى إحدى المهام التى كلفت بها، وقد كانت هناك فرقة إصلاح ونجدة للمعدات الثقيلة عام ١٩٦٨، وكنا نعمل فى ظروف صعبة لأن الطيران الإسرائيلى «رايح جاى» على بحر البقر ويلقى قنابل على الجنود.

تلقيت تعليمات أن «بلدوزر» فى الكتيبة ٣٨ يحتاج للصيانة، وذهبت بسيارة صيانة متكاملة بها كل المعدات وبها طقم إصلاح من ٩ أفراد، وإذا لم تستطع الفرقة صيانة المعدة يتم سحبها للورشة، وفور وصولنا قال قائد الكتيبة لى إن طيران العدو «رايح جاى علينا»، ولهذا كانت الكتيبة كل فترة تغير موقعها.

سلاح البلدوزر، كان يحفر الأرض وينفذ خندقًا أو حفرة برميلية، لو ألقيت دانة أو حدث انفجار ينزل الجنود للحفرة، ويحفر البلدوزر ٢ متر فى باطن الأرض بعرض ١٢ مترًا، والعساكر كانوا يأتون بشكائر الرمل ويضعونها ساترًا، وبعدها يتم عمل قفص حديدى طوله ٢ متر ويتم إسناده على الشكائر وتغطيتها «بالخيش المقطرم»، ويتم ردمها بالرمل وكان يترك مصدر للتهوية وكان الجنود يبيتون فيه.

كل جندى كانت له حفرة برميلية ينزل إليها عند رؤية طيران العدو، ووسيلة الإنذار للجنود كانت كالتالى، كان يوجد ٤ جنود على حدود الكتيبة وكان معهم «رتالة»، وهى ترس خشبى يحدث صوتًا عند رؤية طيران العدو، وعند تشغيله ينزل كل الجنود تحت الأرض.

أثناء صيانتى البلدوزر، رفعت رأسى فجأة ووجدت سحابة سوداء قادمة وشاهدت طيارًا إسرائيليًا، وكان قد أدرك لعبة الجيش المصرى فى إطلاق الإنذار، وأطفأ محركات طائرته ونزل بشكل شراعى.

ونزلت للحفرة البرميلية الخاصة بى بوجهى، ولم أعرف كيف نزلت بها، ولم أفق بعدها إلا عندما سحبنى الجنود من البيادة وكانوا يعتقدون أننى توفيت، ووجدت البلدوزر قد تم تدميره والطقم المرافق لى استُشهد ٣ أرباعه ودفناهم وعدت بباقى الفرقة للورشة. 

■ كيف تم تشييد أبراج المراقبة فى الجيش المصرى؟

- الرئيس أنور السادات قال لأحمد إسماعيل إن اليهود يقفون فوق الساتر الترابى ويروننى ولا أراهم، وأحتاج لطائرة حتى أراهم، أريد أن أراهم كما يروننى «شوف أولادك يعملوا إيه».

وجاءت تعليمات لقائد الجيش للبحث عن أفكار لذلك، وتم التفكير فى عمل أبراج مراقبة على ارتفاع ٢٢ مترًا خفيفة جدًا ويتم تركيبها بين الأشجار، وكانت هذه فكرتى فى البداية وتم تطويرها.

كان هناك العديد من الأفكار حول إنشاء هذا البرج، ومنها أن يكون مثل برج الكهرباء، ولكن كان سيأخذ البناء وقتًا، البرج كان عبارة عن وصلات تركب واحدة واحدة، وتوجد كابينة فى الأعلى يجلس بها فرد المراقبة مع جهاز لاسلكى وإنذار ويرى العدو خلف الساتر ويبلغ عن تحركاته.

المشكلة كانت فى نزول العسكرى، وكان لا بد أن يستغرق ٩ ثوانٍ لينزل فى الحفرة الرملية لأنهم كانوا يضربونه بمدفع الهاون وأول طلقة لا تصيب والثانية تصحح وتصيب، وتم التفكير فى تركيب حبل أو ماسورة مثل المطافئ، وقدمت تصميمًا بوضع حبل فوق المصطبة التى يوجد عليها العسكرى مربوطًا بأحبال على رولمان بلى، وفى الناحية الأخرى ثقل يقلل عن وزن العسكرى ٢ كيلو، ولو شعر بالعدو ما عليه إلا أن يجرى ليتشبث بالحبل فى ٩ ثوانٍ ويدخل الحفرة الرملية، أما القاعدة فتم وضع «وايرات جايدس» حتى لا تذهب يمينًا أو يسارًا وانتشرت هذه الأبراج على طول الجبهة.

■ كانت هناك أقاويل بأن المصريين لا يفهمون فى الحرب.. كيف كنتم تعلقون عليها؟

- كنا نسمع ما يقال عن الجيش المصرى وأننا لا نفهم فى الحرب وكنا نضحك عليهم لأننا كنا نعلم ما يتم فى الجيش.

كان يوجد معنا فى الجيش خبراء روس ودربونا على أشياء كثيرة وكانوا يلعبون معنا شطرنج ونغلبهم.

■ كان هناك فارق لصالح العدو فى المعدات والأسلحة وكان الرهان على كفاءة المقاتل المصرى.. كيف تم حل هذه المعادلة؟

- الجانب المعنوى للمقاتل المصرى كان مرتفعًا بصورة كبيرة، وتسلل إلى قلوبنا شعور الرغبة فى الانتقام، خاصة أن الجنود اليهود كانوا يحرصون على الغناء بصوت مرتفع لمضايقة المصريين فى الجهة المقابلة، لذا الشحن المعنوى والإصرار لدى الجنود أحد أسباب الفوز والانتصار فى حرب أكتوبر.

وكان فريق الاستطلاع خلف خطوط العدو فى سلاح المهندسين من أهم عوامل الانتصار أيضًا، حيث كان يتم التسلل بعد عبور القناة لأسر عدد من جنود العدو، وكان اليهود يشعلون النيران فى القناة من أجل إرهاب الجنود المصريين.

وتم رصد جميع الفتحات التى كانت موجودة على القناة، وهذه الفتحات كانت على مستوى متر ونصف المتر تحت سطح المياه، ولهذا قبل الحرب تم رصدها جميعها وتسجيل مستوى الإحداثيات بها.

وقبل الحرب بيومين اتجه عدد من الجنود المتخصصين إلى هذه الفتحات لإغلاقها بخلطة خاصة، وتم تنفيذ الكثير من التجارب المسبقة عليها فى المعامل المركزية للقوات المسلحة.

ويُقال إن الرئيس الراحل محمد أنور السادات قال لـجولدا مائير إنها سبب انتصاره فى حرب أكتوبر، وذلك لأن اليهود عندما جاءوا لبناء خط بارليف كانوا يريدون إقامته على بعد ٢ كيلو من القناة، ولكنها رفضت ذلك وأخبرتهم بإنشائه على حافة القناة، لذا هذا القرار جعل القوات المسلحة تتخلص من الساتر الترابى سريعًا بواسطة ضغط المياه.

■ كيف كانت مظاهر تدريب القوات المسلحة للاستعداد للحرب؟

- أفراد القوات المسلحة الباسلة خاضوا تدريبات فى منتهى الصعوبة استعدادًا لحرب أكتوبر ١٩٧٣، كما جرى استخدام التمويه.

وتم إخبارى بأنه جرى تسريحى قبل الحرب بـ٣ أشهر، وحزنت كثيرًا على هذا القرار، وذلك لأننى كنت أريد أن أحارب، وبعدها تم استدعائى مرة أخرى قبل الحرب بشهر واحد، وكنت موجودًا آنذاك فى الورش لإصلاح المعدات، وأثناء الحرب كان يتم التجهيز للكبارى وصيانتها.

كانت هناك فكرة صغيرة جدًا لكنها كانت مفيدة للغاية فى تحقيق النصر، وهى الحبال التى جرى رميها فوق الساتر الترابى، وتم استخدامها كسلالم لصعود الساتر، لأن هذه السلالم مكونة من حبال وخشب، وبعض أفرادنا استخدموها فى الصعود وهم يحملون مدافع، والجدير بالذكر أن من صنع هذه السلالم مجموعة مراكبية فى منطقة مصر القديمة لأنهم متخصصون فى التخريز، وقبضنا عليهم حتى يصنعوا السلالم لكننا طمأنا أهاليهم بأنهم موجودون معنا ولم نخبرهم بطبيعة ما يحدث.

وتم تدريب أفراد من سلاح المهندسين فى الشرقية وترعة الإسماعيلية على نصب الكبارى، لذا التجهيزات التى تمت قبل حرب أكتوبر كانت عظيمة للغاية.

■ ماذا عن العملية الانتحارية التى كُلفت بها؟

- فى يوم ١٠ أكتوبر جاءنا استدعاء لدار سلاح المهندسين فى العباسية، وعلى الفور سلمت نفسى فور الاستدعاء، وكنا لا نعلم أسباب هذا الاستدعاء على الإطلاق.

وفى اليوم الثانى تم إخبارنا بأننا سوف ننفذ مهمة انتحارية نسبة النجاح بها لا شىء، وسوف يأخذ كل شخص منا سيارة لإنهاء كل متعلقاته فى الهيئة المدنية، وبالفعل ذهبت إلى منزلى لأودعهم وأخبرت أخى عن كل ما أملك فى البنك، وكانت هذه الزيارة بمثابة زيارة وداع.

وكانت المهمة عبارة عن ردم ثغرة فى قناة السويس من أجل العبور فوقها، وكان دورى مرافقة المعدات أثناء ردم هذه الثغرة، وفى تمام الساعة الثانية ليلًا تم إخبارنا بأن هذه العملية تم إلغاؤها.

وكان بداخلى إيمان قوى بالله سبحانه وتعالى بأنه سوف تكتب لنا النجاة فى هذه العملية الانتحارية فى النهاية، ويمكن القول إننا فوضنا أمرنا لله وقرأنا آيات من القرآن وكانت هذه الساعات عصيبة فى حقيقة الأمر، وبعد ذلك تم نقلى إلى ورش المهندسين الرئيسية فى حلوان، بعد إخبارى بأنه تم إلغاء المهمة الانتحارية.

■ ما شعورك بعدما رأيت بعينيك كيفية بناء خط بارليف؟

- الروح المعنوية لدى جميع من انضم للجيش المصرى كانت مرتفعة بصورة كبيرة، وكانوا يدعون الله سبحانه وتعالى أن يعجل بهذه الحرب.

وكنت على الجبهة لمدة ٦ سنوات، ولهذا رأيت كل مراحل بناء خط بارليف، وكان يتم بناؤه بواسطة قضبان من الحديد القوية والمتينة، وكان بداخل سلاح المهندسين هزة وخوف خشية الرسوب فى تحطيم خط بارليف، ولكن الإيمان بالله كان الداعم الأول فى هذه الفترة، وتم التخلص من هذه الهزة بعد تشييد حائط الصواريخ.

■ هل كانت لانضمامك للجيش فائدة لك على المستوى الشخصى؟

- القوات المسلحة الباسلة قدمت بطولات كثيرة فى حرب أكتوبر المجيدة وفى حرب الاستنزاف، وعدد مَن ماتوا فى حرب الاستنزاف أضعاف مَن ماتوا أثناء الحرب.

لا أستطيع نكران أن وجودى فى القوات المسلحة أفادنى إفادة عظيمة، الجيش مدرسة كبيرة جدًا، تعلم الصبر والحكمة وقوة التحمل، لذا أدعو جميع الشباب إلى الانضمام للجيش المصرى وعدم السير وراء الشائعات التى تدعو إلى الخروج من الخدمة فى الجيش الوطنى، ويمكن القول إننى استفدت فنيًا وإداريًا من وجودى بالقوات المسلحة، وبعد الخروج من الجيش عدت مجددًا إلى الهيئة العربية للتصنيع وتخصصت فى صناعة الورقيات، وحققت نجاحات كثيرة كان مصدرها الحياة العسكرية، وأنصح كل الناس بأن ينضموا للجيش.

■ ما تعليقك على قرار الرئيس السادات بمغادرة الخبراء الروس الجيش؟

- فرحت بقرار الرئيس «السادات» بمغادرة الخبراء الروس الجيش المصرى، لأننا كنا نثق فى النصر، وكنا لا نريد أن يُنسب هذا النصر للروس، فهم أعطونا معدات كثيرة وأدوات وخبرات، ورأيت أنه يجب أن يغادروا حتى يكون الانتصار لمصر، ولأنهم كانوا يشعرون بأنهم أفضل من الجنود المصريين، ولكن لم يحدث احتكاك بيننا.