رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الروائى حمدى الجزار: شخصيات رواية العروس غير حقيقية لكن مستمدة من الحياة وأحداثها تدور فى ١٦ ساعة.. وأعتبرها نقلة جديدة فى مسيرتى الأدبية

الروائى حمدى الجزار
الروائى حمدى الجزار

- مشروعى فنى وأدبى وليس أيديولوجيًا.. وأنا مشغول بالتعبير عن الإنسان ورسم العالم

- أبدأ الكتابة قبل أن تتبلور الشخصيات والأحداث فى عقلى على عكس كثير من الكتّاب

منذ روايته الأولى «سحر أسود» ٢٠٠٥، رسم الروائى المصرى حمدى الجزار لذاته خطًا أدبيًا ينأى من خلاله عن المنافسة، فانشغاله الفنى بأعماله يغلب على ما يكتب، ويجعله غير عابئ بسباق الكم، إذ نشر خلال تسع سنوات ثلاثة أعمال بعد روايته الأولى هى «لذات سرية»، و«الحريم»، و«كتاب السطور الأربعة». وبعد غياب طويل عن النشر مرة أخرى صدرت روايته «العروس» أخيرًا منذ شهور عن دار «ديوان للنشر والتوزيع»، ليقدم من خلالها انشغالًا فنيًا جديدًا وشخصيات أدبية فريدة يعكس من خلالها ثراء الوجود الإنسانى وأزماته وانشغالاته التى لا تهدأ. 

فى هذا الحوار، نناقش مع الجزار روايته الأحدث «العروس» وانشغالاته الأدبية والفكرية بها، وكذلك موضعها فى سياق كتاباته الأخرى، متطرقين للحديث عن رؤى الكاتب فيما يخص أولويات الكتابة الأدبية من وجهة نظره. 

 

■ صدرت رواية «العروس» بعد غياب طويل امتد لتسع سنوات منذ صدور روايتك «الحريم» «٢٠١٤».. لِم تأخر العمل الجديد فى الظهور؟

- ليس ثمة تأخير، فعقب صدور رواية «الحريم»، أصدرت «كتاب السطور الأربعة» المكوّن من جزءين، كما كتبت الكثير من القصص التى نُشرت فى عدد من الصحف، وكنت أكتب بشكل يومى وأحاول الاشتغال على عدة مشروعات روائية، إلى أن ظهر مشروع رواية «العروس»، الذى استغرق ما يقرب من ست سنوات، وهى فترة لا أراها طويلة فى كتابة عمل روائى؛ ففى روايتى الأولى «سحر أسود» استغرقت ما يقرب من ثلاث سنوات فى الكتابة، وكان من الطبيعى أن تستغرق «العروس» وقتًا أطول لأنها العمل الأكبر، من حيث الحجم، الذى اشتغلت عليه إلى الآن، وقد استغرقت وقتًا طويلًا فى مراجعتها وتكثيفها إلى أن وصلت لصورتها الأخيرة. فى هذه المرحلة الأخيرة، حينما لا أطيق النظر إلى العمل مرة أخرى أدرك أنه قد اكتمل. 

■ من أى منطقة التمعت لديك فكرة رواية «العروس»؟ 

- عادة يقودنى مشهد صغير فى الحياة اليومية أو تصوُر لشخصية ما أو مكان أو اللغة نفسها إلى البدء فى كتابة عمل جديد، فهذه هى المصادر التى أنطلق منها. 

فى رواية «العروس» بدأت الرواية من تصوُر لشخصيتى سامية بشندى وخالد عبدالبارى، فسعيت إلى تطويرهما عبر الكتابة، هذا فضلًا عن اختيار وسط البلد ليكون المكان الذى تدور به معظم الأحداث ويقع فيه هذا المكان المتخيل؛ «العروس»، بعد أن شهدت أعمالى السابقة حضورًا لأماكن مختلفة تمامًا. 

■ الشخصيات فى الرواية تنبض بالحياة وتبدو كأنها مشتقة من الواقع.. هل استقيتها بالفعل من الواقع أم هى شخصيات متخيلة؟ 

- الشخصيات ليست واقعية، لكن بعض الشخصيات لها فقط بذور من الواقع، فالشخصية فى العمل الفنى تُشبه الشخصيات التى نعرفها فى الواقع، لكن لا يمكن أن تُعبِّر عن شخصية محددة، فهى تستمد قوتها من تشابهها مع حياتنا اليومية، وما يجعل تأثيرها الفنى كبيرًا هو قدرتها على جعلنا قادرين على تذوق أوجه الجمال فى الوجود الإنسانى من خلال الفن. 

■ مع أن السرد بتنقله بين الماضى والحاضر يمكن أن يكشف عن ملامح زمن تقريبى لكنك اخترت ألا يكون هناك تحديد واضح لعام بعينه.. ماذا كان دافعك نحو ذلك؟ 

- هذه ملاحظة ثاقبة. تبدأ الرواية فى ليلة رأس السنة، ولكن بدون تحديد لسنة بعينها، سيشعر قارئ الرواية أن زمنها معاصر، لكن ليس ثمة ما يشير إلى سنة محددة، وهذا خيار مقصود تمامًا كى تظل الرواية منفتحة على الأبدية، وكى تظل قابلة للقراءة فى أى زمان. 

فضلًا عن ذلك، فأحداث الرواية لا تستغرق أكثر من ١٦ ساعة، وهو ما اقتضى استخدام «الفلاش باك» فى سرد بعض الأحداث، ولكنه جاء فى العمل مُكملًا للحدث وجزءًا من بنيته رغبةً منى فى التغلب على ما قد يحمله الاعتماد على هذه التقنية من إيقاف لتدفق الحدث. 

■ هل أردت من هذا التغييب للزمن أن تنأى بعملك عن أى بُعد سياسى مباشر؟

- أرى أنه المهم فى فن الرواية تخليد العابر، أى محاولة الخروج من المحدود فى الحياة الواقعية إلى اللا محدود، ومن العابر المؤقت والزائل إلى ما يمكن أن يعيش ويبقى طويلًا، وأظن أن هذا هو شاغل معظم الأعمال الأدبية المهمة. 

وعلى الرغم من أن الرواية فن مرن متعدد الأشكال، لكن الاتجاه الوقائعى بالرواية، أى أن يضم العمل أحداثًا وشخصيات حقيقية، برأيى ضد الفن، لأنه آنذاك يستمد العمل قيمته من صدق الوقائع وليس من صدق الفن، وهذه مسألة مختلفة تمامًا، فالكاتب بعمله على «رواية» يوقع عقدًا ضمنيًا مع القارئ يفيد بأن هذا العمل لم يحدث أصلًا، كما أن أبسط تعريف للرواية هو أنها قصة متخيلة، ومن ثم فهناك فارق بين جلب الواقع إلى الرواية وبين الإشارة إلى بعض العناصر والرموز المشتركة لإيهام القارئ بالواقعية. ومع أن بعض الروايات تكتسب أهميتها من إشارتها لوقائع أو شخصيات بعينها فى الواقع، لكننى أرى أن القيمة الفنية لمثل هذه الروايات محدودة، لأنها تزول بزوال المناسبة التى كتبت عنها. 

■ «مطعم العروس» هو المكان البؤرة الذى تجتمع به خيوط السرد فى رواية «العروس» وفيه تدور معظم الأحداث وأهمها.. فلماذا اخترت هذا التركيز على المكان عبر منظار الراوى العليم؟ 

- هناك عدد قليل من الأعمال التى وقع اختيارها على مكان محدود، لكن التحدى أمام الكاتب هو أن ينتقل من هذا المكان المحدود إلى اللا محدود، وهو ما حاولت تحقيقه فى رواية «العروس». 

سيلاحظ القارئ لأعمالى أن هذه هى المرة الأولى التى ألجأ فيها للكتابة على لسان الراوى العليم، فرواياتى السابقة كان الراوى فيها هو الشخصية الرئيسية، وأنا واع بهذه الانتقالة فى عملى، فقد كنت أنظر إلى الراوى العليم باعتباره صاحب المعرفة الكلية، وكنت حذرًا من استخدامه فى أعمالى السابقة، لكن فى رواية «العروس» لم يكن من الممكن أن يجرى السرد سوى عن طريق الراوى العليم، الذى لا يتدخل فى الأحداث ويشبه الكاميرا فى تصوير ما يجرى. 

■ هل جاء استقرارك على عنوان «العروس» لمزيد من التركيز على المكان الروائى أم بصورة أكبر لما قد يحمله من دلالات مزدوجة؛ بين «قمن العروس» فى الماضى و«مطعم العروس» فى الحاضر؟ 

- العنوان يفتح باب تأويلات مختلفة عند القارئ، فهو متصل بالمكان الروائى؛ مطعم العروس. وهو أيضًا من الكلمات القليلة جدًا فى اللغة العربية التى تُطلق على المذكر والمؤنث، ويمكن تأويله بصيغ أخرى تختلف من قارئ إلى آخر.

■ شخصية الحاج مرزوق عشم الله بالرواية أقرب إلى الرمزية وأشبه بشخصية «الجبلاوى» فى «أولاد حارتنا».. هل قصدت تحقيق هذا الاتصال بين الشخصيتين؟ 

- لا، لم يتبادر إلى ذهنى هذه المقاربة. الطابع العام للرواية غير واقعى، إذ يمكن ملاحظة سمة فوق واقعية بصورة ما، وثمة مفاتيح فى الرواية تتيح قراءتها بهذا الشكل، لكن بالنهاية الشخصية يمكن أن تكون قد وجدت أو قابلة لأن توجد فى الواقع. 

■ ما الذى يجمع بين أعمالك المختلفة؟ وما أوجه اختلاف رواية «العروس» عما كتبته من قبل؟

- يمكن النظر لرواياتى الثلاث السابقة باعتبارها ثلاثية، إذ يجمع بينها استخدام ضمير المتكلم وهو الشخصية الرئيسية فى العمل، كما أن أحداثها تدور فى فترات زمنية متتالية؛ فرواية «الحريم» تبدأ من السبعينيات وتنتهى فى عام ٢٠٠٠، وترسم بعض ملامح مصر فى تلك الفترة، أما رواية «سحر أسود» فتدور فى سنة الألفية الجديدة مع دخول العالم إلى القرن الحادى والعشرين، فيما تدور أحداث رواية «لذات سرية» من العام ٢٠٠٠ وحتى عام ٢٠٠٨. 

أما رواية «العروس» فهى نقلة مختلفة ومستقلة بذاتها، وإن كان ما يجمع بين كل ما أكتب هو بحثى الدائم عن شكل جديد يخصنى ككاتب. مشروعى فنى وأدبى أكثر من كونه مشروعًا أيديولوجيًا، فأنا مشغول بالتعبير عن الإنسان ورسم العالم الواسع للفرادة الإنسانية كما أراه.

■ الرواية تنتهى بفتح نافذة على الأمل رغم كل الأزمات التى مرّت بها شخصيات الرواية.. لِم وقع اختيارك على هذه النهاية؟

- بعض الكُتّاب يكون لديهم مخطط لعملهم الروائى فيعرفون من أين سيبدأ العمل وكيف سينتهى، لكن الأمر معى لا يسير على هذه الشاكلة، إذ أبدأ الكتابة قبل أن تتبلور الشخصيات والأحداث والتى تكتمل وتنضح فى أثناء الكتابة، ومن ثم تشكلت النهاية من صلب الأحداث وقت الكتابة، ولم يكن ثمة بديل لها.