رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فريدا معاناة الفنانة التشكيلية المكسيكية فى عرض راقص

العرض الراقص فريدا
العرض الراقص فريدا

كثيرًا ما يأخذنا ويخطف مشاعرنا تجاه القصص الإنسانية والواقعية منحى إنسانى يلمس مشاعرنا الداخلية ويلعب على أوتار الحس، خاصة لو كانت تلك القصص تراجيدية مؤلمة، فتلك طبيعة النفس البشرية، ومن خلال العرض الراقص «فريدا» الذى قدمته فرقة الرقص الحديث، تصميم وإخراج سالى أحمد، على هامش المهرجان التجريبى، والذى تناول قصة الرسامة التشكيلية فريدا كاهلو، ترجمت المخرجة حياة فريدا من خلال مجموعة لوحات راقصة تعبر عن محطات حياتها المؤلمة والمختلفة.

تحرك نص العرض بين عالمين أساسيين، الأول هو عالم حى وهو عالم الواقع المؤلم لحياة فريدا وآلامها الجسدية التى طالما عانت منها، والثانى هو عالمها الداخلى النفسى الذى تنسحب إليه فريدا من خلال رسوماتها ولوحاتها التشكيلية التى عبرت بها عن الواقع.

يتشكل الفضاء المسرحى بتصميم محمد عبدالرازق، من ثلاث شاشات، اثنتان على جانبى الخشبة يمينًا ويسارًا، والثالثة فى عمق منتصف الخشبة، أسفلها سلمان متقابلان يشكلان الشكل الهرمى المجسم والمفرغ من الداخل، والمغطى بقماش أبيض شفاف حيث يسمح برؤية الحركة داخله، وكأن رحلة فريدا تتشكل صعودًا وهبوطًا من هذا السلم وما يحدث بداخله.

يبدأ العرض بلوحة استعراضية لمجموعة الراقصين الذى ينتهى بحادث فريدا، لينقلنا بعد ذلك لوضع فريدا فى اللوحة الثانية وهى نائمة على سريرها بلا حراك فى منتصف عمق المخشبة، حيث تتدلى مرآة خلف رأس فريدا لنرى منها أقدامها وهى نائمة على سريرها دلالة على العجز الحركى، فنراها ترسم لوحاتها التى كانت هى وسيلتها الوحيدة فى التعبير، وكأن المخرجة أرادت أن تكثف حياة البطلة فى لوحة البداية.

تتوالى المشاهد «الفلاش باك» والتى نفهم من خلالها كيف تعرفت فريدا على زوجها دييجو، الرسام المكسيكى، ونشأت بينهما علاقة حب أدت إلى زواجهما، وكيف اختفت السعادة وحلت محلها خيانة دييجو لفريدا المتكررة، عبر هذا المكان أسفل السلم الهرمى فى منطقة «السلويت»، لتنغرس فريدا أكثر فى رسم لوحاتها التى تعبر عن معاناتها، وبعد عدة لوحات راقصة نصل لآخر ما رسمته فى حياتها وهى لوحة فيفا لافيدا، لتسطر فريدا آخر سطر فى حياتها بصعودها للسماء فى استعراض موحٍ وحالم وهادئ تاركة آلامها ومعاناتها وفنها نموذجًا للقوة والإرادة والحب.

استطاع الراقصون تجسيد رحلة المعاناة بمزيد من السلاسة والنعومة لتوصيل المعنى، كما عبّرت الموسيقى المعدة من ألبومات مختلفة عن الحالة الدرامية للعرض، فلقد تنوعت الموسيقى من المقطوعات اللحنية من ألبوم إليوت جولدنثال الذى أنتج خصيصًا لتجسيد رحلة فريدا ومقطوعات أخرى، أما عن الملابس فقد وظفت الأزياء المكسيكية، واتسمت ملابس فريدا بالطول الفضفاض وذلك للتأكيد على حالة إخفاء العيب الجسدى الذى طالما حاولت فريدا إخفاءه، كذلك استخدام الوشاح الأحمر فى بعض المشاهد لفريدا للدلالة على الحب تارة، والخيانة تارة، والإجهاض تارة أخرى، كما استعانت المخرجة بالملابس الوظيفية والواقعية فى العرض مثل بالطو الأطباء، والملابس البيضاء كالفراشة فى رحلة صعود فريدا الأخير.

لعبت الإضاءة دورًا مهمًا فى التأكيد على الحالة الدرامية والتعبير عن خلجات النفس البشرية، ومن خلال انعكاسات إضاءة الشاشات التى ساعدت، وبشكل كبير، التأكيد على لحظات التعايش سواء الواقعى أو الماضى للحالات المختلفة واللوحات المختلفة فى رحلة فريدا. فلقد استطاعت سالى أحمد تجسيد رحلة معاناه فنانة «امرأة» بشكل إنسانى، حيث سلطت الضوء على المرأة كنموذج أساسى وداعم فى المجتمع بشكل واعٍ وموفق فى اختيار القضية المطروحة، حيث قدمت نموذجًا حقيقيًا مهمًا ودالًا وبعيدًا عن القضايا التقليدية والمتكررة.