رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أنياب الطبيعة

الكوارث الطبيعية، والظواهر المناخية المتطرفة، التى أودت بحياة الآلاف، خلال النصف الأول من السنة الجارية، تسببت، أيضًا، فى خسائر اقتصادية، قدّرتها شركة التأمين السويسرية «سويس رى»، Swiss Re، بحوالى ١٢٠ مليار دولار، والرقم لا يشمل، طبعًا، ما شهدته ليبيا والمغرب والدول الأسكندنافية، وجنوب شرق أوروبا و... و... وغيرها، خلال الأسابيع الأخيرة.

لم نكد نستوعب صدمة الزلزال، الذى ضرب المملكة المغربية الشقيقة، فى ٨ سبتمبر الجارى، والذى راح ضحيته، حتى الآن، حوالى ثلاثة آلاف، حتى هاجم الإعصار «دانيال» عدة مدن ليبية، وأودى بحياة الآلاف، بعضهم تحت المبانى المنهارة، وبعضهم الآخر جرفته سيول وفيضانات، تسببت فى اختفاء أحياء بأكملها تحت المياه، وصار الوضع، بعد انهيار سدين قديمين، كارثيًا وخارجًا عن السيطرة.

ليبيا، كما لعلك تعرف، دولة ساحلية، وعادة ما تتعرض لأعاصير قادمة من أوروبا، مصحوبة بمنخفضات جوية، غير أن هذه الأعاصير، لم تكن تصل إلى ذروتها فى الداخل الليبى، بعكس الإعصار دانيال، الذى كان قد ضرب اليونان وتركيا وبلغاريا، الأسبوع الماضى، وأودى بحياة أقل من ٣٠ شخصًا، فى الدول الثلاث، وفقًا لوكالة «أسوشيتد برس»، قبل أن يستمد قوته من مياه البحر المتوسط، الدافئة بشكل غير طبيعى، ويتحول إلى ما بات يعرف باسم «الإعصار المتوسطى»، medicanes، نتيجة لتغير المناخ المرعب.

صحيح أن التقرير الأحدث لـ«الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ» توقع أن تنخفض وتيرة الأعاصير المتوسطية، غير أن التقرير نفسه حذّر من قوة وخطورة تلك الأعاصير، حال حدوثها، وحال استمرار الاحترار المناخى. كما أن خبراء المناخ كثيرًا ما حذروا من أن ظاهرة الاحتباس الحرارى، تؤدى إلى تبخر المزيد من المياه، وتجعل الأعاصير أكثر قوة. وهناك العديد من التقارير العلمية، الموضوعية، التى تؤكد، بشكل قاطع، أن تغير المناخ، الذى تتزايد تأثيراته وتداعياته مع كل ارتفاع فى درجات الحرارة، هو التحدى الوجودى الأخطر، الذى يواجه كوكب الأرض.

بمنتهى الجدية، تتعامل مصر، منذ منتصف ٢٠١٤، مع القضايا البيئية وأزمة تغير المناخ، ولعبت دورًا بارزًا على المستويين الإقليمى والدولى فى مختلف الفعاليات الخاصة بهذه وتلك، وسلطت الضوء على أهمية توسيع قاعدة المستثمرين المهتمين بتمويل مشروعات العمل البيئى والمناخى، وشددت على دور الدول المتقدمة فى توفير الموارد المالية والتقنية لدعم دول القارة الإفريقية، والدول النامية إجمالًا، وأطلقت المنصة الوطنية الاستثمارية للمشروعات الخضراء والعمل المناخى، نوفِّى، التى تهدف إلى توفير الدعم الفنى وحشد المنح والتمويلات التنموية المُيسرة، لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز التحول إلى الاقتصاد الأخضر، و... و... ولدى استضافتها قمة المناخ، كوب ٢٧، استهدفت ترجمة الطموحات والتعهدات إلى واقع ملموس، يدعم التحول العادل من أجل النمو الأخضر وبلوغ أهداف التنمية المستدامة، وفقًا للأولويات الوطنية لكل دولة.

كانت مصر، أيضًا، من أولى دول العالم، التى وضعت استراتيجية وطنية شاملة لتغير المناخ، حتى سنة ٢٠٥٠، تضمنت أهدافًا رئيسية، و٢٦ مشروعًا ذات أولوية حتى سنة ٢٠٣٠، و... و... وصولًا إلى إطلاقها «منتدى الاستثمار البيئى والمناخى»، الذى يهدف، كما أشرنا، أمس، إلى تحويل ملف البيئة إلى هيكل متكامل، يربط بين التخفيف والتكيف وتمويل المناخ، وخلق قنوات تواصل بين المؤسسات التمويلية والمانحة مع القطاع الخاص ورواد الأعمال، وتقديم كل أوجه الدعم الفنى، وتهيئة المناخ الداعم للاستثمار البيئى، إضافة إلى متابعة تنفيذ مخرجات قمة شرم الشيخ، كوب ٢٧، وترجمتها إلى خطوات عملية.

.. وأخيرًا، نرى أن الكوارث والظواهر الطبيعية المتطرفة، تفرض على ما يوصف بـ«المجتمع الدولى» مساعدة الدول النامية، والأقل نموًا، فى مواجهة التغيرات المناخية، التى لم تكن هى المتسبب فيها، وصارت الأكثر تضررًا منها، ليس فقط بالبحث عن آلية تلزم الدول الغنية بتقديم المائة مليار دولار، سنويًا، التى تعهّدت بها، ولكن، أيضًا، بإحداث تغييرات جذرية، فى قواعد وآليات ومعايير النظام المالى العالمى القائم، أو تغيير هذه النظام «برمته»، بضم الميم أو كسرها، حتى يصبح أكثر ديمقراطية، وأكثر عدالة، وأكثر استدامة.