الأحزاب على مائدة الحوار الوطنى
كنت كغيري من المهتمين بالشأن العام نمنّي أنفسنا بدور أكثر فاعلية للأحزاب السياسية خلال مشاركتها في الحوار الوطني المنعقدة جلساته منذ أمد ليس بقليل، إلى أن صرّح ضياء رشوان، المنسق العام للحوار، خلال حديث تليفزيوني أخير له بأنه كان هناك قدر من الشكوى من حال الأحزاب خلال جلسات الأسبوع السادس للحوار الوطني، لافتًا إلى أن قادة الأحزاب يشعرون بعدم الراحة فيما يتعلق بأوضاعهم.
بالطبع أجد من حق الجميع أن يتحدث بما يشاء، معبرًا بكامل الحرية عن قناعاته طالما جاءت في سياق شرعي بعيدة عن المحاذير الثلاثة التي حددها المنسق العام في كلمته بجلسة افتتاح الحوار، وفي المقابل أرى أن من حقنا كمواطنين أن نبدي تحفظاتنا على ما يرد في الجلسات من آراء شخصية أو فئوية أو حتى حزبية وتلك إحدى مزايا الحوار بل ومن أهم أهدافه أيضًا.
وكلامي في هذا المقال لا ينطبق على كل الأحزاب، لكنه يعني عددًا كبيرًا منها، فقد تأسست أحزاب كثيرة بعد يناير 2011 تنوعت مشاربها وتوجهاتها وكذلك أهدافها بين أحزاب لها هوية دينية، وأخرى ادّعت الدفاع عن الثورة، وثالثة اشتراكية المبادئ غير أن المدهش فعلًا هو أننا وجدنا أحزابًا تم تصنيفها تحت بند "غير معروفة" أيديولوجيتها، أو "غير واضحة" التوجه وهذا توصيف دقيق لحال معظم الأحزاب التي سعى مؤسسوها إلى التواجد لمجرد التواجد فتضاعف عدد الأحزاب السياسية بعد 2011 عمّا كان قبلها، حتى بلغت في عام 2018 نحو 104 أحزاب مشهرة حسب القائمة المنشورة بموقع الهيئة العامة للاستعلامات.
ولعلكم تتذكرون كيف سعد الجميع بمتابعة التباري في تأسيس الأحزاب بعد الثورة، ورفعنا شعار "دع ألف زهرة تتفتح" ولكن مضت بنا الأيام بل والأعوام ولم نشهد في ساحتنا السياسية سوى بعض الأحزاب النشيطة فعلًا والمتواجدة سياسيًا والممثلة برلمانيًا والمتفاعلة شعبيًا، فقد تابعنا نشاط أحزاب كان لها- ومازال- دور مجتمعي بالسعي لعمل مبادرات مطلوبة ويحتاجها الشارع مثل: طرح السلع بأسعار أكثر عقلانية لمحاربة الغلاء، الاحتفاء بالمتفوقين وأسرهم، دعم سكان المناطق الأولى بالرعاية، وتوفير فرص عمل للشباب.
ولكن بقى شأن باقي الأحزاب لا يتعدى كونه وجاهة اجتماعية لمؤسسيها، حتى إنني رأيت بعينىّ رأسي رئيس حزب كتب اسم الحزب وأنه رئيسه بالخط العريض على زجاج سيارته الفارهة، ناهيك عن كم الانشقاقات والخلافات التي وقعت في كثير من الأحزاب وفي رأيي أن هذا أمر لا يتسق مع الإرث التاريخي للحياة الحزبية في مصر والتي بدأت منذ عام 1879 مع الحزب الوطني الذي أسسه العرابيون، ثم ما جرى من تطور سياسي عام 1907 بتشكيل عدد من الأحزاب كان أولها حزب الأمة وقد كانت الحياة الحزبية وما شهدته من فساد- دعا للتدخل سعيًا لإصلاح أحوالها- أحد أسباب قيام ثورة يوليو 1952.
غير أن تجربة التنظيم السياسي الأوحد لم يكن لها الحظ الوفير من النجاح الذي يدعونا للتمسك بها، فعدنا للمنابر ومنها إلى الأحزاب، ثم جاءت الثورتان يناير- يونيو لتعطي الدولة مساحة أكبر في تشكيل الأحزاب، كما سبق وذكرنا، والسؤال المنطقي هو: لماذا يغيب شبابنا- في معظم الأحوال- عن العمل الحزبي؟ وأين هم كأعضاء بالأحزاب بعيدًا عن النجوم منهم المشاركون في تنسيقية شباب الأحزاب؟ بل وأين دور الأحزاب ذاتها من مشكلات المواطنين وتقديم الخدمات لهم؟ وأين دور تلك الأحزاب في الحياة السياسية دعمًا أو معارضة؟ وأين نجوم الأحزاب المؤهلون بحكم جماهيرية أحزابهم وانتشارها للمنافسة في الاستحقاقات الوطنية وليس التمثيل المشرف، كما يقولون؟
نعود لما بدأنا به مقالنا من شكوى بعض قيادات الأحزاب من حالهم، إذ نظن أنك أنت من تصنع دورك ومن ترسم توجهاتك التي بها تتحدد مكانتك، فالمواطن في مصر أثبت نضجًا سياسيًا، رغم عزوفه عن المشاركة في العمل الحزبي والسياسي، لكنه سيكون داعمًا وبقوة لمن يشاركه آهاته ويعيش معه لحظات سعادته، ويخفف عنه أعباء المعيشة وغلاء الأسعار، ويمنع عنه جشع المتاجرين بقوت يومه الشحيح، وإذا كنا نسعى لزيادة المشاركة الشعبية في الاستحقاقات، فإن على الأحزاب أن تبدأ بالخطوة الأولى نحو المواطن ليرد لها الجميل– لاحقًا- بتأييد مرشحيها ودعم اختياراتها في قادم الاستحقاقات، وهذا كله في حقيقة الأمر دعم لمصر وليس للأحزاب في حد ذاتها.