رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفيلم الجديد.. ما حدش طايق حد

تابعت على مدار الأسبوعين الأخيرين خناقتين لا علاقة بينهما وبين الفن أو الصحافة، لكنهما بالمصادفة جرت أحداث كل واحدة منهما فى أعقاب حدث المفروض أنه فنى، الأولى بين الناقد الكبير طارق الشناوى والنجم مصطفى قمر، والثانية لا تزال تفاصيلها ساخنة بين صحفى شاب ومخرج جديد قادم من بلاد لا نعرفها، وليس له تاريخ نعرفه أيضًا، ملخص الحكاية أن النجم والمخرج مش عايزين حد ينتقدهم. 

ورغم كل ما أعرفه عن قمر منذ سنوات طويلة بأنه شخص دمث، ودود، تاريخه لم يسجل أى مشاحنات مع الصحافة وناسها، فقد استغربت تصريحاته، واعتبرتها انفعالًا خارجًا عن الإرادة فى لحظة ما فقد فيها سيطرته على الكيبورد، فخرجت منه على غير ما يجب، وانتظرت أن يعتذر، عما جاء فى تدوينته، لكنه لم يفعل، الطريقة المتعجرفة التى تعامل بها قمر مع وجهة نظر الشناوى فى فيلمه الجديد كشفت عن تربص سابق بينهما، لكنها كشفت، وهذا هو الأهم، عن فهم بعض النجوم دور الناقد، يا تمدحنى يا أشتمك، أما الخناقة الثانية فهى أنيل وأدل، وفيها استهتار وانتهاك واضح وسمج لدور الصحافة فى متابعة وتقييم أى عمل فنى، صحفى شاب يسأل، ومخرج يجلس على منصة ليجيب، ذلك المخرج الذى يعرف جيدًا أنه لولا جهد الزميل الصحفى محمود شوقى ما كان فيلمه من الأساس، يعتقد أنه قادم من كوكب آخر، على الجميع التبشير به باعتباره يوسف شاهين عصره وأوانه، لم يرتكب الصحفى الشاب أحمد عاشور جرمًا عندما سأل، وكونه لم يلتحق بالنقابة بعد فهذا أمر لا يعيبه، ولا علاقة بين ذلك الأمر وبين تلك المسخرة التى أدارها مخرج موتور، الأغرب هو انقسام أهل الفن حول الواقعة، والأسخف هو ذلك الاعتذار الذى صدر بعد فترة من ذلك المخرج، والأكثر غرابة هو سكوت بعض أبناء مهنة الصحافة وقبولهم الاستخفاف بمهنتهم إلى هذا الحد.

أعرف أن ما نعيشه هذه الأيام من ضغوطات يجعل لغة التعامل بيننا أكثر حدة، تلك التفاصيل الاقتصادية المزعجة لمعظمنا جعلتنا جميعًا نتبنى لغة خطاب متدنية لأبعد الحدود، حالة عامة من الغضب تأخذ أشكالًا مختلفة عبر وسائط الميديا الحديثة، والجمهور يفترض فى أهل الإعلام والفن أنهم أقرب إلى الملائكة لا تخرج من أفواههم العيبة، وهذا غير صحيح على الإطلاق، نوادر النجوم تسجل حكايات كثيرة عن غضب نجم ما فى فترة ما، لكنها تسجل أيضًا أن أهل تلك الفترة كانوا يعرفون قيمة الصحافة وناسها.

لقد جرت فى النهر مياه كثيرة، ولم يعد النجوم فى بلادنا يحتاجون إلى هذه المهنة وناسها، لقد استغنوا بعد أن امتلك كل منهم عددًا من الصفحات يديرها لحسابه لتسبح بحمده ومجده صباحًا مساء، وأعتقد أن هذه النوعية من الصفحات المشتراة هى النموذج الذى يجب أن تتبعه صفحات الفن فى الصحف وبرامج التليفزيون، وفى الغالب أى نجم منهم لا يحتاج إلى هذه المهنة إلا فى أوقات الفراغ، أو وقت أن تنحسر عنه الأضواء ويقل الطلب عليه.

لست بصدد تأصيل الحالة، ولا التنظير فيها، ليست مهمتى على الإطلاق، لكن هى فرصة جديدة لأنبه زملائى فى مجلس نقابة الصحفيين للتدخل، واتخاذ خطوات من شأنها إعادة الاعتبار لهذه المهنة والعاملين فيها، وأتصور أن مخاطبة النقابات المعنية أمر ليس بعيدًا، وأتصور أن لقاءً واجبًا وضروريًا للنقيب ومجلسه مع رؤساء تحرير الصحف ينبغى أن يتم فى أسرع وقت لضبط الكثير فى هذا المشهد، يكفى ما أصاب هذه المهنة وأصحابها من كل الفئات فى السنوات الأخيرة، ويكفى شبابها ما يعانونه فى ظل بيئة غير صالحة لأى عمل، فضلًا عن تطويره، واللى بيتخلّق يتخلق على روحه وفى بيتهم، عشان ما حدّش طايق حد أصلًا.