رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نهلة كرم.. زهرة ساحرات الكتابة


ولدت المبدعة نهلة كرم في القاهرة في عام 1989، وتخرجت في كلية الإعلام بجامعة القاهرة في عام 2010، أصدرت حتى الآن خمسة كتب، مجموعتان قصصيتان وثلاث روايات. المجموعتان: أن تكون معلقا في الهواء (أول إصداراتها مطلقا، وتضمنتها القائمة القصيرة لمسابقة ساويرس في عام 2013)، الموت يريد أن أقبل اعتذاره، وأما الروايات: على فراش فرويد، خدعة الفلامنجو، المقاعد الخلفية (الرواية الفائزة بجائزة ساويرس لثاني أفضل عمل روائي بفرع شباب الأدباء في عام 2019 مناصفة مع الكاتب محمد عبد الله). شاركت مع فريق إعداد الفيلم الوثائقي "كراكيب" كما قدمت برنامجا بعنوان "كلام كتب". 
نشأت نهلة في حي شعبي بالقاهرة (زحمة بداخل زحمة وصخب بجوف صخب).. وأحبت الرياضة البدنية التي تجعلها مرنة، واليوجا (الرياضة الروحية والعقلية والجسدية) والتي تجعلها شديدة التركيز عموما.
لا زالت تعتز بالأديب الكبير الراحل مكاوي سعيد، بل تعتبره أستاذها المحفز إلى خوض التجربة الأدبية من الأساس؛ فروايته "تغريدة البجعة" كانت مفتاحية بالنسبة لها، وبعد أن أنهتها في أثناء دراستها الجامعية، وسط قراءاتها الكثيرة المتنوعة، وكم تنصح بالكثرة والتنوع، أقدمت على الكتابة وكانت قبل ذلك محجمة!
يبدو ظلها، للبعيدين عن ثقافاتها وأحوالها البشرية، ظل شابة أرستقراطية أنيقة التصرف متعالية السلوك، فإذا نزل هؤلاء سوحها وجدوا أناقة تصرفها واقعا يجهله الأرستقراطيون عن الشعبيين، ووجدوا تعاليها السلوكي هو عن التفاهة لا القيمة، ووجدوها متأملة ثاقبة تحاول استيقان الأشياء لتجعل ألغاز الحياة أقل تعقيدا بخواطر الحائرين، هكذا، وإن صديقاتها القريبات، وعلى رأسهن نجمة الأدب نورا ناجي، ليصفنها بجميلة المخبر كما المظهر، ويصفن جمالها نفسه بالمنعكس على محيطاته.
يعد الخوف شاغلا فكريا بارزا لديها، يعد أيضا تعبيرا دقيقا عن صدق يغلف عالمها كله؛ فهي ثلاثينية العمر التي مراحلها الزمنية قلقة إلا قليلا (34 عاما الآن)، إلا أنها لا تطرح خوفا سطحيا تبديه رعشة جارحة، وإنما تطرح خوفا عميقا يشمل أودية الإنسان النفسية السحيقة، والأهم، من وجهة نظري، أنها لا تريد من وراء طرح الخوف أن تنفذ، بشخوصها، إلى أمان ما، ومن ثم بقرائها إلى نفس المعنى، وإنما تريد أن تحاصر الخوف السرمدي وتقتله نهائيا، لو استطاعت، بالإمعان في عرض صوره بأشكال ابتكارية تتمم التعريف به، أي بعيدا عن التقليدية التي كادت أن تحجم الأدب، لولا التمرد عليها، وكادت أن تسلبه تميزه.. وإن لم ينجح الحصار والقتل بالتبعية، حصارها الخاص للخوف وقتله، تكون حاولت كشف وجهه القبيح للعالم..
نهلة أكبر من أن تكون فردا مجتهدا يمثل نفسه بمجاله، إنها زهرة باسقة بمقدورها تمثيل جيلها بأكمله، زهرة عطرية فواحة، ذات قلب ناصع وارف، وهي، وأمثالها من ساحرات الكتابة، يبنين مستقبلا إبداعيا زاخرا بالأمل والثقة والاتساع!