رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا قرر صلاح الاستمرار فى أوروبا؟

صلاح
صلاح

حينما انضم محمد صلاح إلى روما الإيطالى قادمًا من تشيلسى الإنجليزى، عقب فترة إعارة مع فيورنتينا، بدأ تحدٍ جديد، وكان وحده فى هذا التوقيت يؤمن بقدرته على مقارعة أساطير كرة القدم.

وفى سبيل ذلك، سخّر «مو» كل وقته لمشروعه، حوّل منزله إلى ملعب صغير، وخصص جزءًا كبيرًا من دخله، الذى لم يكن وقتها بحجم الملايين المتداولة حاليًا، للاستثمار فى نفسه.

تعاقد مع مدرب أحمال ليسهم فى بناء جسد قوى وبنيان صلب قادر على خوض أصعب التحديات والفوز بأكبر الصراعات، وجلب مدربًا متخصصًا فى تطوير أداء المهاجمين لكى يحسن طريقة إنهائه أمام المرمى ويزود من عدد أهدافه. وحتى أدق تفصيلة صغيرة لم يتركها «مو»، فتعاقد مع مدرب خاص ليساعده فى كيفية اللعب بقدمه اليمنى التى كانت «شبه ميتة».

فى هذا الوقت لو نظرت إلى لاعبين آخرين من المصريين المحترفين فى أوروبا، دون ذكر أسمائهم، ستجد أنهم اهتموا بتحويل رواتبهم إلى أسرهم فى الأقاليم؛ لكى يشيدوا البنايات ويشتروا الأراضى ويمتلكوا المزارع، كانت تلك أهدافهم فتوقفوا عندها، وبات مشوارهم فى أوروبا مجرد وجود لا أكثر.

لا نقول هنا إن «صلاح» لم يكن يحلم بشراء الأراضى وامتلاك البنايات، وأن يزداد غنى وثراءً، لكن ما نود الوصول إليه، أن «صلاح» من أولئك أصحاب الرؤية الواسعة، الذين ينظرون للأمام ويستثمرون فى أدواتهم وممتلكاتهم خير استثمار، وبدل من أن يمتلك عقارًا الآن، سيصبح بعد بضع سنوات مستثمرًا كبيرًا فى العقارات، يبيع ويشترى فيها بالعشرات والمئات كيفما يشاء.. هذا ما جرى فى مسيرة «مو» مقارنة بالآخرين.

من مشوار «صلاح» وقصته، تستطيع أن تفهم أن «مو» صاحب فكر مختلف، وحتى بالمعايير المادية البحتة، فهو شخص لا ينظر تحت قدميه، فلا تظن أن الإغراءات التى تقدمها إدارة اتحاد جدة السعودى قد تعميه عن «مكاسب عظمى» تنتظره فى المستقبل.

لا يخفى على أحد أن الأرقام المعروضة على نجم ليفربول الآن قد تصل ٥ أضعاف راتبه مع ليفربول وربما تزيد، لكن حتى لو اعتبرنا أن المعيار المادى وحده سيحكم قرار «صلاح»، فمن قال لك إنه لن يجنى هذه الأموال مضاعفة فى المستقبل؟!

«صلاح» على بعد أمتار قليلة من انضمامه لقائمة «العظماء العشرة» فى ترتيب هدافى البريميرليج، ولا يحتاج سوى ١٠ أهداف ليصل لرقم مايكل أوين فى الترتيب العاشر، وكم لهذه المكانة من قيمة جماهيرية وتسويقية، سيظل «صلاح» يتربح من ورائها طوال عمره.

كما أن الاستمرار فى تحطيم الأرقام القياسية، سواء لناديه ليفربول أو البطولات الإنجليزية، سيدفع «صلاح» نحو قمم أعلى، تجعله يعيش طوال حياته كأحد السفراء العظماء، ويظل اسمه علامة تجارية مرغوبة، ويجنى من ورائه المال.

كل رقم قياسى جديد وكل إنجاز فردى أو جماعى مع ليفربول فى هذه المرحلة الصعبة فى مسيرة «صلاح»، سيكون لها أثر ومردود مادى بقية حياته، لا شك فى ذلك.

وبعيدًا عن البعد المادى، فإن هناك منجزات ونجاحات أخرى، تمثل لبعض الأشخاص الناجحين والفاعلين فى المجتمعات معانى وقيمًا أهم.

على سبيل المثال تبدأ كرة القدم اليوم حقبة جديدة بلا «ميسى» ولا «رونالدو»، وها هو نجم «هالاند» يصعد عنان السماء ويناطح الجميع منذ موسمه الأول مع مانشستر سيتى.

هذا الرجل النرويجى صاحب البنيان الجسدى المرعب والأرقام المخيفة، سيصبح واحدًا من الحكايات الأسطورية التى لن تقل إثارة وروعة عن قصص مارادونا وبيليه، وكبار أساطير اللعبة.

هل يفوّت «صلاح» فرصة منافسة هذا الرجل الاستثنائى، وينظر إلى الراتب فى جدة فقط؟

ماذا لو بعد ١٠ و٢٠ و٣٠ عامًا، وعدنا بالذاكرة فوجدنا «صلاح» يقف على منصة «الكرة الذهبية» منافسًا لهذا النرويجى الشرس، ومع الفرنسى الحدوتة كيليان مبابى.

يظن البعض أن تفويت فرصة الراتب السعودى الضخم أمر مجنون، لكن الأكثر جنونًا هو تفويت فرصة عظيمة لمنافسة ثنائية لـ«هالاند» و«مبابى»، وكتابة تاريخ سنظل نعود له عشرات السنين، وسيكون من أهم صفحات تاريخ كرة القدم.

«صلاح» يمكنه منافسة «هالاند»، على الأقل، فى صراعى «هداف الدورى الإنجليزى» و«أفضل لاعب فى البريميرليج»، وحتى إن خسر الصراع ففى نهاية الأمر سنذكره بأن الرجل الذى خسر أمام هذا الوحش كان نجمنا المصرى محمد صلاح، وفى هذه الحالة هو لم يخسر، بل فاز بالوقوف خلف ظاهرة خارقة.

لا ينظر محمد صلاح للأمور من نظرتنا الضيقة، ورغم محاولات التشكيك فيه، وقدرته فى الفوز بـ«الكرة الذهبية»، فإنه لا يزال يؤمن بحظوظه، خاصة مع تحسن ملحوظ لفريقه، من المنتظر أن يستمر فى صفقات الشتاء وصفقات الصيف المقبل.

ومع ذلك فإن مجرد الصراع والتنافس على «الكرة الذهبية» مع «هالاند ومبابى»، سيكون ذا مردود عظيم معنويًا وجماهيريًا وتسويقيًا وماديًا.

كثير من التعليقات السلبية تهد فى «صلاح»، وتطعن فى كل من يدعم وجهة النظر هذه، وتؤكد بنظرة سلبية أن قائد المنتخب لن ينافس حتى، ولن يكون له وجود، لكنه وحده، مثلما آمن بنفسه يوم خرج من نجريح إلى القطار المؤدى إلى القاهرة، سيظل مؤمنًا بإرادته وعمله، وواثقًا فى توفيق الله له فى أصعب وأهم الأوقات، ومن يعرف مسيرته جيدًا، يدرك أنه لا يحب منطقة الراحة ولا البقاء فيها، ودومًا ما يختار الطريق الأطول والأكثر شقاءً.

منذ فتح الباب أمام اتحاد جدة للتفاوض، وضع محمد صلاح ووكيله رامى عباس هدفًا أساسيًا، نجحا فيه، فلأول مرة منذ سنوات طويلة تختفى قصة «مبابى ومدريد» من الميركاتو لصالح قصة أخرى كان بطلها محمد صلاح، ومن يدرك قيمة هذا البعد التسويقى وأهميته فى الوصول للقمة والبقاء عندها، لا يمكن بأى حال أن يترك إنجلترا وأوروبا ومنافسة «هالاند» و«مبابى» لأى مكان آخر.