رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فنان برتبة مناضل.. «سيد درويش» قاد ثورتين ضد المحتل والقوالب الموسيقية

سيد درويش
سيد درويش

تحل خلال هذه الأيام، ذكرى مرور قرن على وفاة الراحل سيد درويش، الذي رحل عن عالمنا في العاشر من سبتمبر عام 1923. 

وفي عدد مجلة “الكواكب” الـ277 والصادر بتاريخ 20 نوفمبر من العام 1956، كتب الناقد والمؤرخ الفني محمد علي غريب، عن الجانب الغير معروف للكثيرين عن دور فنان الشعب سيد درويش في مقاومة للمستعمر البريطاني لمصر.

ويربط “غريب” بين مولد سيد درويش ومسقط رأسه ــ الذي شهد دخول المستعمر الإنجليزي ــ الإسكندرية، وبين الكراهية التي تولدت بداخله للاستعمار: ولد الشيخ سيد درويش في حس شعبي من أحياء الإسكندرية، عقب الاحتلال البريطاني لمصر، وقد أبلي هذا الحي الشعبي في كفاح المستعمرين بلاء عظيما، وما يزال المعمرون من أبناءه يروون ذكرياتهم المريرة عن جهادهم الباسل ضد العداون الأثيم، ويترنمون بأمجاد الشهداء منهم الذين ذهبت أرواحهم إلي بارءها فخورا بما بذلت من تضحية وفداء.

سيد درويش وكراهية المستعمر

ورضع “درويش” مشاعر الكره للمستعمر الإنجليزي مع لبن أمه، وفي هذه البيئة الفقيرة التي نشأ فيها سيد درويش تتراكم الآلام والفواجع علي القلوب المجهدة فتصميها، وكان الاحتلال مزهوا بانتصاره، وهذه الملايين من الفقراء لا شأن لها بما قرره زيد وعبيد من الرضي عن الهزيمة وابتغاء حب السلامة، فالشعب الذي تمثله هذه الملايين لن ينهزم ولن يستسلم.

وضرب سيد درويش في فيافي الأرض، يبتغي تثقيف نفسه والحصول علي رزقه، وتفتحت في نفسه أزاهير هذه الهبة الآلهية المسماة بالعبقرية، واتجهت به إلي الفن، فهذا الوليد الناشئ في حجرتين مظلمتين، تنفجر في داخله هذه القوة التي تدمر لتبني.

ـ سيد درويش وثورة 1919

ويمضي المؤرخ الموسيقي محمد علي غريب في حديثه عن مقاومة سيد درويش للمستعمر البريطاني لافتا إلي: وفجأة وجد سيد درويش نفسه يخوض معركة في ثورة 1919 فاستيقظت في نفسه هذه الكراهية العنيفة القاسية التي ورثها عن أبيه وأمه، لأؤلئك الطغاة الإنجليز الذين هدت قنابلهم بيوت الحي الفقير الذي ولد فيه بالإسكندرية، وذهبت قذائفها بأرواح أبنائه البواسل. وهكذا أصبح سيد درويش الفنان العبقري، جنديا في المعركة، مجرد جندي، لا يميزه عن سائر الجنود سوي حماسته وفنه وبطولته.

 

درويش يغذي روح المقاومة في الشعب

وشدد “غريب” علي أن سيد درويش وجد نفسه يقود الثورة ويلهب عزائم الثائرين ويوقد نيران الجحيم الذي يفتح فوهاته ليلتقم الغاصبين. في هذه الأوقات كان الفن الشعبي الأصيل، طائرات ومدافع وبوارج ودبابات. كان سيد درويش يتلقف الأغنية من فم مؤلفها ليعدها ملحنة بعد ساعة، وبعد ساعات يكون شعب مصر كله يرددها في حماسة بالغة.

ولم تعد دور اللهو وسيلة لقضاء الوقت في التسلية وإمتاع النفس، ولكنها أصبحت محرابا للفن السماوي، تشد من عزائم الشعب وتحضه علي مواصلة القتال في سبيل الحرية والكرامة والاستقلال.

ما من أغنية تلقي في دار من دور اللهو إلا كانت نهايتها دعوة حماسية لمواصلة القتال وتحريضا علي الكفاح ونداء للبذل والتضحية. 

وكان سيد درويش يتولي تغذية قلوب أبناء الشعب الذين لا يرتادون دور اللهو، أؤلئك الملايين الذين يجوعون ويستبسلون في الجهاد فكنت تسمع رجل الشارع يغني: “اليوم يومك يا جنود .. ماتجعليش للروح ثمن”.

سيد درويش يهاجم جندي إنجليزي

ويروي “غريب” واقعة مهاجمة سيد درويش لأحد جنود المحتل الإنجليزي:  اتفق سيد درويش مع أخوانه الفنانين علي أن يرابطوا في جميع مواقع القاهرة، وأن يقودوا المظاهرات الصاخبة وهم يرددون معها هذه الأغنيات الحماسية.

ويذكر الرواة أن سيد درويش كان يركب مع نخبة من زملائه الفنانين في طريقهم إلي حي السيدة زينب، وفجأة برز لهم الجنود البريطانيون، وسدد أحد هؤلاء الجنود رصاصة إلي صدر سائق العربة. 

وأحس سيد درويش الخطر، فاندفع إلي سائق العربة وحماه بجسده، بعد أن أوقعه علي الأرض، وفي هذه اللحظة كان سيد درويش فدائيا. 

ويشدد “غريب”: خاض سيد درويش المعركة كجندي، وخرج منها بطلا خالدا، فإن أغنياته الحماسية مانزال نرددها إلي اليوم وسيرددها شعب مصر إلي الأبد.