رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

توابع زلزال المغرب فى مهرجان روتردام

في ظل أجواء من الحزن والوجوم والترقب اختتمت فعاليات الدورة الـ٢٣ لمهرجان روتردام للفيلم العربي في هولندا بعد وقائع الزلزال المدمر الذي ضرب المغرب الشقيق وتلته سيول في ليبيا. 
فالجالية المغربية في مدينة روتردام وبالتحديد هي من أكبر الجاليات العربية في أوروبا ولذلك تم انتخاب مغربي ليكون عمدةً للمدينة ويتقلد مغاربة كثر مناصب عديدة في تلك المدينة الهولندية والتي تعد منذ الحرب العالمية الثانية معبرًا للنازحين للولايات المتحدة، فهي أكبر ميناء في قارة أوروبا، وكان هذا الميناء وما زال هو المعبر البحري الآمن رأسًا لمدينة نيويورك ومرت من خلاله سفن عملاقة للولايات المتحدة الامريكية وتحديدًا مدينة نيويورك،  لذلك سمي احد فنادق المدينة التاريخية العريقة باسم نيوريورك. ففيه قضى اليهود النازحون من جحيم هتلر من مختلف أنحاء أوروبا وتحديدًا أوروبا الشرقية، ليلتهم الأخيرة في قارة أوروبا في هذا الفندق التاريخي وصبحوا منه ومن خلال ميناء روتردام ليصلوا رأسًا لنيويورك وتكون ثاني ليلة لهم في قلب الولايات المتحدة! وبخلاف ذلك تعد مدينة روتردام  الهولندية هي مدينة السينما وبامتياز في هولندا، إذ يقام فيها منذ عام ١٩٧٢ مهرجان دولي للسينما يعد من أهم مهرجانات السينما في العالم وهو مهرجان (روتردام الدولي للفيلم) إلى جانب مهرجان الفيلم العربي والكاميرا العربية والذي كان وما زال ضرورةً ملحة، نظرًا لوجود جاليات عربية كثيرة في مدينة روتردام الكوزموبوليتانية الطابع وبامتياز، ففيها تقطن مختلف الأعراق والجنسيات فكان لا بد من رابط وجسر يربط بين الجميع ويربطهم بالسكان الأصليين، والسينما هي خير رباط لا يفصم.. فالسينما ليست فقط فنًا يجمع بين طياته الفنون السبع بل لغةً عالمية تدعو للتآلف والإخاء والمحبة والسلام وتنشر قيم الحق والخير والجمال وتقرب ولا تباعد، وتصلح أحيانًا ما قد تفسده السياسة.. وبعد ثورات الربيع العربي وما حدث من خضات وحراك لم يكن جيدًا في كل مراحله، ووصل الإسلام السياسي لسدة الحكم في عدة بلدان وأطل علينا شبح داعش وما سعت لتأسيسه واسترجعنا قرونًا كانت قد ولت وبليت أفكارها وعدنا لنسمع ترهات لها علاقة بالخلافة ودولتها لتقزيم دول وشعوب وأمم وبالطبع واكبت السينما بشقيها التسجيلي والروائي كل ما حدث.. ورصدت السينما قصصًا إنسانية ووثقت لجرائم وأبدع الروائيون أعمالًا ستظل محفورة وموثقة على شريط سينما يعد وثيقة تاريخية شاهدةً على الأحداث. 
وكان لمهرجان روتردام للفيلم العربي نصيب كبير من عرض تلك الإنتاجات الطازجة على مدار ١٣ عامًا انتقل فيها المهرجان نقلةً نوعيةً وكان منفذًا لعرض كل جديد ورصد نمو السينما العربية التي تزاحم لتجد لنفسها موطئ قدم بين سينما العالم وليشاهد الجمهور الهولندي تلك الإنتاجات جنبًا إلى جنب مع الجمهور العربي التوّاق ليرى إنتاجات بلاده على شاشة سينما. 
وفي دورة المهرجان الثالثة والعشرين واصل مهرجان روتردام للفيلم العربي برامجه الخاصة وفعالياته التي دومًا ما تبحث عن كل جديد وخصص برنامجًا خاصًا بمناسبة مرور ٢٠ عامًا على الاحتلال الأمريكي للعراق وخصص كذلك ندوةً للسينمائي والمسرحي العراقي الكبير (قاسم حول) الذي حكى عن تجربته الخاصة في تأسيس أرشيف للسينما العراقية وعرض المهرجان أفلامًا نادرة لفلسطين أتى بها من اليابان مخرج عراقي وكانت الأفلام اكتشافًا غير مسبوق  وعرضها كان حصريًا في فعاليات المهرجان الذي عادة ما يولي اهتمامًا كبيرًا بالدول والشعوب التي عانت من ويلات الحروب أو الاحتلال أو الإرهاب، لذلك خصص المهرجان دورة عام ٢٠١٢ لسوريا وعرض خلال فعالياته كل ما أنتجته سوريا من أفلام مستقلة روائية أو تسجيلية توثق لجرائم داعش في مدينة (الحسكة) و غيرها من المدن السورية. 
وكرم المهرجان هذا العام الفنانة المصرية الكبيرة ليلى علوي التي سجلت كلمة للمهرجان ووعدت بالمجيء إليه في العام المقبل.. وحصدت مصر ٤ جوائز في المهرجان- بعد الوقوف دقيقة صمتًا على أرواح ضحايا المغرب-  إذ حصل الفيلم المصري (١٩ ب) على جائزة لجنة التحكيم وأفضل مخرج (أحمد عبدالله) وأفضل ممثل (سيد رجب) وحصل الفيلم الوثائقي (big little women) على جائزة افضل فيلم وهو إنتاج مصري سويسري للمخرجة والسيناريست المصرية نادية فارس والفيلم يعد آخر ظهور إعلامي للراحلة الكبيرة والمفكرة المصرية نوال السعداوي، وحصد فيلم فلسطيني قصير جائزة أفضل فيلم روائي قصير وحصلت الممثلة الأردنية منى حوا على جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم (يا رب ولد) وهو العمل الأول للمخرج الأردني (أمجد الرشيد) وشارك الفيلم في مسابقة مهرجان كان ٢٠٢٣ و شاركت الفنانة المصرية داليا البحيري في لجنة تحكيم الفيلم الطويل مع المخرج والمنتج الفلسطيني محمد قبلاوي والمنتج والمخرج السعودي (صالح فوزان) وشارك المنتج المصري صفي الدين محمود في مسابقة الفيلم الوثائقي مع الممثلة التونسية مريم فرجاني. 
وأُسدل الستار على فعاليات الدورة الـ٢٣ لمهرجان روتردام للفيلم العربي في هولندا وينتظر جمهور المدينة المهرجان الدولي في بداية العام المقبل.