رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"ألحان النصر".. محمد العسيرى: بليغ حمدى لحن 17 أغنية لنصر أكتوبر خلال 18 يومًا فقط

الدكتور محمد الباز
الدكتور محمد الباز والاستاذ محمد العيسرى

عبدالناصر غضب من أغنية «ليس لى إلاك عونًا» وقال: «مش هنعيط».. واتصل برئيس الإذاعة لسؤاله عن عدم إذاعة «عدّى النهار»

«أم الصابرين» كانت دعوة للحكمة بعد النكسة.. واختيار شادية بسبب دفء صوتها ونعومته

بليغ «كان نايم» وقت العبور.. وحين عرف ذهب هو ووردة إلى مبنى الإذاعة لتسجيل «الله أكبر بسم الله»

«عدّى النهار» ليست وليدة النكسة لكن الأبنودى كتبها ضمن ديوان عن العمال سنة 1962

كشف الكاتب الصحفى والشاعر محمد العسيرى عن كواليس مرحلة فى غاية الأهمية من مراحل الأغنية المصرية، وهى المرحلة التى واكبت نكسة ٦٧ ثم حرب الاستنزاف، وصولًا إلى نصر أكتوبر، والتى صدر خلالها العديد من الأغنيات الوطنية الحماسية التى ألهبت حماس المصريين. 

وخلال أولى حلقات الموسم الثالث من برنامج «الشاهد»، الذى يقدمه الإعلامى الدكتور محمد الباز على قناة «إكسترا نيوز»، قال «العسيرى» إن أغنية «عدّى النهار» كان لها تأثير كبير على المصريين بعد النكسة، لدرجة أنه إذا لم تذع فى أحد الأيام، كان الرئيس جمال عبدالناصر يتصل برئيس الإذاعة لسؤاله عن سبب عدم إذاعتها.

وكشف عن أن أغنية «على الربابة» التى غنتها المطربة وردة كتبها الشاعر عبدالرحيم منصور بعد يوم معركة العبور مباشرة، حيث ذهب بليغ حمدى له فى منزله، وسأله عن إحساسه فقال: «أتمنى أن أمسك الربابة وأغنى»، فقال له: «اكتب ذلك»، فكتبت الأغنية.

■ خلال الخمسين عامًا الماضية تم تكريم بليغ حمدى، ليس فقط لأنه سجل الحرب ووثقها بموسيقاه، ولكن لأنه كان أحد المحرضين على الحرب بعد ٦٧.. فما شهادتك على «بليغ» ونصر أكتوبر؟ 

- موسيقى بليغ حمدى بعد انتصار أكتوبر ١٩٧٣ لا تنفصل عن موسيقاه بعد نكسة ١٩٦٧، الناس لو عرفت أن بليغ نفذ ١٧ أغنية فى ١٨ يومًا بداية من ٦ أكتوبر حتى ٢٤ أكتوبر، ستندهش، «بليغ» استطاع أن يلحن ويوزع ويسجل.. من أول يوم فى حرب أكتوبر لحّن لأصوات مختلفة سواء مصريين أو عربًا.

وفى يوم ٢٦ يونيو بعد حرب ٦٧ بأيام قليلة، كانت الإذاعة المصرية قد استدعت عددًا كبيرًا من الموسيقيين والمطربين، وتم الاتفاق على تنفيذ أغانٍ قصيرة سميت بـ«الشعار»، وهى أغانٍ قصيرة جدًا لإجراء شحن معنوى للمصريين.

«بليغ» لحّن أغنية «إنذار يا استعمار يا عصبة الأشرار»، وهى لا فرق بينها وبين «عدّى النهار» الأغنية الأشهر، لكنه دخل «مود» الحرب بهذه الأغنية التى جاءت بالتوازى مع معركة رأس العش فى الأيام الأولى بعد ٥ يونيو، وجاءت لتقول للناس «رفضنا الهزيمة».

■ «عدّى النهار» أغنية أيقونية أعلنت أننا لن نستسلم.. ما قصتها؟ 

- أغنية «عدّى النهار» لم تكتب بعد النكسة، بل كانت ضمن ديوان لعبدالرحمن الأبنودى عن العمال كتبه سنة ١٩٦٢، «الأبنودى» كان قد أُبعد إلى أبنود جبريًا، ثم تم استدعاؤه بعد تدخل عبدالحليم حافظ ليشارك فى كتابة الأغانى بعد النكسة، ضمن مجموعة من الشعراء منهم عبدالرحيم منصور وسيد حجاب.

المرحلة قبل مجىء «بليغ» من سنة ١٩٥٦ لـ١٩٦٧ كان بطلها كمال الطويل وصلاح جاهين، لتنفيذ أغانى الحشد الجماهيرى، و«بليغ» كان الإحساس المسيطر عليه هو إحساس بالمرارة، ورفض الهزيمة، وأننا لم نحارب، جملة «محاربناش واتخدنا غدر» كانت فى ذهنية «بليغ»، وأغنية «عدّى النهار» طلعوها من جيب الأبنودى فى لحظة فارقة، الناس كانت بتسأل هنعمل إيه، فكانت أغنية «عدّى النهار».

وعندما كان يمر يوم دون أن تذيع الإذاعة المصرية أغنية «عدّى النهار»، الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كان يتصل برئيس الإذاعة ويسأله «ليه مذعتوش أغنية عدّى النهار؟.. الأغنية لها تأثير على ساحتين، ساحة الحرب، وساحة الشعب»، وكان الشارع فى ذلك الوقت يسمع نوعًا من الأغانى لطيفًا وجميلًا، لكن هناك نوعًا من اليأس، وكانت الأغنية الأشهر آنذاك «كل الناس بيقولوا يا رب»، وأغنية أخرى كانت تذاع بشكل مستمر لدرجة أزعجت «عبدالناصر»، هى أغنية «إلهى ليس لى إلاك عونًا».

«عبدالناصر» فى أول اجتماع لمجلس الوزراء بعد تنفيذ الأغنية، قال: «الأغنية حلوة وكويسة لكن معناها إننا مش هنشتغل ومطلوب إننا نشتغل»، وحسب نص اجتماع مجلس الوزراء قال: «إحنا مش هنعيط»، وثروت عكاشة أشار حينها إلى استخدام الألمان موسيقى بيتهوفن فى الحرب.

«بليغ» لحّن «عدّى النهار» ووزعها عبدالحليم نويرة، وهى من الأغنيات القليلة التى لم يوزعها على إسماعيل، لذا نجد فيها إحساسًا متغيرًا، الحالة ونقيضها، ودخلة الأغنية فيها «صورة وحكى»، فـ«بليغ» نفذ مزيكا بعيدة عن صوت «عبدالحليم»، كانت غنوة فوقان.

■ ماذا عن الأغنية التى لحنها محسن الخياط «سكت الكلام والبندقية اتكلمت»؟ 

- بين «عدّى النهار» و«سكت الكلام» هناك أكثر من أغنية، لأن بليغ حمدى فى هذه الفترة كان قريبًا من الفنانة شادية و«عبدالحليم» وأصوات أخرى، وأغنية «فدائى» كانت مثل النشيد الوطنى فى هذا الوقت، وهذه المساحة من الأغانى كانت تجسد فكرة المقاومة على الجبهة وعبور القناة، حيث لم يكن الجيش بمفرده ولكن كان هناك فدائيون من المدنيين.

وفكرة «الفدائى» بدأت تتردد وتكون موجودة، وتم إنتاج أغنية «إنا فدائيون» لأم كلثوم، مع بداية المجهود الحربى، بدأ تنفيذ أغانٍ لتذهب للجنود على الجبهة، واستمر «بليغ» فى هذا المسار، ولكن فى فترة شديدة الجمال قابل عبدالرحيم منصور، ونفذا أعمالًا فنية جميلة على المسرح، ونفذا مسرحية «ياسين ولدى»، بطولة شكرى سرحان وعفاف راضى عام ١٩٧٠.

والغريب أن معانى المسرحية كانت تتردد فيها فكرة العبور، وكانت كلمات الأغانى داخل المسرحية تحمل فكرة العبور والانتصار، وفى هذا الوقت انتشرت شائعات حول فكرة الحرب من عدمها، فكتب محسن الخياط أغنية «سكت الكلام».

ومحسن الخياط شاعر عظيم وأحد الأبطال الذين شاركوا سواء فى الاستنزاف أو فى حرب أكتوبر، وعندما نبحث فى أغانيه نجد أنها تركز على الجانب الوطنى، وهناك معنى داخل الكلمات فى أغنية «سكت الكلام» يبشر بقرب النصر، عندما قال «جايلك وأنا حالف أجيب عيون الشمس».

وفكرة النهار والشروق والنصر مع المزيكا فى صوت «عبدالحليم» فى «سكت الكلام» تدل على مزيج موسيقى غريب، مع صوت طلقات الرصاص، و«سكت الكلام» من أهم الأغانى لفترة الاستنزاف، وعندما تبحث تجد بليغ حمدى متنوعًا ولم يلحن أغنية مثل الأخرى فى هذه الفترة، وكل أغنية لها شكل خاص، ولكن لا ينفصل عما يدور فى الشارع المصرى فى هذه الفترة، وعما يدور على الجبهة.

والجميع لم يأخذ فى حسبانه فى هذه الفترة حادث تفجير ميناء «إيلات» الإسرائيلى من الفدائيين المصريين، والضرب المضاد من العدو فى بحر البقر، وأبوزعبل ونجع حمادى، وطوال الوقت كانت هناك أحداث حرب، وكان الغناء يواكب حالة الحرب التى كان يعيشها الشارع والجيش على الجبهة.

■ ما سر تقديم بليغ حمدى أغنية «أم الصابرين» لشادية بدلًا من أخرى تحمل معانى الثورة بعد النكسة؟

- بليغ حمدى كان شخصًا ذكيًا جدًا فى التعامل مع أى حدث، ويُحب أن يكون فى المنتصف دون أن ينحاز، وهذا ما حدث فى أغنية «أم الصابرين»، فاختار وقت طرحها فى لحظة فارقة فى تاريخ مصر، وسط مطالب من المصريين والنداءات للحرب، وقرر أن يكون هناك صوت يدعو للحكمة، فالأغنية تخاطب مشاعر المصريين بعد النكسة، وأكد لهم أنه بعد الهزيمة حتمًا سيأتى النصر.

وصوت شادية يحمل العديد من المعانى، فهى صوت مصر فى كل وقت وزمان، ولجأ بليغ حمدى إلى صوتها لدفئه ونعومته، ونجحت فى غناء الأغنية والتعبير عن كل معانيها بهدوء وسلاسة.

■ كيف أسهم عبور أكتوبر فى خروج بليغ من عزلته وعودته للفن من جديد؟

- فترة العبور كانت علامة مأساوية فى حياة «بليغ» على المستوى الشخصى، بسبب موت والدته التى كانت تلعب دورًا كبيرًا فى حياته، حيث كان يمر بحالة نفسية سيئة جدًا، وكانت المفارقة أن «ذكرى أربعين والدته» كانت يوم ٥ أكتوبر، وظل نائمًا حتى أيقظته أخته على خبر العبور.

■ ماذا فعل وقت معرفته بالعبور؟

- تفاجأ جدًا فى بداية الأمر، حتى قرر الاتصال بصديقه الإذاعى وجدى الحكيم، ليتأكد من صحة الأخبار، وبمجرد ما تأكد قرر أن يتصل بالشاعر عبدالرحيم منصور وينزل هو وزجته ليذهبا إلى مبنى الإذاعة.

■ ما قصة أغنية «الله أكبر بسم الله» التى قدمتها المجموعة؟

- كواليس هذه الأغنية غريبة جدًا، كما قلت، «بليغ» عندما علم بالعبور قرر التوجه هو وزوجته «وردة» إلى مبنى الإذاعة، وبالتالى فالطبيعى أنها هى من ستغنى الأغنية، ولكن المفارقة أنه نسى وجودها، وفى نفس الوقت جاءت الكلمات التى كتبها الشاعر عبدالرحيم منصور جماعية، وليست فردية فلا يمكن أن تغنيها.

بعد إيقان بليغ حمدى وعبدالرحيم منصور بأن الأغنية يجب أن تسجل بطريقة جماعية، قرر أن يجمع عمال بوفيه الإذاعة والموسيقيين الذين أحضرهم، وسُجلت الأغنية بصوتهم، وطُرحت فى نفس اليوم، ثم تم تسجيلها مرة أخرى بصوت المجموعة.

■ وما قصة أغنية «على الربابة»؟

- بليغ حمدى لحّن عدة أغنيات قبل أغنية «على الربابة» التى غنتها «وردة»، وهى أغنية «الفجر لاح» لعبدالحليم حافظ، وهى من الأغنيات التى لا تُذاع كثيرًا، وأغنية «قمت يا مصر» وأغنية «مصر يا بلادى» لعبدالحليم، وأغنية «عبرنا الهزيمة» لشادية.

قصة أغنية «على الربابة» كالآتى، كان الشاعر عبدالرحيم منصور قد غادر مبنى الإذاعة إلى منزله، وكذلك الفنانة وردة الجزائرية، واكتشف وقتها بليغ حمدى أن الشاعر عبدالرحيم منصور غير موجود فى مبنى الإذاعة، فذهب بليغ إلى منزل «عبدالرحيم» لإيقاظه، وقال له: «هل هذا وقت نوم؟»، فرد عليه «عبدالرحيم»: «يعنى المفروض أعمل إيه؟.. اللى مفروض أعمله دلوقتى هو إنى أروح بلدنا وأمسك ربابة وأغنى للناس هناك»، فطلب منه بليغ حمدى أن يمسك الربابة، فكتب عبدالرحيم الأغنية وتم تلحين الجزء الأول منها، وذهب بليغ حمدى إلى المنزل وأيقظ الفنانة وردة لتسجيل الأغنية، فقالت له وردة: «أروح أسجل أغنية أنا لم أسمعها»، فأسمعها بليغ المذهب الأول منها.

بليغ هنا كان قد تأكد أننا عبرنا وانتصرنا، ولذلك استخدم فى الأغنية إيقاعًا كله رقص، واستخدم آلة من آلات الأفراح، وأغنية «على الربابة» راقصة وتم إنتاجها للتعبير عن الفرحة عند التأكد من العبور وتحقيق نصر أكتوبر.

«وردة» بصوتها الطليق هى من غنت أغنية «على الربابة» وقد تم تسجيل الأغنية وتصويرها، لافتًا إلى أن تصويرها تم بشكل عفوى جدًا، وكان حمدى الكنيسى، مراسل مصر الحربى للإذاعة خلال حرب أكتوبر ١٩٧٣، موجودًا فى تصوير الغنوة.