رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ولاية جديدة.. المحقق والمأمول

يُقال: كان فى الإمكان أفضل مما كان، والواقع يقول: لم يكن فى الإمكان الأفضل، مصر بجغرافيتها وعبقريتها المكانية اللائقة، مصر بشعبها وتراثها العريق، ومصر بحدودها المفتوحة المترامية، ثم مصر بقائدها والتحديات التى حاصرته منذ ٢٠١٤ حتى اللحظة، تمامًا هى مصر التى تحقق الإنجازات رغم التحدى، وتقفز على الحقائق المعرقلة، رغم سوء النوايا ومخابئ الدولة العميقة.

خلال فترة حكم الرئيس السيسى لم يكن سهلًا مقاومة الإرهاب، أو تجفيف منابعه، بل كان من المستحيل والعالم كله يقف وعلى رأسه الطير يعانى من الآفة الخطيرة، يحارب ما يصل إليه من متطرفين، وما ينتج عن ممارساتهم من جرائم ضد الإنسانية.

لم يكن لهذا الإرهاب وطن أو دين، ملة أو عرق، أصل أو جذور، مثل تلك التى كانت واضحة وضوح الشمس فى منطقتنا العربية.

الإقليم كله يتغير، العراق تغير، ولبنان تغير، وسوريا تحت ما يسمى بـ«شبه الاحتلال»، حتى اليمن السعيد لم يصبح سعيدًا، وليبيا القديرة يتم تقسيمها بحكومتين، وشعبها إلى عدة شعوب، ومجموعة من الأعراق والقبائل وأصحاب المصالح المضادة لمصلحة الوطن.

هكذا نرى الإقليم وهو يغلى، والمنطقة وهى تئن تحت وطأة التدخلات الأجنبية، والمشاحنات والتناحرات الطائفية، حتى السودان أصبح فى مهب التقسيم، ميليشيات تخرج من عباءات الجيوش النظامية، تهدد الزرع والضرع، وتضرب استقرار وأمن الوطن فى مقتل.

وها نحن نعيش منذ العام ٢٠١٤ والحياة من حولنا ليست الأفضل، والشعوب من أشقائنا وهم يعانون التشرد والتهجير والقتل وسفك الدماء.

لم تعد قضيتنا العربية المحورية هى فقط «فلسطين»، أو هى فقط حقوق العودة للاجئين وانسحاب إسرائيل من الأراضى التى احتلتها عام ١٩٦٧، بل إنها أصبحت قضية العرب أجمعين، فى العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا والسودان، وليست وحدها فلسطين.

وسط هذا الوضع الإقليمى الخطير، والحدودى الأخطر، عبَر الرئيس السيسى ببلاده إلى بر الأمان، وبدأ عملية التنمية المستدامة من أول لحظة تسلم فيها الحكم، اهتم بالبنية التحتية التى عفا عليها الزمن، وأعاد بناء الجسور وتعبيد الطرق والكبارى وكل مشكلات الاختناقات المرورية، أقام الصروح العمرانية الجديدة فى كل مكان تقريبًا على أرض مصر، مشروع ١٠٠ مليون صحة، وحرصه على الإنسان وعافيته باعتباره الهدف الأساسى من النماء والتنمية، القضاء على فيروس سى، لأول مرة فى تاريخ هذا المرض اللعين.

أما ملف العشوائيات فتلك ملحمة أخرى، وذلك نضال آخر على مستوى الشعب المهمش، وهؤلاء المحتاجون، بدأت ثورة إنسانية جديدة مفادها: الارتقاء بالمواطن عن طريق حياة كريمة، وإنشاء «الأسمرات» وتوابعها، بيوت وشقق مفروشة على أحدث طراز، بخدمات تعليمية وصحية ومرافق على أعلى مستوى، أربعة آلاف قرية ضمن المشروع العملاق تمت إعادة الحياة والمياه الصالحة لها، ويجرى حاليًا إعادة هيكلتها لحفظ آدمية من يعيشون فيها، وإعادة القرية المصرية لسابق عهدها، قرية منتجة وليست مستهلكة، قرية تصدر الخير لكل مدن مصر ولا تنتظر الإعانات من أى مدينة.

هكذا تحقق الانتصار على الطبيعة الصعبة، فتم إنشاء المدن اللوجستية والسياحية الجديدة، تم شق الجبال والصحارى، وإقامة الطرق الذكية والكبارى متعددة الطوابق والمحاور والاتجاهات، تمامًا مثلما تم ربط كل محافظات وقرى ومدن ونجوع مصر ببعضها البعض ضمن مشروع قومى لسكك حديد مصر وتوابعها.

والسؤال، وبعد ما تحقق خلال تسع سنوات بالتمام والكمال، ماذا ننتظر من الرئيس السيسى ونحن مقبلون على انتخابات ولاية رئاسية جديدة؟ السؤال وجيه، ولا يخرج عن كل ما يصبو إليه الإنسان على مستويين:

الأول: الاقتصاد، وهو ملف مثقل بالهموم، بالمديونيات الصعبة، بالجنيه المصرى المتراجع، وكيفية توفير الدعم له، الإنتاج الصناعى المأمول، مشروعاته التى ما زالت دون مستوى طموح الميزانية العامة للدولة، بل دون مستوى طموح رجل الشارع العادى، كيفية النهوض بالحالة الاجتماعية للناس، لمحدودى الدخل وأصحاب المعاشات، والطريق الأسرع لضبط الأسعار مهما تغيرت أسعار صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية عمومًا وأمام الدولار على وجه الخصوص، كل ذلك وأكثر ينتظر الرئيس السيسى وحكومته، وهو مقبل على فترة ولاية جديدة يلعب فيها الملف الاقتصادى دور البطولة، وتلعب فيها القطاعات المحورية أدوارًا قد لا تقل أهمية.

الثانى: الملف الثقافى، وهو الملف الذى يجب أن يحصل من العناية والاهتمام على ما يحقق التنوير مثلما يجب أن يكون، والتغيير للأفضل مثلما يحلم به مثقفونا الذين يعانون ضنك العيش.

الملف الثقافى الذى هو عقل الأمة يحتاج إلى إعادة نظر، حماية للهوية والشخصية المصرية، وصونًا للتراث والتاريخ الوطنى الحافل، وإعادة المثقف المصرى إلى قيمته التى فقدها فى زحمة الأزمات الاقتصادية، والمفاجآت غير المحسوبة عواقبها.

أخيرًا، ملف المصريين فى الخارج، وهو ملف شائك يحتاج إلى نظرة خارج جميع الصناديق التقليدية القديمة، بأن هؤلاء المصريين مجرد «بقرة حلوب» وليسوا عنصرًا فاعلًا من عناصر الإنتاج، وعضوًا أصيلًا ومحركًا لعجلة التنمية، وهو ملف أيضًا فى غاية الصعوبة نظرًا لما يواجهه من تغافل وتجاهل وإهمال.