رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قمة «الجنوح» المناخى

قمة «الطموح» المناخى، التى تنعقد، بعد غدٍ، الأربعاء، ضمن أعمال الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، قد تكون خطوة مهمة نحو تعزيز الإرادة الدولية لتسريع وتيرة وحجم الانتقال العادل إلى اقتصاد عالمى أكثر إنصافًا، وأكثر قدرة على تحمل ومواجهة التغيرات المناخية، خاصة بعد أن انتهى تقرير التقييم السادس الصادر عن «الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ»، إلى أن النشاط البشرى مسئول عن معظم الكوارث المناخية القاسية، التى ضربت معظم مناطق اليابسة.

حرائق الغابات المدمّرة، درجات الحرارة القياسية، الفيضانات العنيفة، الأعاصير الأكثر عنفًا، والأرقام القياسية العديدة، التى تم تحطيمها، هذا الصيف، وضعتنا أمام ما يمكن وصفه بـ«الجنوح المناخى»، وجعلتنا، ومعظم البشر، أكثر قلقًا على مصير هذا الكوكب، حال عدم وجود تحرك دولى، فعلى، فعال وسريع، أساسه الإنصاف والمسئولية المشتركة، للوصول إلى واقع نعيش فيه بشكل آمن، بيئيًا وصحيًا، وفى ظروف مواتية للعمل والنمو. وما قد يطمئن، ولو قليلًا، هو أن القمة المرتقبة ستشهد إطلاق «صندوق الخسائر والأضرار»، الذى تم انتزاع الموافقة على إنشائه، خلال الرئاسة المصرية للقمة السابعة والعشرين لمؤتمر الدول الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ، كوب ٢٧، التى استضافتها شرم الشيخ فى نوفمبر الماضى. 

فى هذا السياق، تأتى مشاركة مصر فى «قمة الطموح المناخى»، تأكيدًا للخطوات المتتالية التى اتخذتها الدولة، لدفع العمل المناخى وتعزيز جهود التنمية والتحول الأخضر. وأيضًا، فى ضوء الرئاسة المصرية لـ«كوب ٢٧»، والإجراءات الفعالة التى اتخذتها، على رأسها إطلاق برنامج «نُوَفِّى»، الذى يعد نموذجًا للمنصات الهادفة إلى حشد التمويلات المناخية من شركاء التنمية، الثنائيين ومتعددى الأطراف، وتحفيز مشاركة القطاع الخاص فى تمويل مشروعات التخفيف والتكيف مع التغيرات المناخية. كما تتزامن المشاركة المصرية مع الانتهاء من الإطار الاستراتيجى للشراكة مع الأمم المتحدة من أجل التنمية المستدامة ٢٠٢٣-٢٠٢٧، الذى يؤسس لمرحلة جديدة من التعاون البناء بين مصر والمنظمات والوكالات الأممية المختلفة.

خلال فعاليات القمة، تنظم وزارة التعاون الدولى، بالتعاون مع الصندوق الدولى للتنمية الزراعية، IFAD، اجتماع اللجنة الاستشارية لزيادة القيمة المالية لمشروعات التكيف مع التغيرات المناخية. كما تشهد الجلسات المختلفة التى تشارك فيها مصر، استعراضًا لأهم مبادرات مؤتمر المناخ، ومن أهمها إصدار دليل شرم الشيخ للتمويل العادل، الذى يعزز الجهود الدولية لحشد التمويلات المناخية. كما تشارك مصر، أيضًا، فى الحوار رفيع المستوى بشأن تمويل التنمية لسنة ٢٠٢٣، ضمن فعاليات الأسبوع رفيع المستوى لدورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، تحت عنوان «تمويل أهداف التنمية المستدامة لضمان عدم تخلف أحد عن الركب»، فى ضوء الأزمات العالمية المتتالية والتحديات الاقتصادية التى فرضت تحديات أمام تمويل أهداف التنمية المستدامة.

فى تأكيد جديد، آخر، على ريادة مصر، ودورها فى تعزيز العمل المناخى، تستضيف الوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادى والتنمية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى، الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولى، إلى جانب نخبة من المتحدثين وممثلى الحكومات، بمقر بعثة ألمانيا الدائمة بالأمم المتحدة، فى حدث رفيع المستوى تحت عنوان «بناء اقتصاديات المستقبل: قوة الاستثمار فى المساهمات المحددة وطنيًا لتنفيذ اتفاق باريس للمناخ وأهداف التنمية المستدامة». ومن المقرر أن تستعرض وزيرة التعاون الدولى، خلال مشاركتها فى هذا الحدث، جهود مصر نحو تنفيذ اتفاق باريس للمناخ وأهداف التنمية المستدامة، وتجربة إطلاق برنامج «نُوَفِّى»، وأهمية آلية مبادلة الديون من أجل تعزيز العمل المناخى والتنمية.

.. وتبقى الإشارة إلى أن عمليات المحاكاة الحاسوبية، التى قام بها علماء وخبراء، لتقييم زيادة احتمالية الأحداث المناخية المتطرّفة بسبب الاحتباس الحرارى، كانت قد توقعت، أو استنتجت، حدوث موجات الحر الشديدة التى ضربت جنوب أوروبا وجنوب الولايات المتحدة والمكسيك، فى يونيو الماضى، وأكدت أن هذه الموجات كانت «مستحيلة تقريبًا» لولا تغيُّر المناخ الناتج عن النشاط البشرى. وعليه، ننتظر من القمة المرتقبة أن تقوم بمعالجة أخطاء الماضى وتحسين أوضاع الحاضر، حتى لا يفنى هذا الكوكب، ومن عليه، فى المستقبل.