رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد العسيرى: السادات حذف اسمه من أغنية «عاش» وقال «أنا ما حاربتش لوحدى»

محمد العسيرى
محمد العسيرى

كشف الكاتب الصحفى والشاعر محمد العسيرى عن كواليس الأغنيات التى لحنها الموسيقار بليغ حمدى لتوثيق معركة العبور فى ٦ أكتوبر ١٩٧٣، وغناها محمد رشدى ووردة ومحمد عبدالمطلب، وغيرهم. وقال «العسيرى»، خلال الجزء الثانى من لقائه الكاتب الصحفى الدكتور محمد الباز عبر برنامج «الشاهد» على قناة «إكسترا نيوز»: إن أغنيات بليغ حمدى لمست الشارع وغناها الناس وأحبوها، لأنها عبرت عن إحساسهم وفرحتهم بالنصر وباسترداد الأرض المحتلة. وكشف عن أن «بليغ» كان من أقرب الملحنين فى هذا الوقت للرئيس السادات، لقدرته على ترجمة أحاسيس الناس، حيث كان الرئيس يصطحبه معه فى كثير من الحفلات، وكان يغنى معه رغم صوته الأجش.

■ ماذا عن أغنية «سكة واحدة» التى لحنها بليغ حمدى لـ«وردة»؟

- «وردة» غنت فى أكتوبر ١٩٧٣ أربع أغنيات، منها واحدة من تلحين على إسماعيل، و٣ لبليغ حمدى.

وأغنية «سكة واحدة» خرجت طبيعية جدًا من وردة وبليغ حمدى، وكان صداها طبيعيًا بالنسبة للمصريين فى لحظات حرب أكتوبر، لأن الشعب والجيش والعرب كانوا بجوار بعضهم بعضًا، وبليغ لحن «دخلة» مختلفة لهذه الأغنية، ثم خرجت الرسالة الأعظم من خلال مقطع «منصورة والله يا بلادنا والنبى يحرسكم الله يا جنودنا والنبى»، وهذه كلمة سيدة مصرية شعبية خالصة، وغناء الكلمات بصوت وردة مع ألحان بليغ كان رسالة مكتملة.

■ ماذا عن الأغنية الأيقونية «عاش اللى قال»؟

- هى على نفس خط بليغ حمدى فى هذه الفترة، ومنذ اللحظة الأولى ترجمت الأغنيات الإحساس واللغة العادية للشارع، التى تقال على المقاهى، وكل فرد فى مصر، فى هذه اللحظة، عندما سمع خبر العبور كان يقول «عاش»، فهى كلمة خرجت من الحارة المصرية، وعندما كتبها محمد حمزة عرضها عبدالحليم حافظ على كمال الطويل، ورفض العمل على الأغنية كونه كان اشتغل أغنية «دولا مين» لسعاد حسنى، التى نشرت فى البداية كقصيدة فى روزاليوسف ولحنها الشيخ إمام، ثم أخذتها سعاد حسنى وأعطتها لكمال الطويل.

وأخذ عبدالحليم حافظ أغنية «عاش» وذهب لبليغ حمدى، الذى كان رافضًا لها فى البداية.

وكان «بليغ» من أقرب الملحنين فى هذا الوقت للرئيس السادات، لقدرته على ترجمة أحاسيس الناس، وكان السادات يصطحبه معه فى كثير من الحفلات وكان يغنى معه رغم صوته الأجش.

وسبب رفض «بليغ» هو أن المقطع الأول فى الأغنية كان فى البداية «عاش السادات» ولم تكن «عاش اللى قال»، ولكن الكاتب الكبير الراحل محمود عوض أقنع «بليغ» بأن الموضوع مختلف، لأنه قائد منتصر وأسطورى فى هذه اللحظة، فتحول من حاكم إلى جندى ومقاتل من الشعب وفى قلب الشعب، فالغناء هنا مختلف، فلحن «بليغ» الأغنية وتم تسجيلها فى الإذاعة وإرسالها للرئيس السادات ليسمعها قبل إذاعتها والذى اعترض عليها، لأنه لم يكن بمفرده فى الحرب وكان معه القادة العرب والمصريون، فتم حذف اسم الرئيس السادات وتحولت إلى «عاش اللى قال».

بليغ حمدى حوّلنا من مستمعين إلى «مغنواتية» فى هذه اللحظة، وكان يقال إن بليغ حمدى عندما لحن لأم كلثوم غنى الشعب معه، على عكس رياض السنباطى.

وتكررت هذه الألحان فى «حلوة بلادى السمرة»، من استخدام الكورال الذى يعطى الإحساس الجماعى، وفى النهاية بليغ حمدى قدم موسيقى بسيطة فى هذا الوقت، وبعض النقاد قالوا بعد الحرب إن هذه الأغانى تافهة من كثرة البساطة التى قدمت بها.

■ ماذا عن تلحين بليغ حمدى لمطربين عرب بلهجات مختلفة؟

- «بليغ» لحن للمطرب السورى موفق بهجت فى أغنية «يا جندى بلادى يا بطل»، والمطرب موفق من القلائل العرب ممن غنوا للنصر وكان نجمًا فى مصر وسوريا سنة ١٩٧٢، وعاش فى مصر فى هذه الفترة، وتزوج من الفنانة ميرفت أمين، وعندما حدثت الحرب، بحث عن كلمات لينقل للشعبين المصرى والسورى مشاعر الوحدة، فاختار مع محسن الخياط غنوة «المعارك وحدتنا» وأخذها لحلمى بكر ولحنها له.

وقدم بليغ حمدى للمطرب موفق بهجت، أغنية «جندى بلادى يا وطن»، وتم تلحينها فى يوم واحد وأذيعت فى اليوم الثانى، وكانت هناك أغانٍ سافرت من مصر لسوريا على الجبهة الأخرى.

وغنوة «جندى بلادى» عرضت فى الإذاعة السورية، وقدمها فهد بلان مع الملحن سيد مكاوى، ووقتها كنا قد دخلنا فى اليوم الرابع عشر من حرب أكتوبر، وبدأ الكلام عن الجندى المصرى صاحب البطولة؛ لأن المراسلين العسكريين بدأوا يكتبون عن ذلك، والأهم كان إحساس الأم والحبيبة والخطيبة بابنها أو حبيبها الموجود بالمعركة.

هذا الإحساس نقله الشاعر نادر أبوالفتوح، فى غنوة لحنها بليغ حمدى لعفاف راضى، باسم «يا قمر خدنى لحبيبى» ووصف مشاعر الحبيبة، فهى لا تنتظر عودة حبيبها، تريد أن تذهب له، ووصف وجهة نظر الحبيبة تجاه الجندى فى الحرب، وعفاف راضى ذهبت لمنطقة ثانية بالأغنية، كما أن محسن الخياط قدم «الحلوة قالت للقمر» لفرقة الثلاثى المرح.

بليغ حمدى بدأ الأغنية بـ«حبيبى»، والمسافة بين «يا قمر خدنى لحبيبى» طويلة، وصوت عفاف الأوبرالى مختلف تمامًا ويعبر عن شىء ولم يكن يقصد تقديم صوت أوبرالى، ولكن صوتها طبيعى وكان يعبر عن البعد.

■ أين محمد رشدى من أغانى حرب أكتوبر؟

- عاشرت الفنان الراحل محمد رشدى، وكتبت مذكراته، ولكن محمد رشدى وقت الحرب وجد أن عبدالحليم حافظ ووردة أخذا الموسيقار بليغ حمدى منه، وكذلك كمال الطويل ومحمد الموجى.

«رشدى» لم يجد ما يقدمه، ورغم ذلك ذهب للإذاعة دون أن يكون معه أى أغانٍ ليقدمها، فوجد كمال عمار على باب الإذاعة، وطلب منه أن يكتب له شيئًا ليقدمه عن الحرب، وبالفعل كتب له أغنية «أهو كدا كدا ربك عدله»، وهى تتناسب مع صوت محمد رشدى ولحنها بليغ حمدى.

أما أغنية «أول خطوة» فكتبها محسن الخياط، للفنان محمد رشدى، ولحنها بليغ حمدى، والأغنية أغنية فرح على طريقة «رشدى»، واستخدم «بليغ» فيها إيقاعات مع صوت «رشدى» المرن والعريض، الصوت الفلاحى، فقدم له «بليغ» «لحن فلاحى» إذا كان تجوز تسميته بذلك حتى يناسب «رشدى».

أغنية «أول خطوة»، هى غنوة مختلفة فيها دراما حول «هل كنا لندرك قيمة النصر»، وتصدر إحساسًا بأننا انتقمنا من الغدر الذى تعرضنا له، وتصف ماذا حدث للجندى المصرى عند الخطوة الأولى على سيناء وبكاءه، وينتقل من الجندى الفرد للجماعة، لأن محسن الخياط كانت لديه الفكرة التى سيطرت قبل ٧٣ بأننا لن نحارب، وقدم «بليغ» آلات موسيقية كثيرة كأنها دراما.

■ كيف حجّم بليغ حمدى صوت محمد عبدالمطلب؟

- «بليع» تعاون معه من خلال أغنية «من نصر لنصر»، ولكنه كان يفكر فيه بشكل مختلف، كيف يُحجّم الصوت الجبار والموهبة الكبيرة.

أغنية «من نصر لنصر» جاءت بعد حادث حصار السويس، لتعبر عن أن الانتصارات ستتوالى، وكأنه يدعو لها «من نصر لنصر»، وصوت «طلب» مبهج ومفرح، وهو أسطى كبير للغناء الشرقى، وكل المطربين الشعبيين قدموا أغانى وطنية، وكان من بينهم أغنية لمحمود شكوكو.

■ هل كانت سنة ٧٣ هى المحطة الأخيرة لبليغ حمدى فى توثيق انتصارات أكتوبر؟

- بليغ حمدى صنع حالة وطنية خاصة بعد عام ٦٧، حتى نصر أكتوبر وما بعد أكتوبر، وقدم موال «فى حب مصر»، الذى يوثق معركة العبور، وهى مجموعة من الحلقات الإذاعية ونفذها عام ١٩٧٥.

«بليغ» قدم بصوته غنوة «حاربنا بالدم مش بالكلام»، وهو شخص متطور ولا يقف عند محطة معينة، فلا توجد أغنية تُشبه الأخرى، ولا آلة تتكرر بالشكل نفسه.

وكان غزير الإنتاج فى الألحان، وكان يفضل أن يكون بجانبه شعراء طول الوقت «علشان يلاحقوه»، وهو لا يتوقف أبدًا.

■ ماذا عن «صدق وعده» التى كانت آخر أغنية لتوثيق انتصارات أكتوبر؟

- الكثير من الناس لا يعرفون بوجود مساحة صوفية كبيرة جدًا فى مزيكا بليغ حمدى، من موسيقى «ألف ليلة وليلة»، واستخدام موسيقى «الأذان والترانيم».

«بليغ» اكتسب هذه المساحة الصوفية نتيجة حضوره كل الموالد التى كانت تقام فى مصر، علاوة على فقدانه والدته، وأول أغنية قدمها لنصر أكتوبر كانت «بسم الله»، ولكنه كان يبحث عن أغنية تؤكد الحالة التى يريد أن تصل للناس.

أغنية «صدق وعده» كانت تحمل الكثير من الرسائل، أهمها أنه قادر على تلحين القصيدة الفصحى، واختيار الكورال ليغنى قصيدة كان أمرًا لا بد من الوقوف عنده.

بليغ استخدم الدفوف والصوت الرجالى فى الكورال، داخل أغنية «صدق وعده»، علاوة على الرسائل الصوفية التى حملتها موسيقاه.

■ كيف كان شكل الأغنية التى قدمها «بليغ» لـمحمد رشدى؟

- الملحن بليغ حمدى تعامل مع الفنان محمد رشدى، من خلال أغنيتين احتفالًا بالعبور، الأولى كانت «أهو كده»، والثانية كانت «أول خطوة»، التى تختلف عن الأولى تمامًا لأنها أغنية درامية، وتحسها قصيدة وليست أغنية ونفذ نقلات موسيقة كثيرة جدًا، و«كأنه عامل دراما وبيوصف الرسالة، وحرفيًا مع موسيقى بليغ لازم تغمض عينيك».

مزيكا بليغ حمدى إضافة كبيرة لأى أغنية، ولكن صوت «رشدى» يستطيع أن يقول أى شىء، وهو صوت مرن يشبه أبناء البلد.